الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      (إذ قالت امرأت عمران رب إني نذرت لك ما في بطني محررا) : يجوز أن يكون متصلا بـ (سميع عليم) ، ويجوز أن يكون على إضمار (اذكر) .

                                                                                                                                                                                                                                      ومعنى قوله: (محررا) : خالصا لله عز وجل، لا يشوبه شيء من أمر الدنيا، عن عكرمة .

                                                                                                                                                                                                                                      مجاهد : خادما للبيعة، الشعبي : مخلصا للعبادة.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: ( محررا) مأخوذ من الحرية التي هي ضد العبودية.

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 37 ] وقيل: هو من تحرير الكتاب; وهو تخليصه من الاضطراب والفساد.

                                                                                                                                                                                                                                      وسبب قول امرأة عمران هذا: أنها كانت كبيرة لا تلد، فنذرت إن ولدت أن تجعل ما ولدته محررا، وكان ذلك جائزا في شريعتهم، وكان على أولادهم أن يطيعوهم، فلما وضعت مريم; (قالت رب إني وضعتها أنثى) تعني: أن الأنثى لا تصلح لخدمة الكنيسة.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: (والله أعلم بما وضعت) : هو على قراءة من قرأ: (وضعت) من جملة كلامها، وعلى قراءة من قرأ: (وضعت) من كلام الله عز وجل، قدم، وتقديره أن يكون مؤخرا بعد: (وإني أعيذها بك وذريتها من الشيطان الرجيم) ، والهاء في (وضعتها) عائدة على (ما) في قوله: (نذرت لك ما في بطني) ; لأنها واقعة على مؤنث.

                                                                                                                                                                                                                                      ومعنى الاستعاذة: قيل: من طعن الشيطان الطفل حين يولد، وقيل: من الإغواء بعد بلوغ حد التكليف، وقال النبي عليه الصلاة والسلام: "إن الله وقى مريم وولدها من الشيطان الرجيم بحجاب".

                                                                                                                                                                                                                                      (فتقبلها ربها بقبول حسن) أي: يتقبل، فحمل على المعنى.

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 38 ] و (قبول) : مصدر، والأصل: الضم، والفتح جاء في حروف قليلة، وأجاز الزجاج : (بقبول) بضم القاف.

                                                                                                                                                                                                                                      (وأنبتها نباتا حسنا) أي: فنبتت نباتا حسنا، فحمل على المعنى.

                                                                                                                                                                                                                                      (وكفلها زكرياء) : أي: ضمن القيام بها، عن أبي عبيدة .

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل: معنى (وكفلها زكرياء) : ضمها إليه، والمعنى راجع إلى الضمان.

                                                                                                                                                                                                                                      و (المحراب) في اللغة: أكرم موضع في المجلس، وجاء في الخبر: أنها كانت في غرفة، وكان زكريا يصعد إليها بسلم.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: (وجد عندها رزقا) ذكر المفسرون: أنه كان يجد عندها فاكهة الصيف في الشتاء، وفاكهة الشتاء في الصيف، عن ابن عباس وغيره.

                                                                                                                                                                                                                                      (أنى لك هذا) أي: من أين لك؟وقوله: (إن الله يرزق من يشاء بغير حساب) : يجوز أن يكون من قول مريم، ويجوز أن يكون مستأنفا، فكان ذلك سبب دعاء زكريا وسؤاله الولد، والمعنى: عندما عاين من قدرة الله عز وجل في مريم; دعا ربه.

                                                                                                                                                                                                                                      و (هنالك) : ظرف يستعمل للزمان والمكان، وأصله للمكان.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: (إنك سميع الدعاء) أي: قابله، ومنه: "سمع الله لمن حمده".

                                                                                                                                                                                                                                      (فنادته الملائكة) : السدي : ناداه جبريل وحده، وقيل: ناداه جماعة الملائكة; أي: جاءه النداء من قبلهم.

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 39 ] وسمي ( يحيى ) في قول قتادة ; لأن الله أحياه بالإيمان(مصدقا بكلمة من الله) يعني: بعيسى في قول أكثر المفسرين.

