الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                        صفحة جزء
                                        369 - الحديث الثاني : عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما { عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن النذر ، وقال : إن النذر لا يأتي بخير . وإنما يستخرج به من البخيل } .

                                        التالي السابق


                                        مذهب المالكية : العمل بظاهر الحديث ، وهو أن نذر الطاعة مكروه ، وإن كان لازما ، إلا أن سياق بعض الأحاديث : يقتضي أحد أقسام النذر التي ذكرناها وهو ما يقصد به تحصيل غرض ، أو دفع مكروه وذلك لقوله " وإنما يستخرج به من البخيل " وفي كراهة النذر إشكال على القواعد ، فإن القاعدة : تقتضي أن وسيلة الطاعة طاعة ، ووسيلة المعصية معصية ، ويعظم قبح الوسيلة بحسب عظم المفسدة وكذلك تعظم فضيلة الوسيلة بحسب عظم المصلحة ، ولما كان النذر وسيلة إلى التزام قربة لزم على هذا أن يكون قربة ، إلا أن ظاهر إطلاق الحديث دل على خلافه ، وإذا حملناه على القسم الذي أشرنا إليه من أقسام النذر - كما دل عليه سياق الحديث - فذلك المعنى الموجود في ذلك القسم : ليس بموجود في النذر المطلق ، فإن ذلك خرج مخرج طلب العوض ، وتوقيف العبادة على تحصيل الغرض ، وليس هذا المعنى موجودا في التزام العبادة والنذر بها مطلقا ، وقد يقال : إن البخيل لا يأتي بالطاعة إلا إذا اتصفت بالوجوب فيكون النذر : هو الذي أوجب له فعل الطاعة ، لتعلق الوجوب به ولو لم يتعلق به [ ص: 651 ] الوجوب لتركه البخيل ، فيكون النذر المطلق أيضا : مما يستخرج به من البخيل ، إلا أن لفظة " البخيل " هنا قد تشعر بما يتعلق بالمال . وعلى كل تقدير : فاتباع النصوص أولى .

                                        وقوله عليه السلام " إنما يستخرج به من البخيل " الأظهر في معناه : أن البخيل لا يعطي طاعة إلا في عوض ومقابل يحصل له ، فيكون النذر هو السبب الذي استخرج منه تلك الطاعة .

                                        وقوله عليه السلام " لا يأتي بخير " يحتمل أن تكون " الباء " باء السببية كأنه يقول : لا يأتي بسبب خير في نفس الناذر وطبعه في طلب القرب والطاعة من غير عوض يحصل له وإن كان يترتب عليه خير ، وهو فعل الطاعة التي نذرها ولكن سبب ذلك الخير : حصول غرضه .




                                        الخدمات العلمية