الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 350 ] ثم دخلت سنة أربع وثمانين

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      قال الواقدي : فيها افتتح عبد الله بن عبد الملك بن مروان المصيصة .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وفيها غزا محمد بن مروان أرمينية فقتل منهم خلقا كثيرا ، وحرق كنائسهم ، وضياعهم . وتسمى سنة الحريق .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وفيها استعمل الحجاج على فارس محمد بن القاسم الثقفي وأمره بقتل الأكراد .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وفيها ولى عبد الملك الإسكندرية عياض بن غنم التجيبي ، وعزل عنها عبد الملك بن أبي الكنود الذي كان قد وليها في العام الماضي .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وفيها افتتح موسى بن نصير طائفة من بلاد المغرب من ذلك بلد أوربة ، وقتل من أهلها بشرا كثيرا جدا ، وأسر نحوا من خمسين ألفا .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وفيها قتل الحجاج أيضا جماعة من رؤساء أصحاب ابن الأشعث منهم :

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      أيوب بن القرية

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وكان فصيحا بليغا واعظا ، قتله صبرا بين يديه ، [ ص: 351 ] ويقال : إنه ندم على قتله ، وهو أيوب بن زيد بن قيس أبو سليمان الهلالي ، المعروف بابن القرية .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وعبد الله بن الحارث بن نوفل ، وسعد بن إياس الشيباني .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وأبو عنبة الخولاني

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      له صحبة ورواية ، سكن حمص ، وبها توفي ، وقد قارب المائة سنة . عبد الله بن قتادة .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وغير هؤلاء جماعة ; منهم من قتله الحجاج .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      ومنهم من توفي

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      أبو زرعة الجذامي الفلسطيني

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      كان ذا منزلة عند أهل الشام فخاف منه معاوية ، ففهم منه ذلك أبو زرعة فقال : يا أمير المؤمنين ، لا تهدم ركنا بنيته ، ولا تحزن صاحبا سررته ، ولا تشمت عدوا كبته ، فكف عنه معاوية .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وفيها توفي

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      عتبة بن الندر السلمي

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      صحابي جليل .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 352 ] عمران بن حطان الخارجي

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      كان أولا من أهل السنة والجماعة ، فتزوج امرأة من الخوارج حسنة جميلة جدا فأحبها ، وكان هو دميم الشكل ، فأراد أن يردها إلى السنة فأبت ، فارتد معها إلى مذهبها . وقد كان من الشعراء المطبقين ، وهو القائل في قتل علي وقاتله :


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      يا ضربة من تقي ما أراد بها إلا ليبلغ من ذي العرش رضوانا     إني لأذكره يوما فأحسبه
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      أوفى البرية عند الله ميزانا     أكرم بقوم بطون الطير قبرهم
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      لم يخلطوا دينهم بغيا وعدوانا

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وقد كان الثوري يتمثل بأبياته هذه في الزهد في الدنيا ، وهي قوله :


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      أرى أشقياء الناس لا يسأمونها     على أنهم فيها عراة وجوع
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      أراها وإن كانت تحب فإنها     سحابة صيف عن قليل تقشع
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      كركب قضوا حاجاتهم وترحلوا     طريقهم بادي العلامة مهيع

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 353 ] مات عمران بن حطان سنة أربع وثمانين ، وقد رد عليه بعض العلماء في أبياته المتقدمة في قتل علي رضي الله عنه ، بأبيات على قافيتها ووزنها :


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      بل ضربة من شقي ما أراد بها     إلا ليبلغ من ذي العرش خسرانا
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      إني لأذكره يوما فأحسبه     أشقى البرية عند الله ميزانا

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      روح بن زنباع الجذامي

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      كان من أمراء الشام ، وكان عبد الملك يستشيره في أموره .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وفيها كان مهلك عبد الرحمن بن محمد بن الأشعث بن قيس الكندي ، وقيل : في التي بعدها فالله أعلم ; وذلك أن الحجاج كتب إلى رتبيل ملك الترك الذي لجأ ابن الأشعث إليه يقول له : والله الذي لا إله إلا هو لئن لم تبعث إلي بابن الأشعث لأبعثن إلى بلادك ألف ألف مقاتل ، ولأخربنها . فلما تحقق الوعيد من الحجاج استشار في ذلك بعض الأمراء فأشار عليه بتسليم ابن الأشعث إليه قبل أن يخرب الحجاج دياره ، ويأخذ عامة أمصاره ، فأرسل إلى الحجاج يشترط عليه أن لا يقاتل عشر سنين ، وأن لا يؤدي في كل سنة منها إلا مائة ألف من الخراج ، فأجابه الحجاج إلى ذلك ، وقيل : إن الحجاج وعده أن [ ص: 354 ] يطلق له خراج أرضه سبع سنين ، فعند ذلك غدر رتبيل بابن الأشعث ، فقيل : إنه أمر بضرب عنقه صبرا بين يديه ، وبعث برأسه إلى الحجاج وقيل : بل كان ابن الأشعث قد مرض مرضا شديدا فقتله وهو بآخر رمق ، والمشهور أنه قبض عليه وعلى ثلاثين من أقربائه فقيدهم في الأصفاد ، وبعث بهم مع رسل الحجاج إليه ، فلما كانوا ببعض الطريق بمكان يقال له : الرخج ، صعد ابن الأشعث وهو مقيد بالحديد إلى سطح قصر ، ومعه رجل موكل به; لئلا يفر ، وألقى نفسه من ذلك القصر ، وسقط معه الموكل به فماتا جميعا ، فعمد الرسول إلى رأس ابن الأشعث فاحتزه ، وقتل من معه من أصحاب ابن الأشعث ، وبعث برءوسهم إلى الحجاج ، فأمر فطيف برأسه في العراق ، ثم بعثه إلى أمير المؤمنين عبد الملك فطيف برأسه في الشام ، ثم بعث به إلى أخيه عبد العزيز بمصر فطيف برأسه هنالك ، ثم دفنوا رأسه بمصر وجثته بالرخج ، وقد قال بعض الشعراء في ذلك :


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      هيهات موضع جثة من رأسها     رأس بمصر وجثة بالرخج

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وإنما ذكر ابن جرير مقتل ابن الأشعث في سنة خمس وثمانين . فالله أعلم .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وعبد الرحمن هذا هو ابن محمد بن الأشعث بن قيس ، ومنهم من يقول عبد الرحمن بن قيس بن محمد بن الأشعث بن قيس ، الكندي الكوفي ، قد روى [ ص: 355 ] له أبو داود والنسائي ، عن أبيه ، عن جده ، عن ابن مسعود ، حديث : إذا اختلف المتبايعان والسلعة قائمة ، فالقول ما قال البائع ، أو يتتاركان وعنه أبو العميس ويقال : إن الحجاج قتله بعد التسعين سنة . فالله أعلم .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      والعجب كل العجب من هؤلاء الذين بايعوه بالإمارة ، وليس من قريش وإنما هو كندي من اليمن ، وقد اجتمع الصحابة يوم السقيفة على أن الإمارة لا تكون إلا في قريش ، واحتج عليهم الصديق بالحديث في ذلك ، حتى إن الأنصار سألوا أن يكون منهم أمير مع أمير المهاجرين ، فأبى الصديق عليهم ذلك ، ثم مع هذا كله ضرب سعد بن عبادة - الذي دعا إلى ذلك أولا ، ثم رجع عنه - كما قررنا ذلك فيما تقدم ، فكيف يعمدون إلى خليفة قد بويع له بالإمارة على المسلمين من سنين ، فيعزلونه وهو من صليبة قريش ، ويبايعون لرجل كندي بيعة لم يتفق عليها أهل الحل والعقد؟ ولهذا لما كانت هذه زلة وفلتة نشأ بسببها شر كثير هلك فيه خلق كثير ، فإنا لله وإنا إليه راجعون .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      أيوب ابن القرية

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وهي أمه ، واسم أبيه يزيد بن قيس بن زرارة بن مسلم ، النمري الهلالي ، كان أعرابيا أميا ، وكان يضرب به المثل في فصاحته وبيانه وبلاغته ، صحب الحجاج ، ووفد على عبد الملك ، ثم بعثه رسولا إلى ابن [ ص: 356 ] الأشعث ، فقال له ابن الأشعث : لئن لم تقم خطيبا فتخلع الحجاج لأضربن عنقك . ففعل ، وأقام عنده فلما ظهر الحجاج استحضره ، وجرت له معه مقامات ومقالات في الكلام ، ثم في آخر الأمر ضرب عنقه ، وندم بعد ذلك على ما فعل من ضرب عنقه ، ولكن ندم حيث لا ينفعه الندم كما قيل :


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وجادت بوصل حين لا ينفع الوصل

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وقد ذكره ابن عساكر في تاريخه ، وابن خلكان في الوفيات ، وأطال ترجمته ، وذكر فيها أشياء حسنة . قال : والقرية بكسر القاف وتشديد الياء ، وهي جدته ، واسمها خماعة بنت جشم .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      قال ابن خلكان : ومن الناس من أنكر وجوده ، ووجود مجنون ليلى ، وابن أبي العقب صاحب الملحمة ، وهو يحيى بن عبد الله بن أبي العقب . والله أعلم .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      روح بن زنباع بن سلامة الجذامي أبو زرعة

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      ويقال : أبو زنباع الدمشقي ، داره بدمشق في طرف البزوريين ، عند دار ابن [ ص: 357 ] أبي العقب صاحب الملحمة ، وهو تابعي جليل ، روى عن أبيه - وكانت له صحبة - وتميم الداري ، وعبادة بن الصامت ، ومعاوية ، وكعب الأحبار وغيرهم ، وعنه جماعة منهم عبادة بن نسي .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      كان روح عند عبد الملك كالوزير; لا يكاد يفارقه ، وكان مع أبيه مروان يوم مرج راهط وقد أمره يزيد بن معاوية على جند فلسطين . وزعم مسلم بن الحجاج أن روح بن زنباع كانت له صحبة ، ولم يتابع مسلم على هذا القول ، والصحيح أنه تابعي وليس بصحابي .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      ومن مآثره التي تفرد بها أنه كان كلما خرج من الحمام يعتق نسمة . قال ابن زبر : مات سنة أربع وثمانين بالأردن ، وزعم بعضهم أنه بقي إلى أيام هشام بن عبد الملك .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وقد حج مرة ، فنزل على ماء بين مكة والمدينة ، فأمر فأصلحت له أطعمة مختلفة الألوان ، ثم وضعت بين يديه ، فبينما هو يأكل إذ جاء راع من الرعاة يرد الماء ، فدعاه روح بن زنباع إلى الأكل من ذلك الطعام ، فجاء الراعي فنظر إلى طعامه ، وقال : إني صائم . فقال له روح : في مثل هذا اليوم الطويل الشديد الحر تصوم يا راعي؟ فقال الراعي : أفأغبن أيامي من أجل طعيمك؟ ثم إن الراعي ارتاد لنفسه مكانا فنزله ، وترك روح بن زنباع ، فقال روح بن زنباع :

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 358 ]

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      لقد ضننت بأيامك يا راعي     إذ جاد بها روح بن زنباع

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      ثم إن روحا بكى طويلا ، وأمر بتلك الأطعمة فرفعت ، وقال : انظروا ، هل تجدون لها آكلا من هذه الأعراب أو الرعاة؟ ثم سار من ذلك المكان ، وقد أخذ الراعي بمجامع قلبه ، وصغرت إليه نفسه . والله سبحانه وتعالى أعلم .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية