الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          يمن

                                                          يمن : اليمن : البركة ; وقد تكرر ذكره في الحديث . واليمن : خلاف الشؤم ، ضده . يقال : يمن فهو ميمون ، ويمنهم فهو يامن . ابن سيده : يمن الرجل يمنا ويمن وتيمن به واستيمن ، وإنه لميمون عليهم . ويقال : فلان يتيمن برأيه أي يتبرك به ، وجمع الميمون ميامين . وقد يمنه الله يمنا ، فهو ميمون ، والله اليامن . الجوهري : يمن فلان على قومه ، فهو ميمون إذا صار مباركا عليهم ، ويمنهم ، فهو يامن ، مثل شئم وشأم . وتيمنت به : تبركت . والأيامن : خلاف الأشائم ; قال المرقش ، ويروى لخزز بن لوذان :


                                                          لا يمنعنك من بغا ء الخير تعقاد التمائم     وكذاك لا شر ولا
                                                          خير على أحد بدائم     ولقد غدوت وكنت لا
                                                          أغدو على واق وحائم     فإذا الأشائم كالأيا
                                                          من والأيامن كالأشائم

                                                          وقول الكميت :


                                                          ورأت قضاعة في الأيا     من رأي مثبور وثابر



                                                          يعني في انتسابها إلى اليمن ، كأنه جمع اليمن على أيمن ثم على أيامن مثل زمن وأزمن . ويقال : يمين وأيمن وأيمان ويمن ; قال زهير :


                                                          وحق سلمى على أركانها اليمن



                                                          ورجل أيمن : ميمون ، والجمع أيامن . ويقال : قدم فلان على أيمن اليمن أي على اليمن . وفي الصحاح : قدم فلان على أيمن اليمين أي اليمن . والميمنة : اليمن . وقوله - عز وجل - : أولئك أصحاب الميمنة ; أي أصحاب اليمن على أنفسهم أي كانوا ميامين على أنفسهم غير مشائيم ، وجمع الميمنة ميامن . واليمين : يمين الإنسان وغيره ، وتصغير اليمين يمين ، بالتشديد بلا هاء . وقوله في الحديث : إنه كان يحب التيمن في جميع أمره ما استطاع ; التيمن : الابتداء في الأفعال باليد اليمنى والرجل اليمنى والجانب الأيمن . وفي الحديث : فأمرهم أن يتيامنوا عن الغميم أي يأخذوا عنه يمينا . وفي حديث عدي : فينظر أيمن منه فلا يرى إلا ما قدم ; أي عن يمينه . ابن سيده : اليمين نقيض اليسار ، والجمع أيمان وأيمن ويمائن . وروى سعيد بن جبير في تفسيره عن ابن عباس أنه قال في : كهيعص : هو كاف ، هاد ، يمين ، عزيز ، صادق ; قال أبو الهيثم : فجعل قوله كاف أول اسم الله كاف ، وجعل الهاء أول اسمه هاد ، وجعل الياء أول اسمه يمين ، من قولك يمن الله الإنسان يمينه يمنا ويمنا ، فهو ميمون ، قال : واليمين واليامن يكونان بمعنى واحد كالقدير والقادر ; وأنشد :


                                                          بيتك في اليامن بيت الأيمن



                                                          قال : فجعل اسم اليمين مشتقا من اليمن ، وجعل العين عزيزا ، والصاد صادقا ، والله أعلم . قال اليزيدي : يمنت أصحابي أدخلت عليهم اليمين ، وأنا أيمنهم يمنا ويمنة ويمنت عليهم ، وأنا ميمون عليهم ، ويمنتهم أخذت على أيمانهم ، وأنا أيمنهم يمنا ويمنة ، وكذلك شأمتهم . وشأمتهم . وأخذت على شمائلهم ، ويسرتهم : [ ص: 324 ] أخذت على يسارهم يسرا . والعرب تقول : أخذ فلان يمينا وأخذ يسارا ، وأخذ يمنة أو يسرة . ويامن فلان : أخذ ذات اليمين ، وياسر : أخذ ذات الشمال . ابن السكيت : يامن بأصحابك وشائم بهم أي خذ بهم يمينا وشمالا ، ولا يقال : تيامن بهم ولا تياسر بهم ; ويقال : أشأم الرجل وأيمن إذا أراد اليمين ، ويامن وأيمن إذا أراد اليمن .

                                                          واليمنة : خلاف اليسرة . ويقال : قعد فلان يمنة . والأيمن والميمنة : خلاف الأيسر والميسرة . وفي الحديث : الحجر الأسود يمين الله في الأرض ; قال ابن الأثير : هذا كلام تمثيل وتخييل ، وأصله أن الملك إذا صافح رجلا قبل الرجل يده ، فكأن الحجر الأسود بمنزلة اليمين للملك حيث يستلم ويلثم . وفي الحديث الآخر : وكلتا يديه يمين أي أن يديه - تبارك وتعالى - بصفة الكمال لا نقص في واحدة منهما ; لأن الشمال تنقص عن اليمين ، قال : وكل ما جاء في القرآن والحديث من إضافة اليد والأيدي واليمين وغير ذلك من أسماء الجوارح إلى الله - عز وجل - فإنما هو على سبيل المجاز والاستعارة ، والله منزه عن التشبيه والتجسيم . وفي حديث صاحب القرآن يعطى الملك بيمينه والخلد بشماله أي يجعلان في ملكته ، فاستعار اليمين والشمال ; لأن الأخذ والقبض بهما ; وأما قوله :


                                                          قد جرت الطير أيامنينا     قالت وكنت رجلا فطينا
                                                          هذا لعمر الله إسرائينا



                                                          قال ابن سيده : عندي أنه جمع يمينا على أيمان ، ثم جمع أيمانا على أيامين ، ثم أراد وراء ذلك جمعا آخر فلم يجد جمعا من جموع التكسير أكثر من هذا ; لأن باب أفاعل وفواعل وفعائل ونحوها نهاية الجمع ، فرجع إلى الجمع بالواو والنون كقول الآخر :


                                                          فهن يعلكن حدائداتها



                                                          لما بلغ نهاية الجمع التي هي حدائد فلم يجد بعد ذلك بناء من أبنية الجمع المكسر جمعه بالألف والتاء ; وكقوله الآخر :


                                                          جذب الصراريين بالكرور

                                                          جمع صاريا على صراء ، ثم جمع صراء على صراري ، ثم جمعه على صراريين ، بالواو والنون ، قال : وقد كان يجب لهذا الراجز أن يقول أيامينينا ; لأن جمع أفعال كجمع إفعال . لكن لما أزمع أن يقول في النصف الثاني أو البيت الثاني فطينا ، ووزنه فعولن ، أراد أن يبني قوله أيامنينا على فعولن أيضا ليسوي بين الضربين أو العروضين ونظير هذه التسوية قول الشاعر :


                                                          قد رويت غير الدهيدهينا     قليصات وأبيكرينا



                                                          كان حكمه أن يقول غير الدهيديهينا ; لأن الألف في دهداه رابعة ، وحكم حرف اللين إذا ثبت في الواحد رابعا أن يثبت في الجمع ياء ، كقولهم سرداح وسراديح ، وقنديل وقناديل ، وبهلول وبهاليل ، لكن أراد أن يبني بين دهيدهينا وبين أبيكرينا ، فجعل الضربين جميعا أو العروضين فعولن ، قال : وقد يجوز أن يكون أيامنينا جمع أيامن ، الذي هو جمع أيمن فلا يكون هنالك حذف ; وأما قوله :


                                                          قالت وكنت رجلا فطينا



                                                          فإن قالت هنا بمعنى ظنت ، فعداه إلى مفعولين كما تعدى ظن إلى مفعولين ، وذلك في لغة بني سليم ; حكاه سيبويه عن الخطابي ، ولو أراد قالت التي ليست في معنى الظن لرفع ، وليس أحد من العرب ينصب بقال التي في معنى ظن إلا بني سليم ، وهي اليمنى فلا تكسر . قال الجوهري : وأما قول عمر - رضي الله عنه - في حديثه حين ذكر ما كان فيه من القشف والفقر والقلة في جاهليته ، وأنه وأختا له خرجا يرعيان ناضحا لهما ، قال : لقد ألبستنا أمنا نقبتها وزودتنا بيمينتيها من الهبيد كل يوم ، فيقال : إنه أراد بيمينتيها تصغير يمنى ، فأبدل من الياء الأولى تاء إذ كانت للتأنيث ; قال ابن بري : الذي في الحديث وزودتنا يمينتيها مخففة ، وهي تصغير يمنتين تثنية يمنة ; يقال : أعطاه يمنة من الطعام أي أعطاه الطعام بيمينه ويده مبسوطة . ويقال : أعطى يمنة ويسرة إذا أعطاه بيده مبسوطة ، والأصل في اليمنة أن تكون مصدرا كاليسرة ، ثم سمي الطعام يمنة لأنه أعطي يمنة أي باليمين ، كما سموا الحلف يمينا لأنه يكون بأخذ اليمين ; قال : ويجوز أن يكون صغر يمينا تصغير الترخيم ، ثم ثناه ، وقيل : الصواب يمينيها ، تصغير يمين ، قال : وهذا معنى قول أبي عبيد . قال : وقول الجوهري تصغير يمنى صوابه أن يقول تصغير يمنيين ، تثنية يمنى على ما ذكره من إبدال التاء من الياء الأولى .

                                                          قال أبو عبيد : وجه الكلام يمينيها ، بالتشديد ، لأنه تصغير يمين ، قال : وتصغير يمين يمين بلا هاء . قال ابن سيده : وروي وزودتنا بيمينيها ، وقياسه يمينيها ، لأنه تصغير يمين ، لكن قال يمينيها على تصغير الترخيم ، وإنما قال يمينيها ولم يقل يديها ولا كفيها لأنه لم يرد أنها جمعت كفيها ثم أعطتهما بجميع الكفين ، ولكنه إنما أراد أنها أعطت كل واحد كفا واحدة بيمينها ، فهاتان يمينان ; قال شمر : وقال أبو عبيد : إنما هو يمينيها ، قال : وهكذا قال يزيد بن هرون ; قال شمر : والذي أختاره بعد هذا يمينتيها ; لأن اليمنة إنما هي فعل أعطى يمنة ويسرة ، قال : وسمعت من لقيت في غطفان يتكلمون فيقولون إذا أهويت بيمينك مبسوطة إلى طعام أو غيره فأعطيت بها ما حملته مبسوطة ، فإنك تقول أعطاه يمنة من الطعام فإن أعطاه بها مقبوضة قلت أعطاه قبضة من الطعام ، وإن حثى له بيده فهي الحثية والحفنة ، قال : وهذا هو الصحيح ; قال أبو منصور : والصواب عندي ما رواه أبو عبيد يمينتيها ، وهو صحيح كما روي ، وهو تصغير يمنتيها ، أراد أنها أعطت كل واحد منهما بيمينها يمنة ، فصغر اليمنة يمينة ، ثم ثناها فقال يمينتين ; قال : وهذا أحسن الوجوه مع السماع . وأيمن : أخذ يمينا . ويمن به ويامن ويمن وتيامن : ذهب به ذات اليمين . وحكى سيبويه : يمن ييمن أخذ ذات اليمين ، قال : وسلموا ; لأن الياء أخف عليهم من الواو ، وإن جعلت اليمين ظرفا لم تجمعه ; وقول أبي النجم :


                                                          يبري لها من أيمن وأشمل     ذو خرق طلس وشخص مذأل



                                                          [ ص: 325 ] يقول : يعرض لها من ناحية اليمين وناحية الشمال ، وذهب إلى معنى أيمن الإبل وأشملها فجمع لذلك ; وقال ثعلبة بن صعير :


                                                          فتذكرا ثقلا رثيدا بعدما     ألقت ذكاء يمينها في كافر



                                                          يعني مالت بأحد جانبيها إلى المغيب . قال أبو منصور : اليمين في كلام العرب على وجوه ، يقال لليد اليمنى يمين . واليمين : القوة والقدرة ; ومنه قول الشماخ :


                                                          رأيت عرابة الأوسي يسمو     إلى الخيرات منقطع القرين
                                                          إذا ما راية رفعت لمجد     تلقاها عرابة باليمين



                                                          أي بالقوة . وفي التنزيل العزيز : لأخذنا منه باليمين ; قال الزجاج : أي بالقدرة ، وقيل : باليد اليمنى . واليمين : المنزلة . الأصمعي : هو عندنا باليمين أي بمنزلة حسنة ; قال : وقوله تلقاها عرابة باليمين ، قيل : أراد باليد اليمنى ، وقيل : أراد بالقوة والحق . وقوله - عز وجل - : إنكم كنتم تأتوننا عن اليمين ; قال الزجاج : هذا قول الكفار للذين أضلوهم أي كنتم تخدعوننا بأقوى الأسباب ، فكنتم تأتوننا من قبل الدين فتروننا أن الدين والحق ما تضلوننا به وتزينون لنا ضلالتنا ، كأنه أراد تأتوننا عن المأتى السهل ، وقيل : معناه كنتم تأتوننا من قبل الشهوة ; لأن اليمين موضع الكبد ، والكبد مظنة الشهوة والإرادة ، ألا ترى أن القلب لا شيء له من ذلك لأنه من ناحية الشمال ؟ وكذلك قيل في قوله تعالى : ثم لآتينهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم ; قيل في قوله : وعن أيمانهم : من قبل دينهم ، وقال بعضهم : لآتينهم من بين أيديهم أي لأغوينهم حتى يكذبوا بما تقدم من أمور الأمم السالفة ومن خلفهم حتى يكذبوا بأمر البعث وعن أيمانهم وعن شمائلهم لأضلنهم بما يعملون لأمر الكسب حتى يقال فيه : ( ذلك بما كسبت يداك ) ، وإن كانت اليدان لم تجنيا شيئا ; لأن اليدين الأصل في التصرف ، فجعلتا مثلا لجميع ما عمل بغيرهما .

                                                          وأما قوله تعالى : فراغ عليهم ضربا باليمين ; ففيه أقاويل : أحدها بيمينه ، وقيل بالقوة ، وقيل بيمينه التي حلف حين قال : وتالله لأكيدن أصنامكم بعد أن تولوا مدبرين . والتيمن : الموت . يقال : تيمن فلان تيمنا إذا مات ، والأصل فيه أنه يوسد يمينه إذا مات في قبره ; قال الجعدي :


                                                          إذا ما رأيت المرء علبى وجلده     كضرح قديم فالتيمن أروح



                                                          علبى : اشتد علباؤه وامتد ، والضرح : الجلد ، والتيمن : أن يوسد يمينه في قبره . ابن سيده : التيمن أن يوضع الرجل على جنبه الأيمن في القبر ; قال الشاعر :


                                                          إذا الشيخ علبى ثم أصبح جلده     كرحض غسيل فالتيمن أروح


                                                          وأخذ يمنة ويمنا ويسرة ويسرا أي ناحية يمين ويسار . واليمن : ما كان عن يمين القبلة من بلاد الغور ، النسب إليه يمني ويمان ، على نادر النسب ، وألفه عوض من الياء ، ولا تدل على ما تدل عليه الياء ، إذ ليس حكم العقيب أن يدل على ما يدل عليه عقيبه دائبا ، فإن سميت رجلا بيمن ثم أضفت إليه فعلى القياس ، وكذلك جميع هذا الضرب ، وقد خصوا باليمن موضعا وغلبوه عليه ، وعلى هذا ذهب اليمن ، وإنما يجوز على اعتقاد العموم ، ونظيره الشأم ، ويدل على أن اليمن جنسي غير علمي أنهم قالوا فيه اليمنة والميمنة . وأيمن القوم ويمنوا : أتوا اليمن ; وقول أبي كبير الهذلي :


                                                          تعوي الذئاب من المخافة حوله     إهلال ركب اليامن المتطوف



                                                          إما أن يكون على النسب ، وإما أن يكون على الفعل ; قال ابن سيده : ولا أعرف له فعلا . ورجل أيمن : يصنع بيمناه . وقال أبو حنيفة : يمن ويمن جاء عن يمين . واليمين : الحلف والقسم ، أنثى ، والجمع أيمن وأيمان . وفي الحديث : يمينك على ما يصدقك به صاحبك أي يجب عليك أن تحلف له على ما يصدقك به إذا حلفت له .

