الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
( الفرق الخامس والعشرون والمائتان بين قاعدة الحكم وقاعدة الثبوت )

اختلف فيهما هل هما بمعنى واحد أو الثبوت غير الحكم ، والعجب أن الثبوت يوجب في العبادات المواطن التي لا حكم فيها بالضرورة إجماعا فيثبت هلال شوال ، وهلال رمضان ، وتثبت طهارة المياه ، ونجاستها ، ويثبت عند الحاكم التحريم بين الزوجين بسبب الرضاع ، والتحليل بسبب العقد ، ومع ذلك لا يكون شيء من ذلك حكما .

وإذا وجد الثبوت بدون الحكم كان أعم من الحكم ، والأعم من الشيء غيره بالضرورة ثم الذي يفهم من الثبوت هو نهوض الحجة كالبينة ، وغيرها السالمة من المطاعن فمتى وجد شيء من ذلك يقال في عرف الاستعمال ثبت عند القاضي ذلك ، وعلى هذا التقدير يوجد الحكم بدون الثبوت أيضا كالحكم بالاجتهاد فيكون كل واحد منهما أعم من الآخر من وجه ، وأخص من وجه ثم ثبوت الحجة مغاير للكلام النفساني والإنشائي الذي هو الحكم فيكونان غيرين بالضرورة ، ويكون الثبوت نهوض الحجة ، والحكم إنشاء كلام في النفس هو إلزام أو إطلاق يترتب على هذا الثبوت ، وهذا فرق آخر من جهة أن الثبوت يجب تقديمه على الحكم ، ومن قال بأن الحكم هو الثبوت لم [ ص: 55 ] يتحقق له معنى ما هو الحكم .

التالي السابق


حاشية ابن الشاط

( الفرق الخامس والعشرون والمائتان بين قاعدة الحكم وقاعدة الثبوت ) .

قلت ما قاله صحيح وقد يطلق على الثبوت حكم فالأمر في ذلك لفظي ، والله تعالى أعلم .



حاشية ابن حسين المكي المالكي

( الفرق الخامس والعشرون والمائتان بين قاعدة الحكم وقاعدة الثبوت )

وهو من وجهين ( الأول ) أن الثبوت نهوض الحجة كالبينة وغيرها السالمة من المطاعن يعني في ظنه واعتقاده لأنه يستند لعلمه في ذلك قاله التسولي فمتى وجد شيء من ذلك يقال في عرف الاستعمال ثبت عند القاضي ذلك ، والحكم إنشاء كلام في النفس هو إلزام أو إطلاق يترتب على هذا الثبوت أعني نهوض الحجة فالثبوت مقدم على الحكم فهو غيره قطعا قال التسولي على العاصمية ، وتعلم منه أن قول القاضي أعلم بثبوته أو باستقلاله أو ثبت عندي ، ونحوه يكون بعد كمال البينة ، وقبل الإعذار فيها لأن الإعذار فرع ثبوتها وقبولها فلا يعذر للخصم في شيء لم يثبت عنده ، وفعله جهل إذ الإعذار سؤال الحاكم من توجه عليه الحكم هل له ما يسقطه ، ويمتنع سؤاله قبل الأداء والقبول والثبوت ا هـ .

( الوجه الثاني ) أن كل واحد منهما أعم من الآخر من وجه وأخص من وجه ، والأعم من الشيء كذلك غيره بالضرورة ، وذلك أن الثبوت بالمعنى المذكور يوجد في العبادات والمواطن التي لا حكم فيها بالضرورة إجماعا فيثبت هلال شوال وهلال رمضان ، وتثبت طهارة المياه ونجاستها ، ويثبت عند الحاكم التحريم بين الزوجين بسبب الرضاع والتحلل بسبب العقد ، ومع ذلك لا يكون شيء من ذلك حكما ، والحكم أيضا يوجد بدون الثبوت كالحكم بالاجتهاد ، ويجتمعان فيما عدا ما ذكر قاله الأصل قال أبو القاسم بن الشاط ما قاله صحيح نعم قد يطلق على الثبوت حكم فالخلاف فيهما هل هما بمعنى واحد أو الثبوت غير الحكم لفظي ، والله تعالى أعلم ا هـ .

بتوضيح قلت وقوله نعم قد يطلق إلخ أي بناء على قول ابن القاسم بأن تقريره الحادثة أو سكوته ، ونحو ذلك حكم كما تقدم فافهم .

( تتمة ) التنفيذ غير الثبوت والحكم ، وذلك أنه إن كان تنفيذ حكم غيره فإما أن يوافقه في المذهب ويقول في تنفيذ حكمه ثبت عندي أنه ثبت عند فلان من الحكم كذا فهذا ليس حكما من المنفذ ألبتة ، وكذا إذا قال ثبت عندي أن فلانا حكم بكذا ، وكذا ألا ترى أنه يصح منه أن يقول [ ص: 99 ] ذلك ، ولو اعتقد أن ذلك على خلاف الإجماع لأن التصرف الفاسد والحرام قد يثبت عند الحاكم ليرتب عليه موجب ذلك ، وحينئذ فلا يعتد بكثرة الإثبات عند الحكام فهو كله كحكم واحد ، وهو راجع إلى الحاكم الأول إلا أن يقول الثاني حكمت بما حكم به الأول ، وألزمت بموجبه ومقتضاه ، وإما أن يخالفه في المذهب ففي كونه يقف عن تنفيذه وإبطاله لأنه إن نفذه ، وألزم المحكوم عليه ما فيه ألزمه ما لا يرى أنه الحق عنده أو كونه ينفذه ، ويلزم المحكوم عليه ما تضمنه الحكم لأن توقفه عن إنفاذه كإبطاله .

وقد قلنا إنه ممنوع من نقض الأحكام المجتهد فيها ، وإن كان تنفيذ حكم نفسه كان معناه الإلزام بالحبس ، وأخذ المال بيد القوة ، ودفعه لمستحقه ، وتخليص سائر الحقوق وإيقاع الطلاق على من يجوز له إيقاعه عليه ، ويجوز ذلك ، وهو غير الثبوت والحكم فالثبوت هو الرتبة الأولى ، والحكم هو الرتبة الوسطى والتنفيذ هو الرتبة الثالثة ، وليس كل الحكام لهم قوة التنفيذ لا سيما للحاكم الضعيف القدرة على الجبابرة فهو ينشئ الإلزام ، ولا يخطر له تنفيذه لتعذر ذلك عليه فالحاكم من حيث هو حاكم ليس له إلا الإنشاء ، وأما قوة التنفيذ فأمر زائد على كونه حاكما ألا ترى أن المحكم ليس له قوة التنفيذ ا هـ .

ملخصا من ابن فرحون ، والله سبحانه وتعالى أعلم .




الخدمات العلمية