                                                                                                                                                                                                                                      وسمي بـ (كلمة) ; لأنه كان بكلمة الله التي هي: (كن من غير أب) ;فمعناه: ذو كلمة، فحذف المضاف.

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل: سمي بذلك; لأن الأنبياء بشرت به، فجاء على الصفة التي وصفته بها، فهو كلمة الله عز وجل; لتقدم البشارة به، وقيل: سمي كلمة; لأن الناس يهتدون به كما يهتدون بكلام الله تعالى.

                                                                                                                                                                                                                                      وقال أبو عبيدة: معنى (بكلمة من الله) : بكتاب من الله، قال: والعرب تقول: (أنشدني كلمة فلان) ; أي: قصيدته.

                                                                                                                                                                                                                                      (وسيدا) أي: في العلم والعبادة، عن قتادة .

                                                                                                                                                                                                                                      ابن جبير والضحاك : في الحلم والتقى.

                                                                                                                                                                                                                                      مجاهد : السيد الكريم.

                                                                                                                                                                                                                                      عكرمة وابن زيد: السيد الذي لا يغلبه الغضب.

                                                                                                                                                                                                                                      (وحصورا) : (الحصور) : الذي لا يأتي النساء، عن ابن مسعود وغيره. [ ص: 40 ]

                                                                                                                                                                                                                                      وهو (فعول) بمعنى: (مفعول) ، كأنه ممنوع مما يكون في الرجال.

                                                                                                                                                                                                                                      ابن عباس : (الحصور) : الذي لا ينزل، وقيل: معناه: الحابس نفسه عن معاصي الله تعالى.

                                                                                                                                                                                                                                      (قال رب أنى يكون لي غلام) : اشتقاق (الغلام) من الغلمة; وهي شدة طلب النكاح، فكأنه في حال من يطلب النكاح، أو في حال من يؤول أمره إلى ذلك.

                                                                                                                                                                                                                                      و (العاقر) من الرجال والنساء: من لا يلد، والأصل: من العقر; وهو الأصل، سمي بذلك; لانقطاع أصل، النسل به.

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل في معنى هذا الاستفهام: إنه سأل: هل يكون له الولد وهو وامرأته على حالتهما، أم يردان إلى حال من يلد؟وقيل: سأل: هل يرزق الولد من امرأته العاقر أم من غيرها؟وقيل: سؤاله على وجه الاستعظام لقدرة الله تعالى، والتعجب الذي يحدث عند معاينة الآيات.

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل: المعنى: بأي منزلة استوجبت هذا وأنا وامرأتي على هذه الحال؟على وجه التواضع.

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 41 ] وقيل: إنه نسي دعاءه بالولد، ويروى: أنه كان بين دعائه والوقت الذي بشر فيه أربعون سنة.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: ( قال رب اجعل لي آية) أي: علامة، سأل أن يجعل له علامة يستدل بها على وقت الحمل، فجعل آيته أن يمسك لسانه عن الكلام ثلاثة أيام وهو صحيح سوي.

                                                                                                                                                                                                                                      و (الرمز) في اللغة: الإيماء بالشفتين، وقد يستعمل في الإيماء بالحاجبين، والعينين، واليدين، وأصله: الحركة.

                                                                                                                                                                                                                                      (واذكر ربك كثيرا) : أمر بألا يترك الذكر في نفسه مع اعتقال لسانه.

                                                                                                                                                                                                                                      (وسبح بالعشي والإبكار) أي: صل، سميت الصلاة سبحة; لما يكون فيها من تنزيه الله تعالى عن السوء.

                                                                                                                                                                                                                                      و (العشي) : من حين تزول الشمس إلى أن تغيب، عن مجاهد .

                                                                                                                                                                                                                                      (والإبكار) : من طلوع الفجر إلى وقت الضحى، وهو مأخوذ من التعجيل، وهو مصدر بالكسر، وجمع (بكرة) بالفتح.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية