الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                      صفحة جزء
                                                                                      وكيع : عن الأعمش ، عن سليمان بن ميسرة ، والمغيرة بن شبل ، عن طارق بن شهاب ، عن سلمان قال : إذا كان الليل ، كان الناس منه على ثلاث [ ص: 550 ] منازل : فمنهم من له ولا عليه ، ومنهم من عليه ولا له ، ومنهم من لا عليه ولا له . فقلت : وكيف ذاك ؟ قال : أما من له ولا عليه ، فرجل اغتنم غفلة الناس وظلمة الليل ، فتوضأ وصلى ، فذاك له ولا عليه ، ورجل اغتنم غفلة الناس ، وظلمة الليل ، فمشى في معاصي الله ، فذاك عليه ولا له ، ورجل نام حتى أصبح ، فذاك لا له ولا عليه .

                                                                                      قال طارق : فقلت : لأصحبن هذا . فضرب على الناس بعث ، فخرج فيهم ، فصحبته وكنت لا أفضله في عمل ، إن أنا عجنت خبز وإن خبزت طبخ ، فنزلنا منزلا فبتنا فيه ، وكانت لطارق ساعة من الليل يقومها ، فكنت أتيقظ لها فأجده نائما ، فأقول : صاحب رسول الله خير مني نائم ، فأنام ثم أقوم فأجده نائما فأنام ، إلا أنه كان إذا تعار من الليل قال وهو مضطجع : سبحان الله ، والحمد لله ، ولا إله إلا الله ، والله أكبر ، لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، له الملك وله الحمد ، وهو على كل شيء قدير . حتى إذا كان قبيل الصبح قام فتوضأ ثم ركع أربع ركعات . فلما صلينا الفجر قلت : يا أبا عبد الله ، كانت لي ساعة من الليل أقومها وكنت أتيقظ لها فأجدك نائما ، قال : يا ابن أخي ، فأيش كنت تسمعني أقول ؟ فأخبرته ، فقال : يا ابن أخي تلك الصلاة ، إن الصلوات الخمس كفارات لما بينهن ، ما اجتنبت المقتلة ، يا ابن أخي عليك بالقصد ; فإنه أبلغ .

                                                                                      شعبة : عن عمرو بن مرة ، سمعت أبا البختري يحدث أن سلمان دعا رجلا إلى طعامه . قال : فجاء مسكين فأخذ الرجل كسرة فناوله ، فقال سلمان : [ ص: 551 ] ضعها ، فإنما دعوناك لتأكل فما رغبتك أن يكون الأجر لغيرك والوزر عليك .

                                                                                      سليمان بن قرم : عن الأعمش ، عن أبي وائل قال : ذهبت أنا وصاحب لي إلى سلمان ، فقال : لولا أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نهانا عن التكلف ، لتكلفت لكم . فجاءنا بخبز وملح ، فقال صاحبي : لو كان في ملحنا صعتر . فبعث سلمان بمطهرته ، فرهنها فجاء بصعتر ، فلما أكلنا ، قال صاحبي : الحمد لله الذي قنعنا بما رزقنا ، فقال سلمان : لو قنعت لم تكن مطهرتي مرهونة .

                                                                                      الأعمش : عن عبيد بن أبي الجعد ، عن رجل أشجعي قال : سمعوا بالمدائن أن سلمان بالمسجد ، فأتوه يثوبون إليه حتى اجتمع نحو من ألف ، فقام ، فافتتح سورة يوسف ، فجعلوا يتصدعون ويذهبون ، حتى بقي نحو مائة ، فغضب ، وقال : الزخرف يريدون ؟ آية من سورة كذا ، وآية من سورة كذا .

                                                                                      وروى حبيب بن أبي ثابت : عن نافع بن جبير أن سلمان التمس مكانا يصلي فيه ، فقالت له علجة : التمس قلبا طاهرا ، وصل حيث شئت . فقال : فقهت .

                                                                                      سليمان التيمي : عن أبي عثمان ، عن سلمان قال : كانت امرأة فرعون تعذب ، فإذا انصرفوا ، أظلتها الملائكة بأجنحتها ، وترى بيتها في الجنة وهي [ ص: 552 ] تعذب ، قال : وجوع لإبراهيم أسدان ثم أرسلا عليه ، فجعلا يلحسانه ، ويسجدان له .

                                                                                      معتمر بن سليمان : عن أبيه ، عن أبي عثمان النهدي أن سلمان كان لا يفقه كلامه من شدة عجمته ، قال : وكان يسمي الخشب خشبان .

                                                                                      تفرد به الثقة يعقوب الدورقي عنه .

                                                                                      وأنكره أبو محمد بن قتيبة - أعني عجمته - ولم يصنع شيئا ، فقال : له كلام يضارع كلام فصحاء العرب .

                                                                                      قلت : وجود الفصاحة لا ينافي وجود العجمة في النطق ، كما أن وجود فصاحة النطق من كثير العلماء غير محصل للإعراب .

                                                                                      قال : وأما خشبان فجمع الجمع ، أو هو خشب زيد فيه الألف والنون كسود وسودان .

                                                                                      التالي السابق


                                                                                      الخدمات العلمية