الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
الثامنة : إن قال قائل : لم جمع الأبصار ووحد السمع ؟ قيل له : إنما وحده لأنه مصدر يقع للقليل والكثير ، يقال : سمعت الشيء أسمعه سمعا وسماعا ، فالسمع مصدر سمعت ، والسمع أيضا اسم للجارحة المسموع بها سميت بالمصدر . وقيل : إنه لما أضاف السمع إلى الجماعة دل على أنه يراد به أسماع الجماعة ، كما قال الشاعر :


بها جيف الحسرى فأما عظامها فبيض وأما جلدها فصليب



إنما يريد جلودها فوحد ; لأنه قد علم أنه لا يكون للجماعة جلد واحد .

وقال آخر في مثله :


لا تنكر القتل وقد سبينا     في حلقكم عظم وقد شجينا



يريد في حلوقكم ، ومثله قول الآخر :


كأنه وجه تركيين قد غضبا     مستهدف لطعان غير تذبيب



وإنما يريد وجهين ، فقال وجه تركيين ; لأنه قد علم أنه لا يكون للاثنين وجه واحد ، ومثله كثير جدا . وقرئ : ( وعلى أسماعهم ) ويحتمل أن يكون المعنى وعلى مواضع [ ص: 186 ] سمعهم ; لأن السمع لا يختم وإنما يختم موضع السمع ، فحذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه . وقد يكون السمع بمعنى الاستماع ، يقال : سمعك حديثي - أي استماعك إلى حديثي - يعجبني ، ومنه قول ذي الرمة يصف ثورا تسمع إلى صوت صائد وكلاب :


وقد توجس ركزا مقفر ندس     بنبأة الصوت ما في سمعه كذب



أي ما في استماعه كذب ، أي هو صادق الاستماع . والندس : الحاذق . والنبأة : الصوت الخفي ، وكذلك الركز . والسمع ( بكسر السين وإسكان الميم ) : ذكر الإنسان بالجميل ، يقال : ذهب سمعه في الناس أي ذكره . والسمع أيضا : ولد الذئب من الضبع . والوقف هنا : وعلى سمعهم . و ( غشاوة ) رفع على الابتداء وما قبله خبر . والضمائر في ( قلوبهم ) وما عطف عليه لمن سبق في علم الله أنه لا يؤمن من كفار قريش ، وقيل من المنافقين ، وقيل من اليهود ، وقيل من الجميع ، وهو أصوب ; لأنه يعم . فالختم على القلوب والأسماع . والغشاوة على الأبصار . والغشاء : الغطاء . وهي :

التالي السابق


الخدمات العلمية