الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
كتاب العين والدين

( قال ) الإمام الأجل الزاهد شمس الأئمة رضي الله عنه وعن والديه : اعلم أن جميع مسائل هذا الكتاب وترتيبها من عمل محمد بن الحسن رحمه الله فأما أصل التخريج والتفريع فمن صنعة الحسن بن زياد ، وقد كان له من البراعة في علم الحساب ما لم يكن لغيره من أصحاب أبي حنيفة رحمه الله لكنه كان شكس الخلق فكان لا يؤلف معه لصغره ، وكان يخلو فيصنف ثم عثر محمد رحمه الله على تصنيفاته سرا فانتسخ من ذلك ما ظهر في بعض أبواب الجامع ، وأكثر كتب الحساب من تلك الجملة خصوصا هذا الكتاب ، وفيه من دقائق الفقه والحساب ما لم يوجد مثله في غيره ثم بدأ الكتاب بوصية الرجل بثلث ماله لأن محل الوصية الثلث شرعا قال عليه الصلاة والسلام { إن الله تعالى تصدق عليكم بثلث أموالكم } الحديث ، وذكر الطحاوي في مشكل الآثار أن من الناس من أنكر صحة هذا اللفظ عن رسول الله [ ص: 111 ] صلى الله عليه وسلم ; لأن في لفظ التصدق ما ينبئ عن التقرب فلا يستقيم أن يقال : إن الله تعالى يتقرب إلى عباده قال : وليس كما ظنوا ، ومراده صلى الله عليه وسلم أن الله تعالى جعل لكم ثلث أموالكم لتكتسبوا به لأنفسكم في حال حاجتكم إلى ذلك ، ولفظ التصدق مستعار لهذا المعنى ، وهو كقوله تعالى { من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا } ، والاستقراض يكون للحاجة ، ولا يجوز أن يقال إن الله تعالى يحتاج إلى عباده فيستقرض منهم ، ولكن لفظ القرض على وجه المجاز والاستعارة مع أنه لا يبعد أن يقال : إن الله تعالى يتقرب إلى عباده ، قال النبي صلى الله عليه وسلم فيما يأثره عن ربه { : لا أزال أتقرب إلى عبدي وهو يتباعد عني . وقال من تقرب إلي شبرا تقربت إليه ذراعا } .

ثم نقول : الموصى له بالثلث شريك الوارث في التركة ، ولهذا يزاد حقه بزيادة التركة ، وينتقص بنقصان التركة ، ولا يقدم تنفيذ الوصية له على تسليم الميراث إلى الوارث لوجهين أحدهما أن الاستحقاق ثبت له بمثل ما ثبت به الاستحقاق للوارث ، وهو السهم السابع المذكور ممن يملك الإيجاب له فالميراث للورثة مذكور في كتاب الله تعالى بذكر السهام والسدس والربع والثلث ; فالوصية بالثلث والربع والسدس تكون مثل ذلك ، والثاني أن الإيجاب في الابتداء كان إلى الموصي للأقارب والأجانب جميعا ثم بين الله تعالى نصيب الأقارب في آية المواريث فبقي الإيجاب للأجانب في محل الوصية على ما كان إلى الموصي ، وهو بهذا الإيجاب يجعل الموصي خليفة نفسه فيما سمي له ; لأن الوارث خليفته شرعا .

( ألا ترى ) أن الوصية بثلث المال صحيحة فيمن لا مال له في الحال فعرفنا أنه أثبت له الخلافة ثم ملك المال من ثمرات تلك الخلافة ، ولهذا كان وجوبها بالموت بمنزلة الوراثة .

التالي السابق


الخدمات العلمية