                                                          الجوهري : وأيمن اسم وضع للقسم ، هكذا بضم الميم والنون وألفه ألف وصل عند أكثر النحويين ، ولم يجئ في الأسماء ألف وصل مفتوحة غيرها ; قال : وقد تدخل عليه اللام لتأكيد الابتداء ، تقول : ليمن الله ، فتذهب الألف في الوصل ; قال نصيب :


                                                          فقال فريق القوم لما نشدتهم     نعم وفريق ليمن الله ما ندري



                                                          وهو مرفوع بالابتداء ، وخبره محذوف ، والتقدير ليمن الله قسمي ، وليمن الله ما أقسم به ، وإذا خاطبت قلت ليمنك . وفي حديث عروة بن الزبير أنه قال : ليمنك لئن كنت ابتليت لقد عافيت ، ولئن كنت سلبت لقد أبقيت ، وربما حذفوا منه النون قالوا : أيم الله وإيم الله أيضا ، بكسر الهمزة ، وربما حذفوا منه الياء ، قالوا : أم الله ، وربما أبقوا الميم وحدها مضمومة قالوا : م الله ، ثم يكسرونها لأنها صارت حرفا واحدا فيشبهونها بالباء فيقولون م الله ، وربما قالوا من الله ، بضم الميم والنون ، ومن الله بفتحهما ، ومن الله بكسرهما ; قال ابن الأثير : أهل الكوفة يقولون أيمن جمع يمين القسم ، والألف فيها ألف وصل ، تفتح وتكسر ، قال ابن سيده : وقالوا أيمن الله وأيم الله وإيمن الله وإيم الله وم الله ، فحذفوا ، وم الله أجري مجرى م الله . قال سيبويه : وقالوا ليم الله ، واستدل بذلك على أن ألفها ألف وصل . قال ابن جني : أما أيمن في القسم ففتحت الهمزة منها ، وهي اسم من قبل أن هذا اسم غير متمكن ، ولم يستعمل إلا في القسم وحده ، فلما ضارع الحرف بقلة تمكنه فتح تشبيها بالهمزة اللاحقة بحرف التعريف ، وليس هذا فيه إلا دون بناء الاسم لمضارعته الحرف ، وأيضا فقد حكى يونس إيم الله ، بالكسر ، وقد جاء فيه الكسر أيضا كما ترى ، ويؤكد عندك أيضا حال هذا الاسم في مضارعته الحرف أنهم قد تلاعبوا به وأضعفوه ، فقالوا مرة : م الله ، ومرة : م الله ، ومرة : م الله ، فلما حذفوا هذا الحرف المفرط وأصاروه من كونه على حرف إلى لفظ الحروف ، قوي شبه الحرف عليه ففتحوا همزته تشبيها بهمزة لام التعريف ، ومما يجيزه القياس ، غير أنه لم يرد به الاستعمال ، ذكر خبر ليمن من قولهم ليمن الله لأنطلقن ، فهذا مبتدأ محذوف الخبر ، وأصله لو خرج [ ص: 326 ] خبره ، ليمن الله ما أقسم به لأنطلقن ، فحذف الخبر وصار طول الكلام بجواب القسم عوضا من الخبر . واستيمنت الرجل : استحلفته ; عن اللحياني . وقال في حديث عروة بن الزبير : ليمنك إنما هي يمين ، وهي كقولهم يمين الله كانوا يحلفون بها . قال أبو عبيد : كانوا يحلفون باليمين يقولون يمين الله لا أفعل ; وأنشد لامرئ القيس :


                                                          فقلت يمين الله أبرح قاعدا     ولو قطعوا رأسي لديك وأوصالي



                                                          أراد : لا أبرح ، فحذف لا وهو يريده ; ثم تجمع اليمين أيمنا ; كما قال زهير :


