الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                115 حدثني أبو الطاهر قال أخبرني ابن وهب عن مالك بن أنس عن ثور بن زيد الدؤلي عن سالم أبي الغيث مولى ابن مطيع عن أبي هريرة ح وحدثنا قتيبة بن سعيد وهذا حديثه حدثنا عبد العزيز يعني ابن محمد عن ثور عن أبي الغيث عن أبي هريرة قال خرجنا مع النبي صلى الله عليه وسلم إلى خيبر ففتح الله علينا فلم نغنم ذهبا ولا ورقا غنمنا المتاع والطعام والثياب ثم انطلقنا إلى الوادي ومع رسول الله صلى الله عليه وسلم عبد له وهبه له رجل من جذام يدعى رفاعة بن زيد من بني الضبيب فلما نزلنا الوادي قام عبد رسول الله صلى الله عليه وسلم يحل رحله فرمي بسهم فكان فيه حتفه فقلنا هنيئا له الشهادة يا رسول الله قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كلا والذي نفس محمد بيده إن الشملة لتلتهب عليه نارا أخذها من الغنائم يوم خيبر لم تصبها المقاسم قال ففزع الناس فجاء رجل بشراك أو شراكين فقال يا رسول الله أصبت يوم خيبر فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم شراك من نار أو شراكان من نار

                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                وقوله : ( ثور بن زيد الديلي ) هو هنا بكسر الدال وإسكان الياء هكذا هو في أكثر الأصول الموجودة ببلادنا ، وفي بعضها ( الدؤلي ) بضم الدال وبالهمزة بعدها التي تكتب صورتها واوا . وذكر القاضي عياض - رحمه الله - أنه ضبطه هنا عن أبي بحر ( دولي ) بضم الدال وبواو ساكنة . قال : وضبطناه عن غيره بكسر الدال وإسكان الياء . قال : وكذا ذكره مالك في الموطأ ، والبخاري في التاريخ ، وغيرهما . قلت : وقد ذكر أبو علي الغساني أن ثورا هذا من رهط أبي الأسود فعلى هذا يكون فيه الخلاف الذي قدمناه قريبا في أبي الأسود .

                                                                                                                وقوله : ( عن سالم أبي الغيث مولى ابن مطيع ) هذا صحيح وفيه التصريح بأن أبا الغيث هذا يسمى سالما . وأما قول أبي عمر بن عبد البر في أول كتابه ( التمهيد ) لا يوقف على اسمه صحيحا فليس بمعارض لهذا الإثبات الصحيح . واسم ابن مطيع عبد الله بن مطيع بن الأسود القرشي . والله أعلم .

                                                                                                                قوله - صلى الله عليه وسلم - : ( إني رأيته في النار في بردة غلها أو عباءة ) أما البردة بضم الباء فكساء مخطط وهي الشملة والنمرة . وقال أبو عبيد هو كساء أسود فيه صور وجمعها برد بفتح الراء وأما العباءة فمعروفة وهي ممدودة ويقال فيها أيضا ( عباية ) بالياء ، قاله ابن السكيت وغيره . وقوله - صلى الله عليه وسلم - : ( في بردة ) أي من أجلها وبسببها . وأما ( الغلول ) فقال أبو عبيد : هو الخيانة في الغنيمة خاصة ، وقال غيره : هي الخيانة في كل شيء ، ويقال منه غل يغل بضم الغين .

                                                                                                                وقوله : ( رجل من بني الضبيب ) هو بضم الضاد المعجمة وبعدها باء موحدة مفتوحة ثم ياء مثناة من تحت ساكنة ثم باء موحدة .

                                                                                                                قوله ( يحل رحله ) هو بالحاء المهملة وهو مركب الرجل على البعير .

                                                                                                                وقوله : ( فكان فيه حتفه ) هو بفتح الحاء المهملة وإسكان المثناة فوق أي موته ، وجمعه حتوف . ومات حتف أنفه أي من غير قتل ولا ضرب .

                                                                                                                قوله : ( فجاء رجل بشراك أو شراكين فقال : يا رسول الله أصبت يوم خيبر ) كذا هو في الأصول [ ص: 298 ] وهو صحيح وفيه حذف المفعول أي أصبت هذا . والشراك بكسر الشين المعجمة وهو السير المعروف الذي يكون في النعل على ظهر القدم . قال القاضي عياض - رحمه الله - : قول النبي - صلى الله عليه وسلم - : ( إن الشملة لتلتهب عليه نارا ) وقوله - صلى الله عليه وسلم - ( شراك أو شراكان من نار ) تنبيه على المعاقبة عليهما ، وقد تكون المعاقبة بهما أنفسهما فيعذب بهما وهما من نار ، وقد يكون ذلك على أنهما سبب لعذاب النار . والله أعلم .

                                                                                                                وأما قوله : ( ومع النبي - صلى الله عليه وسلم - عبد له ) فاسمه ( مدعم ) بكسر الميم وإسكان الدال وفتح العين المهملتين كذا جاء مصرحا به في الموطأ في هذا الحديث بعينه . وقال القاضي عياض - رحمه الله - : وقيل : إنه غير ( مدعم ) ، قال : وورد في حديث مثل هذا اسمه كركرة ذكره البخاري هذا كلام القاضي . و ( كركرة ) بفتح الكاف الأولى وكسرها وأما الثانية فمكسورة فيهما . والله أعلم .

                                                                                                                وأما أحكام الحديثين فمنها غلظ تحريم الغلول ، ومنها أنه لا فرق بين قليله وكثيره حتى الشراك ، ومنها أن الغلول يمنع من إطلاق اسم الشهادة على من غل إذا قتل ، وسيأتي بسط هذا إن شاء الله تعالى ، ومنها أنه لا يدخل الجنة أحد ممن مات على الكفر وهذا بإجماع المسلمين ، ومنها جواز الحلف بالله تعالى من غير ضرورة لقوله - صلى الله عليه وسلم - : والذي نفس محمد بيده ، ومنها أن من غل شيئا من الغنيمة يجب عليه رده ، وأنه إذا رده يقبل منه ، ولا يحرق متاعه سواء رده أو لم يرده فإنه - صلى الله عليه وسلم - لم يحرق متاع صاحب الشملة وصاحب الشراك ، ولو كان واجبا لفعله ، ولو فعله لنقل .

                                                                                                                وأما الحديث من غل فاحرقوا متاعه واضربوه وفي رواية : واضربوا عنقه " فضعيف بين ابن عبد البر ، وغيره ضعفه . قال الطحاوي - رحمه الله - : ولو كان صحيحا لكان منسوخا . ويكون هذا حين كانت العقوبات في الأموال . والله أعلم .




                                                                                                                الخدمات العلمية