الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

انعكاس الغضب والتوتر سلباً على العلاقة بالزوج والأولاد

السؤال

السلام عليكم.
أتمنى أن يكون علاجي على أيديكم بعد الله سبحانه وتعالى.

عمري 24 متزوجة منذ 9 سنوات، لدي طفلان الكبرى بنت وعمرها 6 سنوات، والثاني ولد وعمره 4 سنوات، وحامل من 3 أشهر.

مشكلتي التوتر والغضب الشديد جداً، والصراخ  على الشيء المهم وغير المهم والتافه، لا أحب من أطفالي أن يفعلوا أي شيء لا يعجبني، وأريد كل شيء بنظام وكأننا بمدرسة عسكرية، وإذا لم يفعلوا ما أريد أضربهم على الفور، أحياناً أريد أن أربط يدي كي لا أضربهم، وبذلك أحرمهم من أقل حقوقهم. 

وإذا ضربتهم يضيق صدري، وأقول في نفسي: ليتني لم أضربهم، ولكن ضربي لهم سريع أتوتر، وأضرب من غير عقل ولا تفكير، ومن شدة التوتر أحس بارتعاش في جسمي، وسرعة دقات القلب، وأحياناً من الصراخ أحس بألم في رأسي وحلقي، أطفالي يخافون مني، يقولون: ماما لا تصرخي، وإذا فعلوا خطأ غير مقصود يخافون مني.

أطفالي صاروا سلبيين، ابنتي صارت شديدة العناد، وولدي أيضاً شديد العناد ويخاف، وإذا ضربه الأطفال لا يدافع عن نفسه، يقف في مكانه ويبكي إلى أن نأتي ونساعده، وغير اجتماعي، وزوجي لم يسلم مني، وبدأ يتذمر مني كثيراً، ويقول: إلى متى هذا التوتر؟ وأخاف أن يشرد من البيت.  

وبعد هذا كله أنا حساسة جداً، أزعل بسرعة وأرضى بسرعة، ولا أمتلك دموعي، أحياناً أبكي على شيء لا يسوى، لكن لا أستطيع أن أملك نفسي، أريد منكم العلاج المناسب لحالتي كي تهدأ أعصابي لمصلحة نفسي أولاً، ومصلحة أطفالي.

أنا مريضة بالضغط وهرمون الغدة الدرقية، وأستعمل دواء للضغط حالياً اسمه (اولدمت)؛ لأني حامل، وقبل الحمل كنت أستخدم (Lisiopil) ودواء الغدة (Euthyox25) إلا أن حالتي من قبل أن أستخدم علاج الغدة.

وأخيراً: ابنتي كثيرة الكذب، فهل تربيتي لها جعلتها هكذا؟
 
وشكراً لكم.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ أم عبد العزيز حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

فمن الواضح أنك تعانين من شخصية قلقة وانفعالية، وهذا كله نتج عنه إصابتك بدرجة بسيطة إلى متوسطة من الاكتئاب النفسي، كما أن لديك شيئاً من سمات الوساوس، ويظهر أن شخصيتك تحمل سمات ما نسميه بالشخصية القسرية، أي الشخصية الوسواسية التي تُحب الانضباط والتدقيق في كل الأمور.

يعرف تماماً أن الشخص القلق والمتوتر دائماً يُسقط غضبه على من هم أضعف منه، وبكل أسف في حالتك أصبحت انفعالاتك السلبية تُسقط على أطفالك، وأنت بالطبع في حاجة للعلاج، وإن شاء الله تعالى سوف أصف لك علاجاً دوائياً يساعدك كثيراً، ولكن قبل ذلك أقول لك: لابد أن تغيري هذا الفكر السلبي المشوه، خاطبي نفسك: (لماذا أقلق؟ لماذا أتوتر؟ أنا الحمد لله بخير، أنا لي ذرية).

واعرفي - يا أختي الكريمة - أن الغضب ليس من مكارم الأخلاق، الغضب يجب أن يتحكم فيه الإنسان، ولا شك أنك على إدراك بما ورد في السنة النبوية المطهرة لعلاج الغضب:

أولاً: الإنسان حين تعتريه الإشارات الأولى للغضب يجب أن يستغفر الله، ويجب أن تغيري مكانك، وأن تغيري وضعك، فإذا كنت واقفة فاجلسي وإن كنت جالسة فقفي، وعليك أن تتفلي ثلاثاً على شقك الأيسر، توضئي، صلي ركعتين، هذا العلاج مجرب، وبمجرد أن تعطي هذا العلاج قيمة فكرية في داخل نفسك سوف يكون حاضراً بالنسبة لك متى ما اعتراك شيء من الغضب.

الأمر الآخر: أرجو دائماً أن تعبري عن ذاتك وأن تفرغي ما بداخل نفسك، كثير من الناس يشكتون على أمور غير مرضية وإن كانت بسيطة خاصة الإنسان الحساس، وبمرور الزمن تحدث تراكمات لهذه الأشياء السلبية، مما يؤدي إلى زيادة في الانفعال والغضب.

أنصحك أيضاً بأن تمارسي تمارين تسمى تمارين الاسترخاء، وهي تمارين بسيطة جداً ومفيدة وجيدة، ولتطبيق هذه التمارين: يمكنك أن تجلسي في مكان هادئ، اجلسي على كرسي مريح، ضعي يديك فوق ركبتين، أغمضي عينيك، تفكري في حدث سعيد، افتحي فمك قليلاً، ثم خذي نفساً عميقاً وبطيئاً عن طريق الأنف، اجعلي صدرك يمتلأ بالهواء، أمسكي الهواء قليلاً في صدرك، ثم أخرجي الهواء بكل قوة وبطء عن طريق الفم.

كرري هذا التمرين خمس مرات متتالية بمعدل مرتين في اليوم، ولمدة ثلاثة أسابيع، بعد ذلك اجعليه مرة واحدة في اليوم لمدة أسبوعين، ممارسة التمارين الرياضية التي تناسب المرأة المسلمة أيضاً فيها خير كثير.

الإنسان حين يؤدي الصلاة في وقتها ويكون له ورد قرآني يومي، ويكثر من الاستغفار والدعاء وذكر الله تعالى لابد وأن تطمئن نفسه، قال تعالى: (( الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ ))[الرعد:28]، فأرجو أن تجعلي لنفسك نصيباً في هذا.

بالنسبة لعلاج ضغط الدم، فأنت الآن تتناولين الـ (اولدمت) وهو من الأدوية الجيدة لعلاج الضغط، وهو من الأدوية القديمة، ولكن يُعاب عليه أنه قد يسبب الاكتئاب النفسي، هذا الدواء يستعمل الآن فقط في ضغط الدم المصاحب للحمل؛ لأنه سليم على الجنين، بخلاف ذلك ليس من الأدوية المرغوب فيها، فأرجو مراجعة الطبيب في هذا؛ لأنني أعتقد أن هذا الدواء سبب أيضاً في عسر المزاج الذي تعانين منه، وهنالك أدوية بديلة كثيرة.

بالنسبة لعلاج الغدة الدرقية: الدواء جيد، فقط عليك بأن تتابعي مع الطبيب المختص، وذلك للتأكد من مستوى الهرمون.

بقي أن أصف لك أحد الأدوية الجيدة والفاعلة، والتي سوف تحسن من مزاجك وتزيل عنك هذا التوتر والقلق، الدواء يعرف تجارياً باسم (زولفت Zoloft) ويعرف تجارياً أيضاً باسم (لسترال Lustral) ويسمى علمياً باسم (سيرترالين Sertraline)؛ أرجو أن تبدئي في تناوله بجرعة حبة واحدة (خمسين مليجرام) تناوليها ليلاً بعد الأكل، واستمري عليها لمدة شهر، بعد ذلك ارفعيها إلى مائة مليجرام – أي حبتين – ليلاً لمدة ثلاثة أشهر، ثم خفضيها إلى حبة واحدة ليلاً لمدة ستة أشهر، ثم اجعليها حبة يوماً بعد يوم لمدة شهرين، ثم توقفي عن تناول الدواء.

هذا الدواء من الأدوية الممتازة والفعالة جدّاً، والسليمة، والمحسنة للمزاج، والمزيلة للغضب وللقلق والتوتر.

يمكنك أيضاً أن تتناولي دواء مساعدا ولفترة قصيرة ومحدودة، هذا الدواء يعرف تجارياً باسم (فلوناكسول Flunaxol) ويعرف علمياً باسم (فلوبنتكسول Flupenthixol) وجرعته هي حبة واحدة (نصف مليجرام) تناوليها صباحاً لمدة ثلاثة أشهر، ثم توقفي عن تناولها.

أما بالنسبة لابنتك: فالكذب عند الأطفال يعتمد على المرحلة العمرية، حتى عمر ست أو سبع سنوات الطفل حينما يقول أشياء ليست حقيقية ربما يكون اختلط لديه الخيال بالحقيقة، وهنا الطفل يوجه ويُطمأن، وإذا كان أكبر من ذلك: فيوجه بشيء من الإرشاد والتوجيه وإشعاره بالأمان، وأن نبني فيه قيما إسلامية صحيحة، وإن شاء الله سوف يتم التخلص من الكذب.

البنت أيضاً لابد أن تكوني أنت قدوة لها في التعامل، أعطيها فرصة للعب مع من هم في سنها، أشعريها بأهميتها، وقللي من انفعالاتك السلبية حيالها وإخوتها.

الزوج - إن شاء الله - يكون متفهماً لحالتك، وقطعاً بعد أن تتناولي الدواء وتطبقي الإرشادات السابقة، سوف تجدين أن الأمور قد تحسنت كثيراً، ولا شك أن تحسن صحتك النفسية وزوال هذه الانفعالات السلبية سوف يعود عليك بنفع كبير بإذن الله تعالى.

أسأل الله لك العافية والشفاء والتوفيق والسداد، ونشكرك على التواصل مع إسلام ويب.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً