1439 - وبدلت قرحا داميا بعد صحة لعل منايانا تحولن أبؤسا
والفتح لغة الحجاز ، والضم لغة غيرهم فهما كالضعف والضعف والكره والكره . وقال بعضهم : "المفتوح : الجرح ، والمضموم : ألمه " .
وقرأ ابن السميفع بفتح القاف والراء وهي لغة كالطرد والطرد . وقال : هو مصدر قرح يقرح إذا صار له قرحة ، وهو بمعنى دمي . وقرئ "قرح " بضمهما . قيل : وذلك على الإتباع كاليسر واليسر والطنب والطنب . أبو البقاء
[ ص: 403 ] وقرأ : "إن تمسسكم " بالتاء من فوق ، "قروح " بصيغة الجمع ، والتأنيث واضح . وأصل المادة الدلالة على الخلوص ومنه : الماء القراح أي : لا كدورة فيه ، قال : الأعمش
1440 - فساغ لي الشراب وكنت قبلا أكاد أغص بالماء القراح
وأرض قرحة أي : خالصة الطين ومنه : قريحة الرجل لخالص طبعه . وقال : "القرح : الأثر من الجراحة ، من شيء يصيبه من خارج ، والقرح - يعني بالضم - أثرها من داخل كالبثرة ونحوها ، يقال : قرحته نحو : جرحته . قال الشاعر : الراغب
1441 - لا يسلمون قريحا حل وسطهم يوم اللقاء ولا يشوون من قرحوا
أي : جرحوا : وقرح : خرج به قرح ، وقرح الله قلبه وأقرحه - يعني : ففعل وأفعل فيه بمعنى - وفرس قارح : إذا أصابه أثر من ظهور نابه ، والأنثى : قارحة ، وروضة قرحاء إذا كان في وسطها نور ، وذلك تشبيه بالفرس القرحاء . والاقتراح : الابتداع والابتكار . ومنه قالوا : اقترح عليه فلان كذا ، واقترحت بئرا : استخرجت منها ماء قراحا ، والقريحة في الأصل : المكان الذي يجتمع فيه الماء المستنبط ، ومنه استعيرت قريحة الإنسان " .
[ ص: 404 ] قوله : فقد مس القوم قرح للنحويين في مثل هذا تأويل وهو أن يقدروا شيئا مستقبلا ، لأنه لا يكون التعليق إلا في المستقبل ، وقوله فقد مس القوم قرح مثله ماض محقق ، وذلك التأويل هو التبيين : فقد تبين مس القرح للقوم ، وسيأتي له نظائر نحو : إن كان قميصه قد من قبل فصدقت وإن كان قميصه قد من دبر فكذبت . وقال بعضهم "وجواب الشرط محذوف تقديره : " فتأسوا "ونحو ذلك . وقال الشيخ : " من جعل جواب الشرط "فقد مس " فهو ذاهل " . قلت : غالب النحاة جعلوه جوابا متأولين له بما ذكرت .
قوله : وتلك الأيام نداولها يجوز في " الأيام "أن تكون خبرا لـ " تلك " . و " نداولها "جملة حالية العامل فيها معنى اسم الإشارة أي : أشير إليها حال كونها متداولة . ويجوز أن تكون "الأيام " بدلا أو عطف بيان أو نعتا لاسم الإشارة ، والخبر هو الجملة من قوله : نداولها ، وقد مر نحوه في قوله : تلك آيات الله نتلوها إلا أن هناك لا يجيء القول بالنعت لما عرفت أن اسم الإشارة لا ينعت إلا بذي أل .
و "بين " متعلق بـ "نداولها " . وجوز أن يكون حالا من مفعول "نداولها " وليس بشيء . والمداولة : المناوبة على الشيء والمعاودة وتعهده مرة بعد أخرى . يقال : داولت بينهم الشيء فتداولوه ، كأن "فاعل " بمعنى "فعل " . قال الشاعر : أبو البقاء
[ ص: 405 ]
1442 - يرد المياه فلا يزال مداولا في الناس بين تمثل وسماع
وأدال فلان فلانا جعل له دولة ، ويقال : دولة ودولة بضم الفاء وفتحها ، وقد قرئ بهما في سورة الحشر كما سيأتي إن شاء الله تعالى .
واختلف الناس : هل اللفظتان بمعنى أم بينهما فرق ؟ فذهب بعضهم وغيره إلى أنهما سيان ، فيكون في المصدر لغتان . وقال غير هؤلاء : "بينهما فرق " واختلفت أقوال هؤلاء فقال بعضهم : "الدولة " بالفتح في الحرب والجاه ، وبالضم في المال ، وهذا ترده القراءاتان في سورة الحشر . وقيل : بالضم اسم الشيء المتداول ، وبالفتح نفس المصدر وهذا قريب . وقيل : الدولة بالضم هي المصدر ، وبالفتح الفعلة الواحدة فلذلك يقال "في دولة فلان " لأنها مرة في الدهر . والدور أعم من الدول ؛ لأن الدول باللام لا يكون إلا في الحظوظ الدنيوية . والدولول : الداهية ، والجمع : دأليل . كالراغب
قوله : وليعلم الله ذكر في تعلق هذه اللام وجهين ، قال : "أحدهما : أن اللام صلة لفعل مضمر يدل عليه أول الكلام بتقدير : وليعلم الله الذين آمنوا نداولها . والثاني : أن العامل فيه " نداولها "المذكور بتقدير : نداولها بين الناس لنظهر أمرهم ولنبين أعمالهم ، وليعلم الله الذين آمنوا ، فلما ظهر معنى اللام المضمرة في " ليظهر "و " ليبين "جرت مجرى الظاهرة فجاز العطف عليها . أبو بكر بن الأنباري
وجوز وجها وهو أن تكون الواو زائدة ، وعلى هذا فاللام [ ص: 406 ] متعلقة بـ " نداولها "من غير تقدير شيء . ولكن هذا لا حاجة إليه ، ولم يحتج إلى زيادة الواو إلا أبو البقاء في مواضع ليس هذا منها ، وبعض الكوفيين يوافقه على ذلك . وقدره الأخفش بـ " فعلنا ذلك ليكون كيت وكيت وليعلم " ، فقدر عاملا وعلق به علة محذوفة عطف عليها هذه العلة . قال الشيخ : " ولم يعين فاعل العلة المحذوفة ، إنما كنى عنه بكيت وكيت ، ولا يكنى عن الشيء حتى يعرف ، ففي هذا الوجه حذف العلة وحذف عاملها وإبهام فاعلها ، فالوجه الأول أظهر إذ ليس فيه غير حذف العامل "يعني بالوجه الأول أنه قدره : " وليعلم الله فعلنا ذلك "وهو المداولة أو نيل الكفار منكم . الزمخشري
والعلم هنا يجوز أن يتعدى لواحد قالوا : لأنه بمعنى عرف ، وهو مشكل لأنه لا يجوز وصف الله تعالى بذلك لما تقدم من أن المعرفة تستدعي جهلا بالشيء ، أو أنها متعلقة بالذوات دون الأحوال ، ويجوز أن يكون متعديا لاثنين ، فالثاني محذوف تقديره : وليعلم الذين آمنوا مميزين بالإيمان من غيرهم .
وقرئ شاذا : "يداولها " بياء الغيبة وهو موافق لما قبله ولما بعده . وقراءة العامة على الالتفات المفيد للتعظيم . قوله : "منكم " الظاهر أن "منكم " متعلق بالاتخاذ ، وجوزوا فيه أن يتعلق بمحذوف على أنه حال من "شهداء " لأنه في الأصل صفة له .