الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

ترك الاستغفار لمعاودة المعصية

السؤال

أنا امرأة 23 سنة متزوجة منذ 6 أشهر، وأعاني من ألم في الجماع يرجع إلى خوفي من العملية رغم أني أحب زوجي، ولم أكن أمكنه من نفسي، فأكذب عليه وأقول إني أدخلت ذكره في فرجي، ولكن لا أعمل سوى احتكاك بين فخذي لكني تعبت من الكذب، وأحسست عدم ارتياحه، ولجأت إلى الأفلام الجنسية لأتعلم وأخلص نفسي من الحيرة والشك في نفسي، فأنا كالعذراء لمدة 6 أشهر كثير.. وقد مرت مدة طويلة أتفرج على أفلام إباحية مرة كل شهر، وأندم على فعلتي وأعاود الخطأ إلا أني ذات يوم قضيت النهار كله في التفرج على تلك الأفلام لم أكن أحبها، ولكني كنت أود معرفة ما يحدث في العملية الجنسية رغم أني كنت أقرأ عدة مقالات في الموضوع، ولكن لا تقنعني الآن أحس بالذنب وعتاب ضميري وعدم إخلاصي لديني وزوجي ونفسي مع العلم أني متحجبة ومحتشمة جداً، والكل يحترمني إلا أني صرت أحتقر نفسي رغم أن مشاهدتي لتلك الأفلام أتت بنتيجة، وقد فرح زوجي، وأخبرني أنه لأول مرة يحس بنشوة وأني أعجبه، وأنا أيضا استمتعت معه، أريد أن أعرف هل عبادتي من صلاة وصدقة وخير غير مقبولة، وهل يغضب الله علي، وكيف لي أن أستغفر، مع العلم بأني لن أستطيع الاستغفار مرة أخرى خجلا من الله لأني أستغفره مراراً وتكراراً، وأعاود فعلتي، فهل بإمكاني عدم الاستغفار والعزم على عدم معاودة الفعل مرة أخرى حتى أتمكن من التغلب على الأمر؟ وشكراً.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فإن معصية الله تعالى لا تؤول إلا إلى شر وبلاء، ومن رحمة الله تعالى أنه ما جعل شفاءنا فيما حرم علينا، ومن حكمته تعالى أنه يجازي الإنسان من جنس عمله، كما قال تعالى: لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاؤُوا بِمَا عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى {النجم:31}، ولا شك أن من الإساءة ما ذكرته السائلة عن نفسها من مشاهدة مثل هذه الأفلام، فإن هذا لا يجوز بحال.. وعليها أن تقلع عن ذلك، فإن التوبة النصوح لا يكفي فيها مجرد الندم الذي ذكرته، حتى يحصل الإقلاع عن الذنب والعزيمة على عدم العودة، فعلى السائلة أن تبادر بالتوبة النصوح وقد سبق بيان شروطها، وكذلك الكلام على معاودة الذنب بعد التوبة في الفتاوى ذات الأرقام التالية: 29785، 1909، 97790، 60563. كما سبق بيان حرمة مطالعة القصص والمواقع الإباحية لغرض تعلم أمور المعاشرة الزوجية، وذلك في الفتويين: 18636، 54109.

وقد كان يكفي السائلة حلاً لمشكلتها أن تتعلم الآداب الشرعية المتعلقة بأمور المعاشرة الزوجية، فهي كفيلة بتحقيق رغبة الزوجين إن التزماها، وقد سبق ذكر طرف منها في الفتوى رقم: 3768.

وأما مسألة حسنات المسيء وطاعاته وهل تضيع عليه؟ فالجواب: أنها لا تضيع.. فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: إن الله لا يظلم مؤمناً حسنة يعطى بها في الدنيا ويجزى بها في الآخرة، وأما الكافر فيطعم بحسنات ما عمل بها لله في الدنيا، حتى إذا أفضى إلى الآخرة لم تكن له حسنة يجزى بها. رواه مسلم. فالطاعات وغيرها من أعمال البر إذا فعلها المؤمن العاصي فإنه يثاب عليها وتقبل منه، ولكنه قبول ناقص لا يرقى إلى الثواب والقبول بالنسبة للمؤمن المستقيم على شرع الله تعالى المتصف بالتقوى، كما سبق بيان ذلك في الفتوى رقم: 51358.

وأما ما ذكرته السائلة من معاودة المعاصي، وهل يحول ذلك بينها وبين معاودة الاستغفار، فالجواب أن المعصية هي المذمومة، وهي التي ينبغي أن تهجر، وأما الاستغفار بعدها فلا يستغنى عنه، وهو من أقرب السبل لعلاج هذا الإشكال، وترك الاستغفار للسبب الذي ذكرته السائلة إنما هو من وسوسة الشيطان وإغوائه.. وقد وصف الله المتقين فقال: وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُواْ أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُواْ اللّهَ فَاسْتَغْفَرُواْ لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللّهُ وَلَمْ يُصِرُّواْ عَلَى مَا فَعَلُواْ وَهُمْ يَعْلَمُونَ {آل عمران:135}، وقال صلى الله عليه وسلم: ما من عبد مؤمن إلا وله ذنب يعتاده الفينة بعد الفينة، أو ذنب هو مقيم عليه لا يفارقه حتى يفارق الدنيا، إن المؤمن خلق مفتنا توابا نسَّاء، إذا ذُكر ذكر. رواه الطبراني وصححه الألباني. قال المناوي: (مفتنا) أي ممتحنا يمتحنه الله بالبلاء والذنوب مرة بعد أخرى، والمفتن الممتحن الذي فتن كثيراً (تواباً نسياً إذا ذكر ذكر) أي يتوب ثم ينسى فيعود ثم يتذكر فيتوب هكذا يقال فتنه يفتنه إذا امتحنه. انتهى.

وقال النبي صلى الله عليه وسلم فيما يحكى عن ربه عز وجل، قال: أذنب عبد ذنباً فقال: اللهم اغفر لي ذنبي. فقال تبارك وتعالى: أذنب عبدي ذنباً فعلم أن له ربا يغفر الذنب ويأخذ بالذنب. ثم عاد فأذنب فقال: أي رب اغفر لي ذنبي. فقال تبارك وتعالى: عبدي أذنب ذنبا فعلم أن له ربا يغفر الذنب ويأخذ بالذنب. ثم عاد فأذنب فقال: أي رب اغفر لي ذنبي. فقال تبارك وتعالى: أذنب عبدي ذنباً فعلم أن له رباً يغفر الذنب ويأخذ بالذنب، اعمل ما شئت فقد غفرت لك. رواه البخاري ومسلم واللفظ له. قال النووي في باب قبول التوبة من الذنوب وإن تكررت الذنوب والتوبة: لو تكرر الذنب مائة مرة أو ألف مرة أو أكثر، وتاب في كل مرة قبلت توبته وسقطت ذنوبه ولو تاب من الجميع توبة واحدة بعد جميعها صحت توبته. انتهى.

فليس الإشكال في وقوع الذنب، وإنما الإشكال في الإصرار عليه واستمرائه، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قد قال: والذي نفسي بيده لو لم تذنبوا لذهب الله بكم ولجاء بقوم يذنبون فيستغفرون الله فيغفر لهم. رواه مسلم. ومما يجب عليك فعله إتباع السيئة بالحسنة حتى تمحوها، كما قال صلى الله عليه وسلم: اتق الله حيثما كنت، وأتبع السيئة الحسنة تمحها، وخالق الناس بخلق حسن. رواه الترمذي وقال: حسن صحيح. وأحمد، وحسنه الألباني. قال ابن تيمية: وأتبع السيئة الحسنة تمحها. فإن الطبيب متى تناول المريض شيئاً مضراً أمره بما يصلحه، والذنب للعبد كأنه أمر حتم، فالكيس هو الذي لا يزال يأتي من الحسنات بما يمحو السيئات. انتهى.

ومن أقرب الحسنات هنا الإكثار من الاستغفار، فالمصيبة أن يتابع العبد بين السيئات دون توبة واستغفار، كما قال صلى الله عليه وسلم: إن العبد إذا أخطأ خطيئة نكتت في قلبه نكتة سوداء فإذا هو نزع واستغفر وتاب سقل قلبه، وإن عاد زيد فيها حتى تعلوا قلبه، وهو الران الذي ذكر الله {كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِم مَّا كَانُوا يَكْسِبُونَ}. رواه الترمذي وقال حسن صحيح.. وابن ماجه وأحمد، وحسنه الألباني.. وقال الله تبارك وتعالى في الحديث القدسي: يا ابن آدم لو بلغت ذنوبك عنان السماء ثم استغفرتني غفرت لك ولا أبالي. رواه الترمذي وصححه الألباني.

فنوصي الأخت السائلة بترك هذه الفعلة السيئة، وأن لا تترك الاستغفار على أية حال، وأن تستعين بالله وأن تستقيم على شرعه، وقد سبق الكلام على الاستقامة والحرص عليها والبعد عن أسباب الذنب في الفتوى رقم: 77724 وما أحيل عليه فيها.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني