يواجه الطفل في السنوات الأولى من حياته تحديات متعددة، ولعل من أهمها تلك التي تتصل ببناء قدراته الفكرية والتعليمية بناء صحيا وقويا، ويتأثر النمو المعرفي والتطور الذهني في مرحلة الطفولة بعوامل داخلية وخارجية متعددة، ولعل التغذية الصحية من أهم العوامل التي تعمل على تفعيل النشاط الفكري للطفل كما تسهم في تنمية قدراته على التعليم والتحصيل المعرفي في المدرسة.
لقد أثبتت الأبحاث أن بعض أنواع من الطعام لها تأثير إيجابي على قوة ذاكرة الطفل وقدرته على التعلم، وأن هناك أصنافا محددة من شأنها أن تعيق نموه العقلي.
ويلاحظ الكثير من الأهل أنَّ أطفالهم في فترة الدراسة يميلون كثيراً لتناول الوجبات الخفيفة كالبسكويت والبطاطا المقلية «الشيبسي» والكعك المليء بالسكر.. وعلى الرغم من أنَّ هذه الوجبات الخفيفة يمكن أن تعطيهم الشعور بالشبع، إلا أنها -سواء كانت مالحة أم حلوة- لن تعمل على دعم عمل الدماغ على المدى الطويل.
منارات عملية
• الكربوهيدرات (مولدات الطاقة)... للكربوهيدرات المركبة أو المجمعة تأثير كبير على الطلاب في تحصيلهم الدراسي؛ إذ تعمل على دعم عمل الدماغ (يحتاج الدماغ إلى نحو 100ملجم من عنصر الجلوكوز في الدقيقة)، وترفع الطاقة لدى الطلاب.
وتوجد الكاربوهيدرات المركبة في الخبز الكامل والأرز والموز. ويقول اختصاصيو التغذية: إنَّ الكثير من الناس يمكن أن يخلطوا بين هذه الكربوهيدرات المركبة والمكررة كالبسكويت والكاتو والكعك؛ على اعتبار أنها أيضاً من الكربوهيدرات، وتصنع من القمح.
وأوضحوا أنَّ الكربوهيدرات المكررة يمكن أن تعطي مقداراً من الطاقة، إلا أنها تزول سريعا، تاركة الطالب في حالة من عدم التركيز إلى جانب شعوره بالبلادة.
وعلى الأهل أن ينصحوا أطفالهم بتناول الكربوهيدرات عند الصباح، لأنها ليست أبداً من المواد الغذائية التي تزيد من الوزن؛ بل على العكس فإنَّ لها القدرة على دعم الطاقة لديهم، وتزيد من قدرتهم على التركيز في الحصص المدرسية.
ويحتاج التلميذ أيضًا للسكريات البسيطة التي توجد في العسل الأبيض والأسود، وترجع أهمية هذه السكريات إلى مساعدتها في أداء وظائف المخ الذي يحتاج إلى هذه السكريات الممتصة حديثًا من الأمعاء.
• دماغ الطفل يحتاج بالدرجة الأولى إلى حصص كبيرة من البروتينات الغنية بالأحماض الأمينية. فبقدر ما تتوازن كمياتها فيه بقدر ما يتمتع الطفل بحافظة ذهنية خارقة تدفعه نحو مزيد من الاكتساب وتنفيذ الاختبارات، وإحصاء النتائج بصورة أسرع، تحت تأثير قدرة هذه الأحماض على تجديد الخلايا الدماغية، والعصبية باستمرار.
وعموما في حال لم يكن الطفل يحبّ تناول الحبوب الكاملة كحبوب القمح والكورن فليكس عند الصباح، يمكن له أن يتناول البيض الغني بالبروتينات ومجموعة فيتامين «ب» المركب، والذي يؤثر وبشكل كبير على عمل الذاكرة لديه.
ومع البيض يمكن تناول الخبز الكامل، وبذلك يدمج الطفل بين البروتين والكربوهيدرات، وبعدها يمكن للطالب أن يختتم فطوره بتفاحة يتناولها وهو ذاهب إلى المدرسة.
• يجب تخفيض مقادير اللحوم الدهنية في غذاء الطفل، واستبدالها بمقادير كبيرة من الأسماك الغنية بأحماض «أوميجا- 3» الفاعلة في نمو الدماغ وتطوير الذاكرة والذكاء، وعلى صعيد الدهون فإن تواجدها في الدماغ يعادل 60% من وزنه العام، وهي لا تمده بالوحدات الحرارية، بل تساعد على تجديد الأغشية الخلوية مما يفرض تأمينها من مصادر صحية كالدهون النباتية ( زيت الزيتون وزيت جوز الهند والنخيل)، ودهون السمك «أوميجا- 3» حتى تتواصل عملية تشحيم النواقل والخلايا العصبية.
يذكر أن «السيروتونين» مادة مهدئة مضادة للضغط النفسي والانفعالات، يفرزها الدماغ، تعدل مستوياتها بإعطاء الطفل مأكولات غنية بالسكريات وأحماض «أوميجا- 3»، لأن انخفاض تلك المادة يؤدي إلى اضطراب في مزاجه وتراجع في توازن ذاكرته، مما يؤثر مباشرة على مستوى ذكائه.
وفضلا عن الأسماك توجد «أوميجا - 3» أيضا في جبن الغنم والذي يحتوي على 0.5 جرام من الأوميجا-3 في كل 100 جرام. وأيضا في الجبن الأبيض الطري واللوز والبندق والصنوبر، حيث تحتوي الثمار الزيتية على حوالي 6جم/100 جرام.
• الليسيثين والكولين ... يعملان على تحفيز الذاكرة، ويفيدان في تنشيط الذاكرة وتقويتها لسنوات طويلة، فتجد الشخص الذي يهتم بتناول تلك العناصر لديه تركيز ذهني عندما يتقدم به السن، كما أوضحت ذلك الأبحاث العلمية، وتلك المواد متوفرة في كثير من الأغذية لارتباطها بالدهون (صفار البيض والقمح واللحوم والكبد والأسماك والأجبان والفول السوداني).
وتضاف مادة الليسيثين اعتياديا إلى الزيت النباتي والشوكولاتة بهدف مزاوجة الدهن في هذه المواد بالماء، ولمادة الليسيثين تأثيرات إيجابية أخرى غير هذا، لأنها تزيد مادة الكولين في الدماغ بشكل قليل، وهذا يعني من ناحية أخرى أن مادة «اسيتايل كولين» ستزداد أيضا، وهي أحد المرسلات العصبية الهامة لعمل الدماغ والذاكرة.
• الحديد ... عموما يساعد الحديد مباشرة في عملية بناء المواد المرسلة أو الناقلة للإشارات العصبية، كما أن عنصر الحديد يقي الإنسان من الإصابة بالأنيميا، والتي تعد من الأمراض التي تؤثر بصورة مباشرة على وظائف المخ، فالشخص الذي يعانى من الأنيميا عادة يعانى نقصًا في الأكسجين الذي ينبغي توافره حتى يصل لخلايا المخ، لذلك فإن عدم وصول الأكسجين إلى هذه الخلايا يجعل الفرد غير قادر على التركيز والاستيعاب.
وأوضحت العديد من الدراسات التي أجريت على تلاميذ المدارس وبخاصة البنات أن نقص الحديد «فقر الدم» أكثر الأمراض انتشاراً بالمنطقة العربية، ويؤثر «فقر الدم» بشكل كبير على التحصيل الدراسي. ووجد أن التلاميذ المصابين بفقر الدم يعانون من الدوار وقلة الشهية وسوء التغذية والإحساس السريع بالتعب والإجهاد، وعادة ما يكون التحصيل الدراسي لهؤلاء منخفضاً مقارنة بأقرانهم من التلاميذ.
يتوفر الحديد في اللحوم، وخاصة الكبد، ويوجد – أيضا- في الخضراوات الورقية (الجرجير والسبانخ ...).
• يعمل المغنسيوم والفيتامين «ج» و «ب -5» على مواجهة الإجهاد والضغط النفسي، سواء في فترة الدراسة أو فترة الامتحانات، ويتميز دور فيتامين «ج» بمنعه التأثير الضار للعوامل المؤكسدة في الجسم، ويقي من الأنيميا ومرض الإسقربوط الذي يؤدى إلى ظهور تقرحات في الجلد.
يوجد المغنيزيوم في الخضراوات ذات الأوراق الخضراء كالسبانخ، بالإضافة إلى وجوده في الدبس والمكسرات. أما فيتامين «ج» فيوجد بكثرة في الفواكه الحمضية (خاصة الليمون والبرتقال) والكيوي والفراولة والجوافة. ويعتبرُ كل من الأرز البني والأجبان والموز والبيض والحليب والمكسرات، من المواد الغنية بالفيتامين «ب-5».
• الزنك .. ضروري لعمل فيتامين «ب6» على الدماغ، وتشير أحدث الدراسات على الأطفال أن النعاس والتبلد والسلبية وضعف البنية وضعف القدرة على الاستيعاب -ومن ثم يصبح الطفل متخلفًا دراسيا- من أهم أعراض نقص الزنك، وأن هذه الأعراض تختفي تماماً بعد إعطاء مكملات الزنك.
يذكر أن أعلى نسبة للزنك في جسم الإنسان توجد في العين وبالأخص القزحية والشبكية، حيث يقوم بدور كبير في تنشيط فيتامين «أ» والذي يمثل أحد عوامل الرؤية في الليل. كما لوحظ أن هناك دلائل متزايدة حول قلة تناول الزنك ومشاكل العين مثل عدم التمييز بين الألوان «عمى الألوان»، وكذلك الإصابة بالمياه الزرقاء والتهاب العصب البصري.
الزنك متوافر في البقول كالفاصوليا والفول والعدس والبسلة والخبز الأسمر الغني بالنخالة، كما يوجد في الكبد واللبن والبيض ولحم البقر وقلب الدجاج ولحم الديك الرومي ولحم الضأن، وأغنى الأطعمة بالزنك «المحار» ويليها بقية الأطعمة البحرية والأسماك، وتعتبر شوربة الخضار من المصادر الغنية بالزنك بشرط أن تؤكل بمائها، هذا مع ملاحظة أن الأطعمة المجمدة تفقد نسبة كبيرة من الزنك الموجود بها، كما أن الزنك الموجود في اللحوم والمأكولات البحرية يتم امتصاصه أفضل من الزنك الموجود في الحبوب.
• مجموعة الفيتامين «ب» المركب فاعلة على صعيد الوقاية من الأمراض الدماغية، لأن أي نقص في معدلاتها في الدماغ يعني ظهور بوادر التوتر العصبي والمزاج الحاد، مما يحد من قدرة الطفل على التركيز في اختباراته، ويحول دون الوصول إلى النتائج السليمة، لذا نوصى الأم بضرورة وضع نظام غذائي خاص بالطفل يتفوق فيه الفيتامين «ب» المتواجد في الدجاج والبطاطا واللحوم والخضراوات المطبوخة والكبد والأسماك ومشتقات الحليب.