الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      آ. (93) قوله تعالى: وأشربوا : يجوز أن يكون معطوفا على قوله: "قالوا سمعنا"، ويجوز أن يكون حالا من فاعل "قالوا"، أي: قالوا ذلك وقد أشربوا ولا بد من إضمار"قد" ليقرب الماضي إلى الحال خلافا للكوفيين، حيث قالوا: لا يحتاج إليها. ويجوز أن يكون مستأنفا لمجرد الإخبار بذلك، "يأمركم"، فهو جواب قولهم: "سمعنا وعصينا"، فالأولى ألا يكون بينهما أجنبي. والواو في "أشربوا" هي المفعول الأول قامت مقام الفاعل، والثاني هو "العجل" لأن "شرب" يتعدى بنفسه فأكسبته الهمزة مفعولا آخر، ولا بد من حذف مضافين قبل "العجل" والتقدير: وأشربوا حب عبادة العجل. وحسن حذف هذين المضافين المبالغة في ذلك، حتى كأنه تصور إشراب ذات العجل. والإشراب: مخالطة المائع بالجامد، ثم اتسع فيه حتى قيل في الألوان نحو: أشرب بياضه حمرة. والمعنى: أنهم داخلهم حب عبادته، كما داخل الصبغ الثوب. ومنه:


                                                                                                                                                                                                                                      617 - إذا ما القلب أشرب حب شيء فلا تأمل له الدهر انصرافا



                                                                                                                                                                                                                                      وعبر بالشرب دون الأكل، لأن الشرب يتغلغل في باطن الشيء بخلاف [ ص: 6 ] الأكل، فإنه مجاوز، ومنه في المعنى:


                                                                                                                                                                                                                                      618 - جرى حبها مجرى دمي في مفاصلي      . . . . . . . .



                                                                                                                                                                                                                                      وقال بعضهم:


                                                                                                                                                                                                                                      619 - تغلغل حب عثمة في فؤادي     فباديه مع الخافي يسير
                                                                                                                                                                                                                                      تغلغل حيث لم يبلغ شراب     ولا حزن ولم يبلغ سرور
                                                                                                                                                                                                                                      أكاد إذا ذكرت العهد منها     أطير لو أن إنسانا يطير



                                                                                                                                                                                                                                      وقيل: الإشراب هنا حقيقة، لأنه يروى أن موسى عليه السلام برد العجل بالمبرد ثم جعل تلك البرادة في ماء وأمرهم بشربه، فمن كان يحب العجل ظهرت البرادة على شفتيه، وهذا وإن كان قال به السدي، وابن جريج وغيرهما، فيرده قوله: "في قلوبهم".

                                                                                                                                                                                                                                      قوله: "بكفرهم" فيه وجهان، أظهرهما: أنها للسببية متعلقة بـ "أشربوا"، أي: أشربوا بسبب كفرهم السابق. والثاني: أنها بمعنى "مع"، يعنون بذلك أنها للحال، وصاحبها في الحقيقة ذلك المضاف المحذوف أي: أشربوا حب عبادة العجل مختلطا بكفرهم. والمصدر مضاف للفاعل، أي: بأن كفروا. "قل بئسما يأمركم" كقوله: "بئسما اشتروا" فليلتفت إليه.

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 7 ] قوله: "إن كنتم مؤمنين" يجوز فيها الوجهان السابقان من كونها نافية وشرطية، وجوابها محذوف تقديره: "فبئسما يأمركم". وقيل: تقديره: فلا تقتلوا أنبياء الله ولا تكذبوا الرسل ولا تكتموا الحق، وأسند الإيمان إليهم تهكما بهم، ولا حاجة إلى حذف صفة أي: إيمانكم الباطل، أو حذف مضاف أي: صاحب إيمانكم. وقرأ الحسن: "بهو إيمانكم" بضم الهاء مع الواو وقد تقدم أنها الأصل.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية