الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
صفحة جزء
[ ص: 582 ] حرف الضاد المعجمة

( ضرب) له أربعة معان: من الضرب باليد وشبهه. ومن ضرب الأمثال. ومن السفر، ومنه: ضربتم في الأرض . ومن الإلزام، ومنه: ضربت عليهم الذلة ، أي ألزموها.

( وضربنا على آذانهم ) ، ألقينا عليهم النوم. و أفنضرب عنكم الذكر ، أي نمسك عنكم التذكير.

( ضر ) ، بفتح الضاد وضمها بمعنى، وكذلك الضير - بالياء، ومنه: لا يضركم كيدهم . والضراء: ما يصيبه من المرض وسوء الحال.

( ضيق ) ، وضيق مثل ميت وميت، ويجوز أن يكون الضيق، والضيق مصدر. وفي قوله تعالى: ولا تك في ضيق مما يمكرون . تسلية له - صلى الله عليه وسلم -، أي لا يضيق صدرك بمكرهم، وهو منسوخ بآية السيف.

فإن قلت: أي فرق بين هذه الآية في حذف النون منها، وبين إثباتها في آية النمل؟

والجواب: إنما حذفها في النمل موافقة لما قبلها، وهو قوله: ولم يك من المشركين . وأيضا فقد قدمنا أنه سلي بها عن قتل عمه حمزة، فبالغ في الحذف. ليكون ذلك مبالغة في التسلي. وجاء في النمل على القياس، ولأن الحزن هناك دون الحزن هنا. وهذه الكلمة كثر ورودها في القرآن، فحذف النون منها تخفيفا من غير [ ص: 583 ] قياس، بل تشبيها بحروف العلة، وأتى ذلك في بضعة عشر موضعا: سبعة منها

( يك ) بالياء، وموضعان نك بالنون، وموضع آخر أك بالهمزة. والله أعلم.

( ضنكا ) ، أي ضيقة. والمعنى أن الله تعالى ضيق عليه المعيشة، وهكذا حال من أنعم الله بوجوده من سبع ورزقه من سبع، فكفر بأنعم الله، وأعرض عنها، وصرف همته لغير ربه أن يضيق عليه في الدنيا، ويحشر أعمى في العقبى، قال: كذلك أتتك آياتنا فنسيتها وكذلك اليوم تنسى .

فإن قلت: أما خلقنا من سبع، فقد فهمناها من الآية الكريمة، وأما رزقنا من سبع فلم نفهم معناها؟

والجواب أن الله خلقنا في سبعة أحوال من سبعة أشياء، وأرواحنا من سبعة أشياء، وخلق لنا سبعة أركان ظاهرة، وسبعة أركان باطنة، ثم رزقنا من سبعة أشياء، ثم وعدنا بسبع مقامات. أما الأحوال السبعة فقال تعالى: ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين .

وأما الأرواح فمن النار، والنور، والريح، والطيب، والعلم، والأنس، والبقاء، ثم جمعه في قلبك فحينئذ تتحرك في بطن أمك، فحرارة الروح من النار، وضياؤه من النور، وطهارته من الطيب، ونفسه من الريح، وذهنه من العلم، وألفته من الأنس، وحياته من البقاء. ثم رزقك من دم الحيض إلى حال الخروج، ثم اللبن إلى الفطام، ثم بعد ذلك خمسة أشياء: الماء من السماء، والنبات من الأرض، واللبن من الثدي، والثمار من الشجر، واللحم من الأنعام. ثم خلقك من سبعة أشياء: من العظم، والعصب، والعروق، واللحم، والجلد، والظفر، والشعر. وأعطاك سبعة أركان باطنة: القلب، والكبد، والطحال، والمرارة، والرئة، والدماغ، والمخ. [ ص: 584 ] وأعطاك سبعة أركان ظاهرة: اليدين، والرجلين، والعينين، والأذن. والأنف، واللسان، والفرج.

ثم رزقك من سبعة أشياء، فقال تعالى: أنا صببنا الماء صبا . فهذا معنى الحديث: خلقتم من سبع، ورزقتم من سبع.

ثم وعدك بسبع مقامات: الموت، والقبر، والبعث، والميزان، والمحاسبة. والصراط، والدارين، فريق في الجنة وفريق في السعير.

فمن عرف هذا كيف يلتفت لسواه سبحانه، أو يطلب غيره، هذا في المعيشة الضيقة في الدنيا والآخرة، هلا تشبه بالملائكة الكرام في السبع سموات: منهم من عبد الله على الحياء والملازمة، ومنهم على الخوف والخشية، ومنهم على حسن الظن، ومنهم على الخدمة والحرمة، ومنهم على المودة والمحبة، ومنهم على الشوق والصفاء، ومنهم على القرب والمؤانسة. ونحن لا من هؤلاء ولا من هؤلاء، بل من الذين قال الله فيهم: إن هم إلا كالأنعام بل هم أضل . ورحم الله القائل: خلقك في العالم المتوسط بين ملكه وملكوته، ليعلمك جلالة قدرك بين مخلوقاته، وأنك جوهرة تنطوي عليك أصداف مكنوناته.

وجميع العالم مبني على سبعة أشياء: ضياء، ونور، وظلام، ولطافة، وكثافة، ودقة، ورقة، فجعل الضوء نصيب الشمس، والنور نصيب القمر، قال تعالى: هو الذي جعل الشمس ضياء والقمر نورا . وجعل الضوء نصيب وجهك. والنور نصيب بصرك، والظلام نصيب الشياطين، وجعله لشعرك. واللطافة نصيب الطيور، وهو نصيب قلبك. والكثافة نصيب الجبال، وهو نصيب عظمك. والدقة نصيب الماء، وهو نصيب ريقك. والرقة نصيب الهواء، وهو نصيب روحك. ثم جعل في قلبك الضوء مثل المعرفة، والنور مثل اليقين. والظلام مثل السيئة، واللطافة مثل الرجاء، والكثافة مثل الخوف، والرقة مثل المحبة، والدقة مثل الشوق، فمن أراد أن تكون عيشته هنيئة، وحياته طيبة فليشعل في قلبه المعرفة بزند الجهد، وحجر التضرع، وحراقة إطفاء الشهوة، [ ص: 585 ] وكبريت الانتباه، ومسرجة الصدق، وفتيلة الشكر، ودهن التوكل، حتى توقد نور المعرفة في قلبه، كالذي يريد أن يوقد نارا يحتاج إلى سبعة أشياء: زند، وحجر، وحراقة، وكبريت، ومسرجة، وفتيلة، ودهن، ثم يعلق السراج بثلاث سلاسل في ثلاث عرا ، وحينئذ يعلق في سقف البيت.

وهكذا صاحب سراج المعرفة لا بد له من سلسلة الخوف معلقة بعروة العدل، وسلسلة من الرجاء في عروة الفضل، وسلسلة من المحبة في عروة الكرامة، وحينئذ يعضد بالعرش، ولا تقدر رياح الأعضاء السبعة ومعاصيهن أن تطفئ هذا السراج، فهؤلاء المجوس أوقدوا نارا ليعبدوها فلم يقدر أحد على إطفائها، فكيف يقدر أحد على إطفاء نور المحبة. والله تعالى يقول: يريدون أن يطفئوا نور الله بأفواههم ويأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون

( ضللنا في الأرض ) : أي صرنا ترابا، وهذا استبعاد من الكفار للبعث. وقرئ صللنا، أي أنتنا وتغيرنا، من قولهم: صل اللحم وصن وأصن: تغير.

( ضريع ) : فيه أربعة أقوال:

أحدها: أنه شوك، يقال له الشبرق، وهو سم قاتل. وهذا أرجح الأقوال، لأن أرباب اللغة ذكروه، ولأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال الضريع: شوك في النار.

الثاني: أنه الزقوم، لقوله: إن شجرت الزقوم طعام الأثيم .

الثالث: أنه نبات أخضر منتن ينبت في البحر. وهذا ضعيف.

الرابع: أنه واد في جهنم. وهذا أضعف، لأن ما يجري في الوادي ليس بطعام، إنما هو شراب، ولله در من قال: الضريع طعام أهل النار، فإنه عم وسلم من عهدة التعيين. واشتقاقه عند بعضهم من المضارعة بمعنى المشابهة، لأنه يشبه الطعام الطيب، وليس هو به. وقيل : هو بمعنى مضرع البدن أي مضعف. [ ص: 586 ] وقيل : العرب لا تعرف هذا اللفظ.

( ضحى ) أول النهار. والفعل منه أضحى. وأما ضحي، بكسر الحاء، يضحى في المضارع، فمعناه برز للشمس وأصابه حرها. ومنه: لا تظمأ فيها ولا تضحى " ضعف، وضعف " : لغتان. وضاعف الشيء كثره، وجرى فيه التشديد. وضعف الشيء، بكسر الضاد: مثلاه. وقيل مثله. والضعف أيضا العذاب.

( ضل ) ، بضاد، من الضلال. ومنه: وأضلهم السامري . وبالظاء المشالة، من الإقامة. وأصله ظللت فحذفت إحدى اللامين. ومنه: ظلت عليه عاكفا - وأصله أقام بالنهار، ثم استعمل في الدؤوب على الشيء ليلا ونهارا.

( ضغثا ) : ملء كف من الحشيش والشجر. قال الضحاك: كالشجر الرطب. قال ابن عباس: قبض أيوب قبضة من سنبل، فوسعت كفه مائة سنبلة، وذلك أنه حلف ليضربن امرأته مائة جلدة لما باعت ذؤابتها، فأمره الله بأخذ حزمة مما قام على ساق، لأن لها حق الخدمة.

وأنت يا محمدي إذا خدمته وقمت بحقه، ولن تقدر على ذلك، لا يجمع عليك عقوبتين، فتورد النار، لإبرار قسمه في قوله تعالى: وإن منكم إلا واردها . وينجيك منها لحرمة إيمانك، قال تعالى: ثم ننجي الذين اتقوا وسيجنبها الأتقى

( ضدا ) ، يكون للواحد والجمع، ومعناه أن الكفار يكفرون بعبادة المعبودين، ويكون لهم خلاف ما أملوه منهم فيصير العز الذي أملوه ذلة. وقيل معناه العون.

( ضيزى ) : أصلها فعلى بضم الفاء، ولكنها كسرت للياء التي بعدها. يقال ضازه حقه إذا نقصه.

التالي السابق


الخدمات العلمية