                                                          فتجمع أيمن منا ومنكم     بمقسمة تمور بها الدماء



                                                          ثم يحلفون بأيمن الله ، فيقولون وأيمن الله لأفعلن كذا ، وأيمن الله لا أفعل كذا ، وأيمنك يا رب ، إذا خاطب ربه ، فعلى هذا قال عروة ليمنك قال : هذا هو الأصل في أيمن الله ، ثم كثر في كلامهم وخف على ألسنتهم حتى حذفوا النون كما حذفوا من لم يكن فقالوا : لم يك ، وكذلك قالوا أيم الله ; قال الجوهري : وإلى هذا ذهب ابن كيسان وابن درستويه فقالا : ألف أيمن ألف قطع ، وهو جمع يمين ، وإنما خففت همزتها وطرحت في الوصل لكثرة استعمالهم لها ; قال أبو منصور : لقد أحسن أبو عبيد في كل ما قال في هذا القول ، إلا أنه لم يفسر قوله أيمنك لم ضمت النون ، قال : والعلة فيها كالعلة في قولهم لعمرك كأنه أضمر فيها يمين ثان ، فقيل وأيمنك ، فلأيمنك عظيمة ، وكذلك لعمرك فلعمرك عظيم ; قال : قال ذلك الأحمر والفراء . وقال أحمد بن يحيى في قوله تعالى : الله لا إله إلا هو ; كأنه قال والله الذي لا إله إلا هو ليجمعنكم . وقال غيره : العرب تقول أيم الله ، وهيم الله ، الأصل أيمن الله ، وقلبت الهمزة هاء ، فقيل هيم الله ، وربما اكتفوا بالميم وحذفوا سائر الحروف فقالوا م الله ليفعلن كذا ، وهي لغات كلها ، والأصل يمين الله وأيمن الله . قال الجوهري : سميت اليمين بذلك لأنهم كانوا إذا تحالفوا ضرب كل امرئ منهم يمينه على يمين صاحبه ، وإن جعلت اليمين ظرفا لم تجمعه ; لأن الظروف لا تكاد تجمع لأنها جهات وأقطار مختلفة الألفاظ ، ألا ترى أن قدام مخالف لخلف واليمين مخالف للشمال ؟ وقال بعضهم : قيل للحلف يمين باسم يمين اليد ، وكانوا يبسطون أيمانهم إذا حلفوا وتحالفوا وتعاقدوا وتبايعوا ; ولذلك قال عمر لأبي بكر - رضي الله عنهما - : ابسط يدك أبايعك . قال أبو منصور : وهذا صحيح ، وإن صح أن يمينا من أسماء الله تعالى ، كما روي عن ابن عباس ، فهو الحلف بالله ; قال : غير أني لم أسمع يمينا من أسماء الله إلا ما رواه عطاء بن السائب ، والله أعلم .

                                                          واليمنة واليمنة : ضرب من برود اليمن ; قال : واليمنة المعصبا . وفي الحديث : أنه - عليه الصلاة والسلام - كفن في يمنة ; هي ، بضم الياء ، ضرب من برود اليمن ; وأنشد ابن بري لأبي قردودة يرثي ابن عمار :


                                                          يا جفنة كإزاء الحوض قد كفأوا     ومنطقا مثل وشي اليمنة الحبره



                                                          وقال ربيعة الأسدي :


                                                          إن المودة والهوادة بيننا     خلق كسحق اليمنة المنجاب



                                                          وفي هذه القصيدة :


                                                          إن يقتلوك فقد هتكت بيوتهم     بعتيبة بن الحرث بن شهاب


                                                          وقيل لناحية اليمن يمن لأنها تلي يمين الكعبة ، كما قيل لناحية الشأم شأم لأنها عن شمال الكعبة . وقال النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو مقبل من تبوك : الإيمان يمان ، والحكمة يمانية ; وقال أبو عبيد : إنما قال ذلك ; لأن الإيمان بدا من مكة ، لأنها مولد النبي - صلى الله عليه وسلم - ومبعثه ، ثم هاجر إلى المدينة . ويقال : إن مكة من أرض تهامة ، وتهامة من أرض اليمن ، ومن هذا يقال للكعبة يمانية ، ولهذا سمي ما ولي مكة من أرض اليمن واتصل بها التهائم ، فمكة على هذا التفسير يمانية ، فقال : الإيمان يمان ، على هذا ; وفيه وجه آخر : أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال هذا القول وهو يومئذ بتبوك ، ومكة والمدينة بينه وبين اليمن ، فأشار إلى ناحية اليمن ، وهو يريد مكة والمدينة أي هو من هذه الناحية ; ومثل هذا قول النابغة يذم يزيد بن الصعق ، وهو رجل من قيس :


