الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

ما مصير من مات بداء البطن، وكان لا يُحسن الصلاة؟

السؤال

ماتت جدتي قبل ثلاث سنوات، وقد كانت تصلي، ولكن لا تجيد الصلاة، وقد علمها أبناؤها، ولكنها لا زالت تخطئ، وماتت على ذلك، ولا أدري ماذا كانت تقرأ فيها. وماتت مبطونة بمرض السرطان. فهل هي شهيدة، أو في النار؛ لأن صلاتها باطلة؟
علما بأنها قبل موتها صرخت في المستشفى قبل وفاتها بيوم، أو نصف يوم، وأنا أخاف أنها رأت أنها في النار، أو رأت شيئا من ذلك القبيل.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فنرجو من الله -تعالى- أن يرحم جدتك، ويعفو عنها، وهي تعتبر من عوام المسلمين الذين لا يحسنون العبادات، وقد تكون معذورة؛ لجهلها؛ أو لعدم قابليتها للتعليم، وعلى كل حال، فاسأل الله لها الرحمة، والمغفرة، فهي لم تكن منتهكة لأوامر الله تعالى -كما يظهر مما ذكرت عنها- والرسول -صلى الله عليه وسلم- لما رأى الرجل الذي لا يحسن الصلاة علمه كيف يصلي، ولم يأمره بإعادة ما كان يصلي على الهيئة الخاطئة سابقا، ولم يأمره بالتوبة مما مضى.

قال شيخ الإسلام: في معرِض كلامه عن حديث المسيء في صلاته الذي كان يترك ركْن الاطمئنان جهلاً منه بالحكم في مجموع الفتاوى: فعلَّمه النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- الصلاة بالطمأنينة، ولم يأمره بإعادة ما مضى قبل ذلك الوقت مع قوله: والذي بعثك بالحق لا أُحْسِن غير هذا، ولكن أمره أن يُعيدَ تلك الصلاة؛ لأن وقتها باقٍ، فهو مأمور بها أن يُصلِّيها في وقتها، وأما ما خرج وقتُه مِن الصلاة، فلم يأمُرْه بإعادته، مع كونه قد ترك بعض واجباته؛ لأنه لم يكن يعرف وُجوب ذلك عليه. وكذلك لم يأمرْ عمرَ بن الخطاب -رضي الله عنه- أن يَقضي ما تركه من الصلاة لأجل الجنابة؛ لأنه لم يكن يَعْرِف أنه يجوز الصلاةُ بالتيمُّم، وكذلك المُستحاضة قالتْ له: إني أستحاض حيضة شديدةً منكرةً تمنعني الصوم، والصلاة، فأمَرَها أن تتوضأ لكلِّ صلاة، ولم يأمرْها بقضاء ما تركَتْهُ، وكذلك الذين أكلوا في رمضان حتى تبيَّن لأحدهم الحبالُ البيض من الحبال السود، أكلوا بعد طُلوع الفجر، ولم يأمُرْهم بالإعادة، فهؤلاء كانوا جُهَّالاً بالوجوب، فلم يأمُرْهم بقضاء ما تركوه في حال الجهل. اهـ.

أما مَصير جدتك؛ فهذا أمرٌ غيبيٌّ، لا يعلمه إلا الله، غير أن الله -سبحانه وتعالى- قال: وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ {الأعراف: 156}، فكنْ على ثقةٍ في رحمة ربك الواسعة، وعفوه الفَيَّاض، وكرمه الشامل، فقد أخبر عن نفسه الكريمة، فقال: إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ {الأعراف: 56}، وقال: وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا {الأحزاب: 43}، وقال: إِنَّهُ بِهِمْ رَءُوفٌ رَحِيمٌ {التوبة: 117}، والآياتُ بهذا المعنى أشهرُ من أنْ تُذْكَر.

وفي صحيح مسلم، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: لما قضى الله الخلْقَ، كتب في كتابه على نفسه، فهو موضوعٌ عنده: إن رحمتي تغلب غضبي. وقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: لله أرحمُ بعباده من الوالدة بولدها.

وتأمَّلْ -رعاك الله- سببَ ورود هذا الحديث الشريف، كما رواه مسلم عن عمر بن الخطاب، أنه قال: قدم على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- سَبْيٌ، فإذا امرأة مِن السَّبي تبتغي، إذا وجدتْ صبيًّا في السبي، أخذتْه فألصقَتْه ببطنها، وأرضعَتْهُ، فقال لنا رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم-: أترون هذه المرأة طارحةً ولدَها في النار؟ قلنا: لا والله، وهي تقدر على ألا تطرحه، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: لله أرحم بعباده مِن هذه بِوَلَدِها.

واعلم أن المبطون كما يقول النووي في شرح مسلم: هو صاحب داء البطن، وهو الإسهال، وقال القاضي: وقيل: هو الذي به الاستسقاء، وانتفاخ البطن، وقيل: هو الذي يشتكي بطنه. وقيل: هو الذي يموت بداء بطنه مطلقاً. اهـ.

ومن تعريف المبطون هذا يتبين أن جدتك توصف بأنها من المبطونين، ويرجى لها الشهادة. ولا عبرة بصراخها، ولا دلالة فيه على شيء.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني