[ ص: 536 ] بسم الله الرحمن الرحيم
سورة هود عليه السلام
هذه سورة مكية إلا قوله تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=12فلعلك تارك بعض ما يوحى إليك وضائق به صدرك ، وقوله:
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=17أولئك يؤمنون به ، ونزلت في ابن سلام وأصحابه، وقوله:
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=114إن الحسنات يذهبن السيئات الآية، نزلت في شأن الثمار. وهذه الثلاث مدنية، قاله
nindex.php?page=showalam&ids=17131مقاتل ، على أن الأولى تشبه المكي.
وإذا أردت بـ"هود" اسم السورة لم ينصرف، كما تفعل إذا سميت امرأة بـ"
عمرو " و"زيد"، وإذا أردت سورة "هود" صرفت.
قوله عز وجل:
nindex.php?page=treesubj&link=28723_28911_32450_34224_34225_34237_28982nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=1الر كتاب أحكمت آياته ثم فصلت من لدن حكيم خبير nindex.php?page=treesubj&link=28639_28662_31037_32026_34189_28982nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=2ألا تعبدوا إلا الله إنني لكم منه نذير وبشير nindex.php?page=treesubj&link=19705_19721_20011_28640_29694_30532_32413_34103_34513_28982nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=3وأن استغفروا ربكم ثم توبوا إليه يمتعكم متاعا حسنا إلى أجل مسمى ويؤت كل ذي فضل فضله وإن تولوا فإني أخاف عليكم عذاب يوم كبير nindex.php?page=treesubj&link=28723_30347_28982nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=4إلى الله مرجعكم وهو على كل شيء قدير
تقدم استيعاب القول في الحروف المقطعة في أوائل السور، وتختص هذه بأن قيل: إن (الرحمن) فرقت حروفه فيها، وفي "حم" وفي "ن والقلم" .
[ ص: 537 ] و"كتاب" مرتفع على خبر الابتداء، فمن قال: "الحروف إشارة إلى حروف المعجم" كانت الحروف المبتدأ، ومن تأول الحروف غير ذلك كان المبتدأ: هذا كتاب، والمراد بالكتاب القرآن.
و"أحكمت" معناه: أتقنت وأجيدت شبه ما تحكم من الأمور المتقنة الكاملة، وبهذه الصفة كان القرآن في الأزل، ثم فصل بتقطيعه وتنويع أحكامه وأوامره على
محمد صلى الله عليه وسلم في أزمنة مختلفة، فـ "ثم" على بابها، وهذه طريقة الإحكام والتفصيل، إذ الإحكام صفة ذاتية، والتفصيل إنما هو بحسب من يفصل له، والكتاب بأجمعه محكم مفصل، والإحكام الذي هو ضد النسخ والتفصيل الذي هو خلاف الإجمال إنما يقالان مع ما ذكرناه باشتراك. وحكى
nindex.php?page=showalam&ids=16935الطبري عن بعض المتأولين: أحكمت بالأمر والنهي، وفصلت بالثواب والعقاب، وعن بعضهم: أحكمت من الباطل، وفصلت بالحلال والحرام، ونحو هذا من التخصيص الذي هو صحيح المعنى ولكن لا يقتضيه اللفظ. وقال قوم:
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=1فصلت معناه: فسرت، وقرأ
nindex.php?page=showalam&ids=16584عكرمة ،
nindex.php?page=showalam&ids=14676والضحاك ،
والجحدري، nindex.php?page=showalam&ids=16456وابن كثير - فيما روي عنه-: "ثم فصلت" بفتح الفاء والصاد واللام، ويحتمل ذلك معنيين: أحدهما: فصلت أي: نزلت إلى الناس، كما تقول: "فصل فلان" لسفره ونحو هذا من المعنى. والثاني: فصلت بين المحق والمبطل من الناس.
و
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=1من لدن معناها: من حيث ابتدئت الغاية، كذا قال
nindex.php?page=showalam&ids=16076سيبويه ، وفيها لغات. يقال: "لدن" و"لدن" بسكون الدال، وقرئ بهما "من لدن"، ويقال: "لد" بفتح اللام وضم الدال دون نون، ويقال: "لدى" ، بدال منونة مقصورة. ويقال: "لد" بدال مكسورة منونة، حكى ذلك
nindex.php?page=showalam&ids=12078أبو عبيدة .
و"حكيم" أي: محكم، و"خبير" أي: ذو خبرة بالأمور أجمع.
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=2ألا تعبدوا ، "أن" في موضع نصب، إما على إضمار فعل، وإما على تقدير "بأن" وإسقاط الخافض، وقيل: على البدل من موضع "الآيات"، وهذا معترض ضعيف لأنه لا موضع للآيات، وإن نظر موضع الجملة فهو رفع، ويحتمل أن تكون في موضع رفع على تقدير: "تفصيله ألا تعبدوا"، وقيل: على البدل من لفظ "الآيات".
وقوله تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=2إنني لكم منه نذير وبشير أي: من عقابه وبثوابه، وإذا أطلقت هاتان اللفظتان فالنذارة في المكروه والبشارة في المحبوب، وقدم "النذير" لأن التحذير من النار هو الأهم، و"أن" معطوفة على التي قبلها. ومعنى الآية: استغفروا ربكم، أي:اطلبوا مغفرته لكم وذلك بطلب دخولكم في الإسلام، ثم توبوا من الكفر، أي:انسلخوا منه واندموا على سالفه. و"ثم" مرتبة لأن الكافر أول ما ينيب فإنه في طلب مغفرة ربه، فإذا تاب وتجرد من الكفر تم إيمانه. وقرأ الجمهور "يمتعكم" بشد التاء، وقرأ
ابن محيصن: "يمتعكم" بسكون الميم وتخفيف التاء، وفي كتاب
أبي حاتم : "إن هذه القراءات بالنون" ، وفي هذا نظر. و"متاعا" مصدر جار على غير الفعل المتقدم مثل:
nindex.php?page=tafseer&surano=71&ayano=17والله أنبتكم من الأرض نباتا . وقيل: نصب بتعدي "يمتعكم" لأنك تقول: متعت زيدا ثوبا. ووصف المتاع بالحسن إنما هو لطيب عيش المؤمن برجائه في الله عز وجل وفي ثوابه، وفرحه بالتقرب إليه بمفترضاته، والسرور بمواعيده، والكافر ليس في شيء من هذا. وأما من قال بأن المتاع الحسن هو فوائد الدنيا وزينتها، فيضعف بأن الكفرة يتشاركون في ذلك أعظم مشاركة. والأجل المسمى هو أجل الموت، معناه: إلى أجل مسمى لكل واحد منكم، وهذا ظاهر الآية، والأجل الكبير - على هذا- هو يوم القيامة. وتحتمل الآية أن يكون التوعد بتعجيل العذاب إن كفروا، والوعد بتمتيعهم إن آمنوا، فتشبه ما قاله نوح عليه السلام، واليوم الكبير -على هذا- كيوم
بدر ونحوه، والمجهلة -في أي الأمرين يكون- إنما هي بحسب البشر، والأمر عند الله تعالى معلوم محصل، والأجل واحد.
وقوله تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=3ويؤت كل ذي فضل فضله أي كل ذي إحسان بقوله أو بفعله أو بقوته أو بماله أو غير ذلك مما يمكن أن يتقرب به، و"فضله" يحتمل أن يعود الضمير فيه على "ذي" أي: ثواب فضله وجزاءه. ويحتمل أن يعود الضمير فيه على الله عز وجل، أي: يؤتي الله فضله كل ذي فضل وعمل صالح من المؤمنين، ونحو هذا المعنى ما وعد به الله تبارك وتعالى من تضعيف الحسنة بعشر أمثالها، ومن التضعيف غير محصور لمن شاء. وهذا التأويل تأوله
nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود وقال: "ويل لمن غلبت
[ ص: 539 ] آحاده عشراته". ويحتمل أن يكون قول
nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود موافقا للمعنى الأول.
وقرأ الجمهور: "وإن تولوا" بفتح التاء واللام، فبعضهم قال: معناه: الغيبة، أي: فقل لهم: إني أخاف عليكم، وقال بعضهم: معناه: "فإن تتولوا" فحذفت التاء، والآية كلها على مخاطبة الحاضر، وقرأ
اليماني، nindex.php?page=showalam&ids=16748وعيسى بن عمر : "وإن تولوا" بضم التاء واللام وفتح الواو.
وقوله تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=3فإني أخاف عليكم عذاب يوم كبير توعد بيوم القيامة، ويحتمل أن يريد به يوما من الدنيا كبدر وغيره.
وقوله تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=4إلى الله مرجعكم توعد، وهو يؤيد أن اليوم الكبير يوم القيامة لأنه توعد به، ثم ذكر الطريق إليه من الرجوع إلى الله. والمعنى: إلى عقابه وجزائه رجوعكم، وهو القادر الذي لا يضره شيء، ولا يجير عليه مجير، ولا تنفع من قضائه واقية. وقوله:
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=4على كل شيء عموم يراد به الخصوص، دون ما لا يوصف الله بالقدرة عليه من المحاولات وغيرها التي هي الأشياء. والشيء في اللغة: الموجود، وما يتحقق أنه يوجد كزلزلة الساعة وغيرها.
[ ص: 536 ] بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
سُورَةُ هُودٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ
هَذِهِ سُورَةٌ مَكِّيَّةٌ إِلَّا قَوْلَهُ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=12فَلَعَلَّكَ تَارِكٌ بَعْضَ مَا يُوحَى إِلَيْكَ وَضَائِقٌ بِهِ صَدْرُكَ ، وَقَوْلَهُ:
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=17أُولَئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ ، وَنَزَلَتْ فِي ابْنِ سَلَامٍ وَأَصْحَابِهِ، وَقَوْلَهُ:
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=114إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ الْآيَةُ، نَزَلَتْ فِي شَأْنِ الثِّمَارِ. وَهَذِهِ الثَّلَاثُ مَدَنِيَّةٌ، قَالَهُ
nindex.php?page=showalam&ids=17131مُقَاتِلٌ ، عَلَى أَنَّ الْأُولَى تُشْبِهُ الْمَكِّيَّ.
وَإِذَا أَرَدْتَ بِـ"هُودٍ" اسْمَ السُّورَةِ لَمْ يَنْصَرِفْ، كَمَا تَفْعَلُ إِذَا سَمَّيْتَ امْرَأَةً بِـ"
عَمْرٍو " وَ"زَيْدٍ"، وَإِذَا أَرَدْتَ سُورَةَ "هُودٍ" صَرَفْتَ.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ:
nindex.php?page=treesubj&link=28723_28911_32450_34224_34225_34237_28982nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=1الر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ nindex.php?page=treesubj&link=28639_28662_31037_32026_34189_28982nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=2أَلا تَعْبُدُوا إِلا اللَّهَ إِنَّنِي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ nindex.php?page=treesubj&link=19705_19721_20011_28640_29694_30532_32413_34103_34513_28982nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=3وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُمْ مَتَاعًا حَسَنًا إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ كَبِيرٍ nindex.php?page=treesubj&link=28723_30347_28982nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=4إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ
تَقَدَّمَ اسْتِيعَابُ الْقَوْلِ فِي الْحُرُوفِ الْمُقَطَّعَةِ فِي أَوَائِلِ السُّورِ، وَتَخْتَصُّ هَذِهِ بِأَنْ قِيلَ: إِنَّ (الرَّحْمَنَ) فُرِّقَتْ حُرُوفُهُ فِيهَا، وَفِي "حَم" وَفِي "ن وَالْقَلَمِ" .
[ ص: 537 ] وَ"كِتَابٌ" مُرْتَفِعٌ عَلَى خَبَرِ الِابْتِدَاءِ، فَمَنْ قَالَ: "الْحُرُوفُ إِشَارَةٌ إِلَى حُرُوفِ الْمُعْجَمِ" كَانَتِ الْحُرُوفُ الْمُبْتَدَأَ، وَمَنْ تَأَوَّلَ الْحُرُوفَ غَيْرَ ذَلِكَ كَانَ الْمُبْتَدَأُ: هَذَا كِتَابٌ، وَالْمُرَادُ بِالْكِتَابِ الْقُرْآنُ.
وَ"أُحْكِمَتْ" مَعْنَاهُ: أُتْقِنَتْ وَأُجِيدَتْ شِبْهَ مَا تُحَكَمُ مِنَ الْأُمُورِ الْمُتْقَنَةِ الْكَامِلَةِ، وَبِهَذِهِ الصِّفَةِ كَانَ الْقُرْآنُ فِي الْأَزَلِ، ثُمَّ فُصِّلَ بِتَقْطِيعِهِ وَتَنْوِيعِ أَحْكَامِهِ وَأَوَامِرِهِ عَلَى
مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أَزْمِنَةٍ مُخْتَلِفَةٍ، فَـ "ثُمَّ" عَلَى بَابِهَا، وَهَذِهِ طَرِيقَةُ الْإِحْكَامِ وَالتَّفْصِيلِ، إِذِ الْإِحْكَامُ صِفَةٌ ذَاتِيَّةٌ، وَالتَّفْصِيلُ إِنَّمَا هُوَ بِحَسَبِ مَنْ يُفَصِّلُ لَهُ، وَالْكِتَابُ بِأَجْمَعِهِ مُحْكَمٌ مُفَصَّلٌ، وَالْإِحْكَامُ الَّذِي هُوَ ضِدُّ النَّسْخِ وَالتَّفْصِيلُ الَّذِي هُوَ خِلَافُ الْإِجْمَالِ إِنَّمَا يُقَالَانِ مَعَ مَا ذَكَرْنَاهُ بِاشْتِرَاكٍ. وَحَكَى
nindex.php?page=showalam&ids=16935الطَّبَرِيُّ عَنْ بَعْضِ الْمُتَأَوِّلِينَ: أُحْكِمَتْ بِالْأَمْرِ وَالنَّهْيِ، وَفُصِّلَتْ بِالثَّوَابِ وَالْعِقَابِ، وَعَنْ بَعْضِهِمْ: أُحْكِمَتْ مِنَ الْبَاطِلِ، وَفُصِّلَتْ بِالْحَلَالِ وَالْحَرَامِ، وَنَحْوُ هَذَا مِنَ التَّخْصِيصِ الَّذِي هُوَ صَحِيحُ الْمَعْنَى وَلَكِنْ لَا يَقْتَضِيهِ اللَّفْظُ. وَقَالَ قَوْمٌ:
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=1فُصِّلَتْ مَعْنَاهُ: فُسِّرَتْ، وَقَرَأَ
nindex.php?page=showalam&ids=16584عِكْرِمَةُ ،
nindex.php?page=showalam&ids=14676وَالضَّحَّاكُ ،
وَالْجَحْدَرِيُّ، nindex.php?page=showalam&ids=16456وَابْنُ كَثِيرٍ - فِيمَا رُوِيَ عَنْهُ-: "ثُمَّ فَصَلَتْ" بِفَتْحِ الْفَاءِ وَالصَّادِ وَاللَّامِ، وَيَحْتَمِلُ ذَلِكَ مَعْنَيَيْنِ: أَحَدُهُمَا: فَصَلَتْ أَيْ: نَزَلَتْ إِلَى النَّاسِ، كَمَا تَقُولُ: "فَصَلَ فَلَانٌ" لِسَفَرِهِ وَنَحْوِ هَذَا مِنَ الْمَعْنَى. وَالثَّانِي: فَصَلَتْ بَيْنَ الْمُحِقِّ وَالْمُبْطِلِ مِنَ النَّاسِ.
وَ
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=1مِنْ لَدُنْ مَعْنَاهَا: مِنْ حَيْثُ ابْتُدِئَتِ الْغَايَةُ، كَذَا قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=16076سِيبَوَيْهِ ، وَفِيهَا لُغَاتٌ. يُقَالُ: "لَدْنٌ" و"لُدْنٌ" بِسُكُونِ الدَّالِ، وَقُرِئَ بِهِمَا "مِنْ لَدُنْ"، وَيُقَالُ: "لَدُ" بِفَتْحِ اللَّامِ وَضَمِّ الدَّالِ دُونَ نُونٍ، وَيُقَالُ: "لَدًى" ، بِدَالٍ مُنَوَّنَةٍ مَقْصُورَةٍ. وَيُقَالُ: "لَدٍ" بِدَالٍ مَكْسُورَةٍ مُنَوَّنَةٍ، حَكَى ذَلِكَ
nindex.php?page=showalam&ids=12078أَبُو عُبَيْدَةَ .
وَ"حَكِيمٍ" أَيْ: مُحْكِمٌ، وَ"خَبِيرٍ" أَيْ: ذُو خِبْرَةٍ بِالْأُمُورِ أَجْمَعَ.
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=2أَلا تَعْبُدُوا ، "أَنْ" فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ، إِمَّا عَلَى إِضْمَارِ فِعْلٍ، وَإِمَّا عَلَى تَقْدِيرِ "بِأَنْ" وَإِسْقَاطِ الْخَافِضِ، وَقِيلَ: عَلَى الْبَدَلِ مِنْ مَوْضِعِ "الْآيَاتِ"، وَهَذَا مُعْتَرَضٌ ضَعِيفٌ لِأَنَّهُ لَا مَوْضِعَ لِلْآيَاتِ، وَإِنْ نُظِرَ مَوْضِعُ الْجُمْلَةِ فَهُوَ رَفْعٌ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ فِي مَوْضِعِ رَفْعٍ عَلَى تَقْدِيرِ: "تَفْصِيلُهُ أَلَّا تَعْبُدُوا"، وَقِيلَ: عَلَى الْبَدَلِ مِنْ لَفْظِ "الْآيَاتِ".
وَقَوْلُهُ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=2إِنَّنِي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ أَيْ: مِنْ عِقَابِهِ وَبِثَوَابِهِ، وَإِذَا أُطْلِقَتْ هَاتَانِ اللَّفْظَتَانِ فَالنِّذَارَةُ فِي الْمَكْرُوهِ وَالْبِشَارَةُ فِي الْمَحْبُوبِ، وَقُدِّمَ "النَّذِيرُ" لِأَنَّ التَّحْذِيرَ مِنَ النَّارِ هُوَ الْأَهَمُّ، وَ"أَنْ" مَعْطُوفَةٌ عَلَى الَّتِي قَبْلَهَا. وَمَعْنَى الْآيَةِ: اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ، أَيِ:اطْلُبُوا مَغْفِرَتَهُ لَكُمْ وَذَلِكَ بِطَلَبِ دُخُولِكُمْ فِي الْإِسْلَامِ، ثُمَّ تُوبُوا مِنَ الْكُفْرِ، أَيِ:انْسَلَخُوا مِنْهُ وَانْدَمُوا عَلَى سَالِفِهِ. وَ"ثُمَّ" مُرَتِّبَةٌ لِأَنَّ الْكَافِرَ أَوَّلَ مَا يُنِيبُ فَإِنَّهُ فِي طَلَبِ مَغْفِرَةِ رَبِّهِ، فَإِذَا تَابَ وَتَجَرَّدَ مِنَ الْكُفْرِ تَمَّ إِيمَانُهُ. وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ "يُمَتِّعْكُمْ" بِشَدِّ التَّاءِ، وَقَرَأَ
ابْنُ مُحَيْصِنٍ: "يُمْتِعْكُمْ" بِسُكُونِ الْمِيمِ وَتَخْفِيفِ التَّاءِ، وَفِي كِتَابِ
أَبِي حَاتِمٍ : "إِنَّ هَذِهِ الْقِرَاءَاتِ بِالنُّونِ" ، وَفِي هَذَا نَظَرٌ. وَ"مَتَاعًا" مَصْدَرٌ جَارٍ عَلَى غَيْرِ الْفِعْلِ الْمُتَقَدِّمِ مَثَّلَ:
nindex.php?page=tafseer&surano=71&ayano=17وَاللَّهُ أَنْبَتَكُمْ مِنَ الأَرْضِ نَبَاتًا . وَقِيلَ: نُصِبَ بِتَعَدِّي "يُمَتِّعْكُمْ" لِأَنَّكَ تَقُولُ: مَتَّعْتُ زَيْدًا ثَوْبًا. وَوَصْفُ الْمَتَاعِ بِالْحُسْنِ إِنَّمَا هُوَ لِطِيبِ عَيْشِ الْمُؤْمِنِ بِرَجَائِهِ فِي اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَفِي ثَوَابِهِ، وَفَرَحِهِ بِالتَّقَرُّبِ إِلَيْهِ بِمُفْتَرِضَاتِهِ، وَالسُّرُورِ بِمَوَاعِيدِهِ، وَالْكَافِرُ لَيْسَ فِي شَيْءٍ مِنْ هَذَا. وَأَمَّا مَنْ قَالَ بِأَنَّ الْمَتَاعَ الْحَسَنَ هُوَ فَوَائِدُ الدُّنْيَا وَزِينَتُهَا، فَيَضْعُفُ بِأَنَّ الْكَفَرَةَ يَتَشَارَكُونَ فِي ذَلِكَ أَعْظَمَ مُشَارَكَةٍ. وَالْأَجَلُ الْمُسَمَّى هُوَ أَجَلُ الْمَوْتِ، مَعْنَاهُ: إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْكُمْ، وَهَذَا ظَاهِرُ الْآيَةِ، وَالْأَجَلُ الْكَبِيرُ - عَلَى هَذَا- هُوَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ. وَتَحْتَمِلُ الْآيَةُ أَنْ يَكُونَ التَّوَعُّدُ بِتَعْجِيلِ الْعَذَابِ إِنْ كَفَرُوا، وَالْوَعْدِ بِتَمْتِيعِهِمْ إِنْ آمَنُوا، فَتُشْبِهُ مَا قَالَهُ نُوحٌ عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَالْيَوْمُ الْكَبِيرُ -عَلَى هَذَا- كَيَوْمِ
بَدْرٍ وَنَحْوِهِ، وَالْمَجْهَلَةُ -فِي أَيِّ الْأَمْرَيْنِ يَكُونُ- إِنَّمَا هِيَ بِحَسَبِ الْبَشَرِ، وَالْأَمْرُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى مَعْلُومٌ مُحَصَّلٌ، وَالْأَجَلُ وَاحِدٌ.
وَقَوْلُهُ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=3وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ أَيْ كُلَّ ذِي إِحْسَانٍ بِقَوْلِهِ أَوْ بِفِعْلِهِ أَوْ بِقُوَّتِهِ أَوْ بِمَالِهِ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يُمْكِنُ أَنْ يَتَقَرَّبَ بِهِ، وَ"فَضْلَهُ" يُحْتَمَلُ أَنْ يَعُودَ الضَّمِيرُ فِيهِ عَلَى "ذِي" أَيْ: ثَوَابَ فَضْلِهِ وَجَزَاءَهُ. وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَعُودَ الضَّمِيرُ فِيهِ عَلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، أَيْ: يُؤْتِي اللَّهُ فَضْلَهُ كُلَّ ذِي فَضْلٍ وَعَمَلٍ صَالِحٍ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ، وَنَحْوُ هَذَا الْمَعْنَى مَا وَعَدَ بِهِ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى مِنْ تَضْعِيفِ الْحَسَنَةِ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا، وَمِنَ التَّضْعِيفِ غَيْرُ مَحْصُورٍ لِمَنْ شَاءَ. وَهَذَا التَّأْوِيلُ تَأَوَّلَهُ
nindex.php?page=showalam&ids=10ابْنُ مَسْعُودٍ وَقَالَ: "وَيْلٌ لِمَنْ غَلَبَتْ
[ ص: 539 ] آحَادُهُ عَشَرَاتِهِ". وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ قَوْلُ
nindex.php?page=showalam&ids=10ابْنِ مَسْعُودٍ مُوَافِقًا لِلْمَعْنَى الْأَوَّلِ.
وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ: "وَإِنْ تَوَلَّوْا" بِفَتْحِ التَّاءِ وَاللَّامِ، فَبَعْضُهُمْ قَالَ: مَعْنَاهُ: الْغَيْبَةُ، أَيْ: فَقُلْ لَهُمْ: إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: مَعْنَاهُ: "فَإِنْ تَتَوَلَّوْا" فَحُذِفَتِ التَّاءُ، وَالْآيَةُ كُلُّهَا عَلَى مُخَاطَبَةِ الْحَاضِرِ، وَقَرَأَ
الْيَمَانِيُّ، nindex.php?page=showalam&ids=16748وَعِيسَى بْنُ عُمَرَ : "وَإِنْ تُوَلُّوا" بِضَمِّ التَّاءِ وَاللَّامِ وَفَتْحِ الْوَاوِ.
وَقَوْلُهُ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=3فَإِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ كَبِيرٍ تَوَعُّدٌ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ يَوْمًا مِنَ الدُّنْيَا كَبَدْرٍ وَغَيْرِهِ.
وَقَوْلُهُ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=4إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ تَوَعُّدٌ، وَهُوَ يُؤَيِّدُ أَنَّ الْيَوْمَ الْكَبِيرَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ لِأَنَّهُ تَوَعَّدَ بِهِ، ثُمَّ ذَكَرَ الطَّرِيقَ إِلَيْهِ مِنَ الرُّجُوعِ إِلَى اللَّهِ. وَالْمَعْنَى: إِلَى عِقَابِهِ وَجَزَائِهِ رُجُوعُكُمْ، وَهُوَ الْقَادِرُ الَّذِي لَا يَضُرُّهُ شَيْءٌ، وَلَا يُجِيرُ عَلَيْهِ مُجِيرٌ، وَلَا تَنْفَعُ مِنْ قَضَائِهِ وَاقِيَةٌ. وَقَوْلُهُ:
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=4عَلَى كُلِّ شَيْءٍ عُمُومٌ يُرَادُ بِهِ الْخُصُوصُ، دُونَ مَا لَا يُوصَفُ اللَّهُ بِالْقُدْرَةِ عَلَيْهِ مِنَ الْمُحَاوَلَاتِ وَغَيْرِهَا الَّتِي هِيَ الْأَشْيَاءُ. وَالشَّيْءُ فِي اللُّغَةِ: الْمَوْجُودُ، وَمَا يَتَحَقَّقُ أَنَّهُ يُوجَدُ كَزَلْزَلَةِ السَّاعَةِ وَغَيْرِهَا.