                                                          وكنت أمينه لو لم تخنه     ولكن لا أمانة لليماني



                                                          وذلك أنه كان مما يلي اليمن ; وقال ابن مقبل وهو رجل من قيس :


                                                          طاف الخيال بنا ركبا يمانينا



                                                          فنسب نفسه إلى اليمن ; لأن الخيال طرقه وهو يسير ناحيتها ، ولهذا قالوا سهيل اليماني لأنه يرى من ناحية اليمن . قال أبو عبيد : وذهب بعضهم إلى أنه - صلى الله عليه وسلم - عنى بهذا القول الأنصار لأنهم يمانون ، وهم نصروا الإسلام والمؤمنين وآووهم فنسب الإيمان إليهم ، قال : وهو أحسن الوجوه ; قال : ومما يبين ذلك حديث النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال لما وفد عليه وفد اليمن : أتاكم أهل اليمن هم ألين قلوبا ، وأرق أفئدة ، الإيمان يمان والحكمة يمانية . وقولهم : رجل يمان منسوب إلى اليمن ، كان في الأصل يمني ، فزادوا ألفا وحذفوا ياء النسبة ، وكذلك قالوا رجل شآم ، كان في الأصل شأمي ، فزادوا ألفا وحذفوا ياء النسبة ، وتهامة كان في الأصل تهمة ، فزادوا ألفا وقالوا تهام . قال الأزهري : وهذا قول الخليل وسيبويه . قال الجوهري : اليمن بلاد للعرب ، والنسبة إليها يمني ويمان ، مخففة ، والألف عوض من ياء النسب فلا يجتمعان . قال سيبويه : وبعضهم يقول يماني ، بالتشديد ; قال أمية بن خلف :


                                                          يمانيا يظل يشد كيرا     وينفخ دائما لهب الشواظ



                                                          وقال آخر :


                                                          ويهماء يستاف الدليل ترابها     وليس بها إلا اليماني محلف



                                                          وقوم يمانية ويمانون : مثل ثمانية وثمانون ، وامرأة يمانية أيضا .

                                                          وأيمن الرجل ويمن ويامن إذا أتى اليمن ، وكذلك إذا أخذ في سيره يمينا . يقال : يامن يا فلان بأصحابك أي خذ بهم يمنة ، ولا تقل تيامن بهم ، والعامة تقوله . وتيمن : تنسب إلى اليمن . ويامن القوم وأيمنوا [ ص: 327 ] إذا أتوا اليمن . قال ابن الأنباري : العامة تغلط في معنى تيامن فتظن أنه أخذ عن يمينه ، وليس كذلك معناه عند العرب ، إنما يقولون تيامن إذا أخذ ناحية اليمن ، وتشاءم إذا أخذ ناحية الشأم ، ويامن إذا أخذ عن يمينه ، وشاءم إذا أخذ عن شماله . قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : إذا نشأت بحرية ثم تشاءمت فتلك عين غديقة ; أراد إذا ابتدأت السحابة من ناحية البحر ثم أخذت ناحية الشأم . ويقال لناحية اليمن يمين ، ويمن وإذا نسبوا إلى اليمن قالوا يمان . والتيمني : أبو اليمن وإذا نسبوا إلى التيمن ، قالوا تيمني . وأيمن : اسم رجل . وأم أيمن : امرأة أعتقها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهي حاضنة أولاده ، فزوجها من زيد فولدت له أسامة . وأيمن : موضع ; قال المسيب أو غيره :


                                                          شركا بماء الذوب تجمعه     في طود أيمن من قرى قسر



                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية