الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أخذ الأب من مال أحد أبنائه بسبب نفقته على ابن آخر

السؤال

إذا كان للأب دخل، ومعاش، وتجارة تكفيه، هو والوالدة، وهما في سن كبير. هل يجوز للأب أن يعطي تجارته لابنه المتزوج على أساس أن ينفق على بيته، ويأخذ من الابن المتغرب بحجة أن دخله لا يكفي. هل هذا حلال؟ والابن المتغرب لديه أسرة والتزامات. هل هذا حلال؟ مع العلم أن الابن المتغرب هو من زوج أخاه الأصغر.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فأما هل يجوز للأب أن يعطي تجارته لابنه المتزوج؛ لينفق على بيته. فجوابه: أنه لا حرج في ذلك، حتى ولو كان على سبيل التمليك، لا مجرد النفقة، وإباحة الانتفاع، إذا كان هذا الابن -دون بقية إخوته- محتاجا، أو فقيرا؛ فإنه يجوز للوالد أن يخص بعض ولده بالعطية، إذا كان هذا التخصيص لا على سبيل الأثرة، وإنما لمعنى فيه، كالحاجة، والفقر.

قال ابن قدامة في (المغني): إن خص بعضهم؛ لمعنى يقتضي تخصيصه، مثل اختصاصه بحاجة، أو زمانة، أو عمى، أو كثرة عائلة، أو اشتغاله بالعلم، أو نحوه من الفضائل، أو صرف عطيته عن بعض ولده؛ لفسقه؛ أو بدعته؛ أو لكونه يستعين بما يأخذه على معصية الله؛ أو ينفقه فيها؛ فقد روي عن أحمد ما يدل على جواز ذلك. اهـ. وراجع في ذلك الفتوى: 6242.

وإذا صار الوالد بعد عطيته لولده المحتاج، لا يجد ما يكفيه للنفقة على نفسه، أو امرأته، أو من تلزمه نفقتهم، فإنه يجوز له أن يأخذ من مال ابنه الآخر بقدر حاجته، بشرط أن لا يجحف به، أو يَضُرَّ بِه، فيأخذ ما تعلقت به حاجته.

قال ابن قدامة في «المغني»: وللأب أن يأخذ من مال ولده ما شاء، ويتملكه، مع حاجة الأب إلى ما يأخذه، ومع عدمها ... بشرطين؛ أحدهما: أن لا ‌يجحف ‌بالابن، ولا يضر به، ولا يأخذ شيئا تعلقت به حاجته. الثاني، أن لا يأخذ من مال ولد، فيعطيه الآخر. نص عليه أحمد، في رواية إسماعيل بن سعيد، وذلك؛ لأنه ممنوع من تخصيص بعض ولده بالعطية من مال نفسه، فلأن يمنع من تخصيصه بما أخذ من مال ولده الآخر أولى ... وقال أبو حنيفة، ومالك، والشافعي: ليس له أن يأخذ من مال ولده، إلا بقدر حاجته؛ لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "إن دماءكم، وأموالكم عليكم حرام، كحرمة يومكم هذا، في شهركم هذا، في بلدكم هذا" متفق عليه. اهـ.

وأما تزويج الأخ لأخيه الأصغر، فهو من الفضائل العظيمة، والأعمال الصالحة التي يرجى بركتها، ونفعها في الدنيا، والآخرة؛ لما فيها من بر بالوالدين؛ وصلة للرحم؛ وإعطاء لذوي القربى، وقد قال الله -تعالى-: فَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ ذَلِكَ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ {الروم: 38}، وقال -سبحانه-: لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ {البقرة: 177}، وقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: يد المعطي العليا، وابدأ بمن تعول: أمك، وأباك، وأختك، وأخاك، ثم أدناك أدناك. رواه النسائي، وصححه الألباني.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني