الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فلا شك أن الصلاة أعظم أركان الدين بعد الشهادتين، وقد ورد الوعيد الشديد والزجر الأكيد في حق تاركها، وانظري الفتوى رقم: 6061.
وأما من تركها تكاسلا مع إيمانه بوجوبها فمختلف في حكمه هل هو كافر أم مسلم؟ على قولين ذكرناهما في كثير من الفتاوى:
القول الأول: هو الذي ذكرناه أدلته في الفتوى رقم: 1846، والفتوى رقم: 27293، والفتوى رقم: 67907.
القول الثاني: أنه لا يكفر بل هو فاسق مرتكب لكبيرة من أعظم الكبائر، وهذا القول هو قول جمهور الفقهاء، وقد استدلوا على عدم كفره بأدلة أتى على معظمها الإمام ابن قدامة المقدسي في المغني قال رحمه الله تعالى: والرواية الثانية -عن أحمد-، يقتل حدا، مع الحكم بإسلامه، كالزاني المحصن، وهذا اختيار أبي عبد الله بن بطة، وأنكر قول من قال: إنه يكفر. وذكر أن المذهب -أي مذهب أحمد- على هذا، لم يجد في المذهب خلافا فيه.
وهذا قول أكثر الفقهاء، وقول أبي حنيفة، ومالك، والشافعي، وروي عن حذيفة أنه قال: يأتي على الناس زمان لا يبقى معهم من الإسلام إلا قول لا إله إلا الله. فقيل له: وما ينفعهم؟ قال: تنجيهم من النار، لا أبا لك.
وعن والان، قال: انتهيت إلى داري، فوجدت شاة مذبوحة، فقلت: من ذبحها؟ قالوا: غلامك. قلت: والله إن غلامي لا يصلي، فقال النسوة: نحن علمناه يسمي، فرجعت إلى ابن مسعود فسألته عن ذلك، فأمرني بأكلها.
والدليل على هذا قول النبي صلى الله عليه وسلم: إن الله حرم على النار من قال لا إله إلا الله، يبتغي بذلك وجه الله.
وعن أبي ذر، قال: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ما من عبد قال لا إله إلا الله، ثم مات على ذلك، إلا دخل الجنة.
وعن عبادة بن الصامت، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من شهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدا عبده ورسوله، وأن عيسى عبد الله ورسوله، وكلمته ألقاها إلى مريم، وروح منه، وأن الجنة حق، والنار حق، أدخله الله الجنة على ما كان من عمل.
وعن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: يخرج من النار من قال لا إله إلا الله، وكان في قلبه من الخير ما يزن برة. متفق على هذه الأحاديث كلها، ومثلها كثير.
وعن عبادة بن الصامت أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: خمس صلوات كتبهن الله على العبد في اليوم والليلة، فمن جاء بهن، لم يضيع منهن شيئاً استخفافا بحقهن، كان له عند الله عهد أن يدخله الجنة، ومن لم يأت بهن، فليس له عند الله عهد، إن شاء عذبه، وإن شاء أدخله الجنة. ولو كان كافرا لم يدخله في المشيئة.
وقال الخلال في (جامعه): ... عن أبي شميلة أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج إلى قباء فاستقبله رهط من الأنصار يحملون جنازة على باب، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ما هذا؟ قالوا: مملوك لآل فلان، كان من أمره، قال: أكان يشهد أن لا إله إلا الله؟ قالوا: نعم، ولكنه كان وكان. فقال لهم: أما كان يصلي؟ فقالوا: قد كان يصلي ويدع. فقال لهم: ارجعوا به، فغسلوه وكفنوه، وصلوا عليه، وادفنوه، والذي نفسي بيده، لقد كادت الملائكة تحول بيني وبينه. وروى بإسناده عن عطاء عن عبد الله بن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: صلوا على من قال لا إله إلا الله.
ولأن ذلك إجماع المسلمين، فإنا لا نعلم في عصر من الأعصار أحداً من تاركي الصلاة ترك تغسيله، والصلاة عليه، ودفنه في مقابر المسلمين، ولا منع ورثته ميراثه، ولا منع هو ميراث مورثه، ولا فُرِّق بين زوجين لترك الصلاة من أحدهما، مع كثرة تاركي الصلاة، ولو كان كافرا لثبتت هذه الأحكام كلها، ولا نعلم بين المسلمين خلافا في أن تارك الصلاة يجب عليه قضاؤها، ولو كان مرتدا لم يجب عليه قضاء صلاة ولا صيام. وأما الأحاديث المتقدمة -الدالة على كفر تارك الصلاة- فهي على سبيل التغليظ، والتشبيه له بالكفار، لا على الحقيقة، كقوله عليه السلام: سباب المسلم فسوق، وقتاله كفر. وقوله: كفر بالله تبرؤ من نسب وإن دق. وقوله: من قال لأخيه يا كافر فقد باء بها أحدهما. وقوله: من أتى حائضا أو امرأة في دبرها، فقد كفر بما أنزل على محمد. قال: ومن قال: مطرنا بنوء الكواكب، فهو كافر بالله، مؤمن بالكواكب. وقوله: من حلف بغير الله فقد أشرك. وقوله: شارب الخمر كعابد وثن. وأشباه هذا مما أريد به التشديد في الوعيد، وهو أصوب القولين. انتهى.
فنرجو الله تعالى لزوجك أن يكون شهيداً، فالشهيد هو المسلم الذي يقتل على يد الكفار ولو كان مرتكبا للمعاصي، وأما شرب الخمر فكبيرة من كبائر الذنوب ولا يكفر شارب الخمر اتفاقا بين العلماء، وأما بشأن خروجك للعمل في أثناء عدة الوفاة فلا مانع من ذلك، وانظري الفتوى رقم: 11576، والفتوى رقم: 53594.
والله أعلم.