الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

نجاني الله من زميلة سيئة لكني لم أنس إساءتها واحتقارها لي!

السؤال

قبل سنين أحببت زميلتي، وأردت خطبتها، وبمجرد أن علمت بمشاعري عاملتني باحتقار وبقلة احترام مع أني لم أخطئ، صُدمت من الطريقة البشعة التي عاملتني بها، مع العلم أنها قبل ذلك كانت تحترمني وتقدرني.

بدلاً من كرهها وجدت نفسي متعلقاً بها وألتمس لها عذراً، علمت أنها تتحدث عني بالسوء وتفتري عليَّ الكذب لتبرر فعلتها أمام الزملاء، لكن لم أستطع إخراج حبها من قلبي، بل على العكس حاولت استعطافها لعلها تأتي معتذرة، ابتعدت عنها ولم أعد أتكلم معها، لكن في آخر مرة التقينا فيها حدث سوء فهم، حاولت توضيحه لكنها عاملتني بنفس قلة الاحترام.

واللهِ لم أكن يوماً بالشخص الذليل، ولم أركض وراء أي شخص، بل كنت دائماً مستغنياً بالله مكتفياً بنفسي، لا أعلم لما ضعفت أمامها، لقد أذلني حبي، ولم أكن إلا عزيزاً بالله، وهي عاملتني بكل قلة أدب، وبدون أي احترام لشخص لم يرد التقرب إلا بما يرضي الله، أعطيتها قلبي، فلم ترفضه فقط، بل داست عليه دون أي اعتبار حتى لزمالتنا.

مرت سنوات، والآن لا أعرف عن الفتاة شيئًا، ولا أرغب بذلك، تعلمت الكثير من هذا الدرس وأعلم أن الله أنجاني من بنت ظالمة سيئة، لكن رغم كل هذا الوقت لم يتغير الحزن والغضب في قلبي، أتألم كثيراً من تلك المواقف التي وضعت نفسي بها، أشعر بالعار والذل دوماً، صرت عصبياً، حياتي ليست سوية ولا أستطيع توقيف نفسي عن التفكير في الماضي، ولا إنجاز أعمالي، أشعر بالغضب من نفسي ومنها، وأحزن على الطريقة البشعة التي قابلت بها محبتي.

كيف أتحرر من الماضي، وأتجاوز مشاعر الذل والغضب التي أشعر بها منذ سنين؟

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ سامر حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

مرحبًا بك –ابننا الفاضل– في الموقع، ونشكر لك الاهتمام وحُسن العرض للسؤال، ونسأل الله أن يجلب لك الطمأنينة والأمن والأمان.

بداية أرجو أن تحمد الله وتشكر الله الذي خلصك من فتاة لا تُراعي المشاعر، ولا تهتمّ بالأدبيات والتوبة، وعليك أن تشكر الله تبارك وتعالى الذي صرفك عنها وصرفها عنك، وتعوّذ بالله من شيطانٍ همُّه أن يحزن أهل الإيمان، {ليحزن الذين آمنوا}.

إذا جاءتك مثل هذه الأفكار السالبة، فتجاوزها بسرعة وبسهولة، وأشغل نفسك بما يفيد، واعلم أن الحياة تُعطي الناس دروسًا، والدرس القاسي سيكون عندها، فما فعلته ستجني ثماره المُرَّة، وليس في ذلك أذية لك أو احتقار لك، لكنّه انتقاصٌ لنفسها كفتاة، وكفى بامرأة لا تعرف الآداب والذوق العام الذي ينبغي أن يتعامل به الإنسان؛ فإن الشريعة تريد لمثل هذه الأمور أن يكون الدخول بإحسان والخروج كذلك بإحسان، والرد اللطيف مطلوب في كل الأحوال، يعني: مَن خطب فتاة، وهي لا تُريده ينبغي أن تقول: (أسأل الله أن ييسّر لك الخير وأهله، وأن يرزقك مَن هي خيرٌ مِنّي)، أو الشاب الذي يريد أن يعتذر من فتاة ينبغي أن يكون الاعتذار لها ولأهلها اعتذارًا لطيفًا، يدعو لهم ويسأل أن يعطيهم مَن هو خيرٌ منه.

يعني: إذًا لنا الحق في أن نرفض أو نقبل، ولكن ليس لنا الحق في التجريح والإساءة، وكل ما حصل منها سيكون في ميزان حسناتك، فلماذا تغضب وأنت الرابح، وأنت المأجور عند الله تبارك وتعالى؟!

ونريد أن نؤكد لك أهمية أن تبني علاقة عاطفية صحيحة بمن تستحق، ومع مَن سيكون هذا الميل المشترك بينكما، فإن الإنسان ينبغي أن يُؤسس علاقته الزوجية على ميل مشترك؛ لأنه تلاقي بالأرواح، والنبي -صلى الله عليه وسلم- قال عنها: (الأرواح جنودٌ مجندة، ما تعارف منها ائتلف، وما تناكر منها اختلف)، والحمد والشكر لله تبارك وتعالى، والله يُشكر في كل حال سبحانه وتعالى، ويُحمد على كل الأحوال سبحانه وتعالى، لكن من توفيق الله تبارك وتعالى أن هذه الزيجة لن تكون ناجحة لو أنها تمّتْ.

ولذلك ينبغي أن يحمد الإنسان على ما قدّره الله تبارك وتعالى، ولهذا قال عمر بن عبد العزيز: (كنا نرى سعادتنا في مواطن الأقدار).

ننصحك بعدم الاشتغال بتلك الصفحات، وعدم السؤال عن الفتاة أو البحث عنها، انصرف لحياتك، واعمل بجد، وضع لنفسك أهدافًا، وأسس حياة زوجية فيها الوفاق وفيها التفاهم، وأشرك الزملاء والعائلة والأصدقاء في حُسن الاختيار لك؛ لأن الزواج الذي يكون فيه الطريقة التقليدية – كما تُسمَّى – الميزة فيها أن الذي يُساعدنا في الاختيار يعرفنا ويعرف الطرف الآخر، ونسأل الله أن يُعينك على الخير، ونتمنى ألَّا تتأخّر في إقامة مشروع العائلة بالنسبة لك؛ لأن هذا جزء من الحل، وأرجو ألَّا ينعكس ما حصل على حياتك، فالبكاء على اللبن المسكوب لا يُعيده، والرجوع إلى الوراء يضرُّ الإنسان ويشغله، فانظر للأمام، واستعن بالله تبارك وتعالى، ولا تعجز.

ونحن سعدنا بكلماتك التي فيها التفاؤل (أعلم أن الله نجّاني منها)، وثقتك بالله تبارك وتعالى كبيرة، وتوكُّلك على الله ينبغي أن يكون عظيمًا، فهنيئًا لمن يستعين بالله وتوكل عليه، وأبشر بالخير، ونسأل الله لنا ولك التوفيق والسداد والثبات.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً