الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

زنا بامرأة ثم تاب فهل يعلم الزوج؟

السؤال

لي صديق ارتكب فاحشة الزنا مع زوجة أخيه, ثم جاء يخبرني ويطلب مني النصيحة؛ حيث إنه يقول: إن زوجة أخيه هي التي أغوته حتى أوقعته في الزنا, وهو يريد أن يبلغ أخاه الذي زنا بزوجته؛ حتى يمنعها عنه, فما حكم ذلك؟
والسؤال الثاني خاص بي, وهو: أني بعد أن علمت بذلك كرهته, وليس لي صديق سواه, وأريد أن أبتعد عنه, فما حكم ذلك؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

بداية: عليك أن تنصح صديقك بضرورة التوبة النصوح، فإن الزنا من الكبائر - والعياذ بالله - وإفساده فراش أخيه أقبح وأشنع وأفظع، وعليه الأخذ بأسباب البعد عن هذه الفاحشة، من ترك الاختلاط، والتساهل في الكلام والنظر، وأن يتذكر ما جاء في الصحيحين عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ أنّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: إِيَّاكُمْ وَالدُّخُولَ عَلَى النِّسَاءِ0 فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ الْأَنْصَارِ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَفَرَأَيْتَ الْحَمْوَ؟ قَالَ: "الْحَمْوُ الْمَوْتُ"

وفي شرح هذا الحديث يقول الشيخ مصطفى البغا في تعليقه على صحيح البخاري: (إياكم والدخول على النساء) احذروا من الدخول على النساء غير المحارم, ومنع الدخول يستلزم منع الخلوة من باب أولى, ( أفرأيت الحمو) أخبرني عن دخول الحمو على المرأة, والمراد بالحمو أقارب الزوج من غير المحارم, كالأخ, والعم, والخال, وأبنائهم, (الحمو الموت) لقاؤه الهلاك لأن دخوله أخطر من دخول الأجنبي, وأقرب إلى وقوع الجريمة؛ لأن الناس يتساهلون بخلطة الرجل بزوجة أخيه, والخلوة بها, فيدخل بدون نكير, فيكون الشر منه أكثر, والفتنة به أمكن. انتهى. وليطالع في شروط التوبة الفتويين: 5976 ، 30031 .

وأما بخصوص إبلاغ أخيه فالأصل هو ستر المسلم غير المعروف بالفواحش؛ للحديث المتفق عليه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ومن ستر مسلما ستره الله يوم القيامة. لكن إن كان يتمادى في الفواحش فيشرع فضحه؛ قال النووي - رحمه الله - المراد به الستر على ذوي الهيئات ونحوهم ممن هو ليس معروفًا بالأذى والفساد، فأما المعروف بذلك فيستحب ألا يستر عليه. وراجع للأهمية الفتوى رقم: 58847 .

وعليه؛ فطالما أنها غير معروفة بالبغاء، وممارسة الفجور، فليستر عليها؛ لا سيما أن إبلاغ زوجها بذلك قد يكون فيه انهيار بيوت كاملة، والله المستعان.

وأما قولك: "وهو يريد أن يبلغ أخاه الذي زنا بزوجته حتى يمنعها عنه" فنقول فيه: إن السائل إذا صدق في توبته, وأخلص في ندمه فهو الذي بيده منعها من نفسه، وأما إخبار أخيه فلا يجدي وحده، وقد تترتب عليه مفاسد كبيرة، جاء في المستدرك على مجموع فتاوى ابن تيمية: وإذا زنا بامرأة ثم تاب هل يعلم الزوج؟

وقال شيخ الإسلام تقي الدين أيضًا: سألت عن نظير هذه المسألة، وهو رجل تعرض لامرأة غيره فزنا بها، ثم تاب من ذلك، وسأله زوجها عن ذلك فأنكر، فطلب استحلافه، فإن حلف على نفي الفعل كانت يمينه غموسًا، وإن لم يحلف قويت التهمة، وإن أقر جرى عليه وعليها من الشر أمر عظيم, فأفتيته أنه يضم إلى التوبة فيما بينه وبين الله تعالى الإحسان إلى الزوج بالدعاء, والاستغفار, والصدقة عنه, ونحو ذلك بما يكون بإزاء إيذائه له في أهله، فإن الزنا بها تعلق به حق الله تعالى، وحق زوجها من جنس حقه في عرضه، وليس مما ينجبر بالمثل, كالدماء, والأموال، بل هو من جنس القذف الذي جزاؤه من غير جنسه، فتكون توبة هذا كتوبة القاذف، وتعريضه كتعريضه, وحلفه على التعرض كحلفه، وأما لو ظلمه في دم أو مال فإنه لا بد من إيفاء الحق فإن له بدلًا، وقد نص أحمد - رضي الله عنه - في الفرق بين توبة القاتل وبين توبة القاذف, وهذا الباب ونحوه فيه خلاص عظيم, وتفريج كربات للنفوس من آثار المعاصي والمظالم، فإن الفقيه كل الفقيه الذي لا يؤيس الناس من رحمة الله عز وجل، ولا يجرؤهم على معاصي الله تعالى، وجميع النفوس لا بد أن تذنب، فتعريف النفوس ما يخلصها من الذنوب من التوبة, والحسنات الماحيات, كالكفارات، والعقوبات هو من أعظم فوائد الشريعة .انتهى كلامه

وأما قولك "أريد ان أبتعد عنه" فجوابه أنك إن علمت صدق توبته بالقرائن كالندم، ونحوه، فالتائب من الذنب كمن لا ذنب له، فابق معه، وذكره بالله، ولعلك تتركه فيصاحب الفساق، فيزداد الأمر سوءًا، وأما إذا لم يتب فيشرع لك هجره، وراجع في أحكام ذلك الفتويين التاليتين: 98463 ، 28560 .

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني