الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                      صفحة جزء
                                                                                      شأن الإفك :

                                                                                      كان في غزوة المريسيع سنة خمس من الهجرة ، وعمرها رضي الله عنها - يومئذ اثنتا عشرة سنة .

                                                                                      فروى حماد بن زيد ، عن معمر ، والنعمان بن راشد ، عن الزهري ، عن عروة ، عن عائشة : أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أراد سفرا أقرع بين نسائه ، فأقرع بيننا في غزوة المريسيع ، فخرج سهمي ، فهلك في من هلك .

                                                                                      وكذلك ذكر ابن إسحاق والواقدي وغير واحد : أن الإفك كان في غزوة المريسيع .

                                                                                      يونس ، عن ابن شهاب : أخبرني عروة ، وابن المسيب ، وعلقمة بن وقاص ، وعبيد الله بن عبد الله ، عن حديث عائشة حين قال لها أهل الإفك ما قالوا ، فبرأها الله تعالى . وكل حدثني بطائفة من حديثها ، وبعض حديثهم يصدق بعضا ، وإن كان بعضهم أوعى له من بعض ، قالت : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أراد سفرا أقرع بين نسائه ، فأيتهن خرج سهمها خرج بها [ ص: 154 ] معه ، فأقرع بيننا في غزوة غزاها ، فخرج سهمي ، فخرجت معه بعدما نزل الحجاب ، وأنا أحمل في هودج وأنزل فيه ، فسرنا ، حتى إذا فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من غزوته تلك ، وقفل ودنونا من المدينة ، آذن ليلة بالرحيل ، فقمت حينئذ فمشيت حتى جاوزت الجيش .

                                                                                      فلما قضيت حاجتي ، أقبلت إلى رحلي ، فإذا عقد لي من جزع ظفار قد انقطع ، فالتمسته ، وحبسني التماسه ، وأقبل الرهط الذين كانوا يرحلون بي فاحتملوا هودجي ، فرحلوه على بعيري ، وهم يحسبون أني فيه - وكان النساء إذ ذاك خفافا لم يثقلهن اللحم إنما يأكلن العلقة من الطعام - فلم يستنكروا خفة المحمل حين رفعوه ، وكنت جارية حديثة السن ، فبعثوا الجمل وساروا ، فوجدت عقدي بعد ما استمر الجيش ، فجئت منازلهم وليس بها داع ولا مجيب ، فأممت منزلي الذي كنت فيه ، وظننت أنهم سيفقدوني فيرجعون إلي ، فبينا أنا جالسة غلبتني عيني ، فنمت .

                                                                                      وكان صفوان بن المعطل السلمي ، ثم الذكواني ، من وراء الجيش ، فأدلج ، فأصبح عند منزلي ، فرأى سواد إنسان نائم ، فأتاني ، فعرفني حين [ ص: 155 ] رآني ، وكان يراني قبل الحجاب ، فاسترجع ، فاستيقظت باسترجاعه حين عرفت ، فخمرت وجهي بجلبابي ، والله ما كلمني كلمة ، ولا سمعت منه كلمة غير استرجاعه ، فأناخ راحلته ، فوطئ على يديها فركبتها ، فانطلق يقود بي الراحلة حتى أتينا الجيش بعدما نزلوا موغرين في نحر الظهيرة ، فهلك من هلك في ، وكان الذي تولى كبر الإفك عبد الله بن أبي بن سلول .

                                                                                      فقدمنا المدينة ، فاشتكيت شهرا ، والناس يفيضون في قول أهل الإفك ولا أشعر بشيء من ذلك ، ويريبني في وجعي أني لا أعرف من رسول الله صلى الله عليه وسلم اللطف الذي كنت أرى منه حين أشتكي ، إنما يدخل علي ، فيسلم ، ثم يقول : كيف تيكم ؟ ثم ينصرف فذلك الذي يريبني ولا أشعر بالشر ، حتى خرجت بعدما نقهت ، فخرجت مع أم مسطح قبل المناصع وهو متبرزنا ، وكنا لا نخرج إلا ليلا إلى ليل ، وذلك قبل أن تتخذ الكنف قريبا من بيوتنا ، وأمرنا أمر العرب الأول من التبرز قبل الغائط ، وكنا نتأذى بالكنف أن نتخذها عند بيوتنا ، فانطلقت أنا وأم مسطح بنت أبي رهم بن عبد مناف ، وأمها ابنة صخر بن عامر خالة أبي بكر الصديق ، وابنها مسطح بن أثاثة بن المطلب ، فأقبلت أنا وهي قبل بيتي ، قد فرغنا من شأننا ، فعثرت أم مسطح في مرطها ، [ ص: 156 ] فقالت : تعس مسطح ! فقلت لها : بئس ما قلت ! أتسبين رجلا شهد بدرا ؟ قالت : أي هنتاه أو لم تسمعي ما قال ؟ قلت : وما ذاك ؟ فأخبرتني الخبر ، فازددت مرضا على مرضي .

                                                                                      فلما رجعت إلى بيتي ، ودخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم فسلم ثم قال : كيف تيكم ؟ فقلت : أتأذن لي أن آتي أبوي ؟ وأنا حينئذ أريد أن أستيقن الخبر من قبلهما ، فأذن لي ، فجئت أبوي ، فقلت : يا أمتاه ، ما يتحدث الناس ؟ قالت : يا بنية ، هوني عليك ، فوالله لقلما كانت امرأة وضيئة عند رجل يحبها لها ضرائر إلا كثرن عليها ، فقلت : سبحان الله ! وقد تحدث الناس بهذا ؟ ! فبكيت الليلة حتى لا يرقأ لي دمع ولا أكتحل بنوم . ثم أصبحت أبكي ، فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب وأسامة بن زيد ، حين استلبث الوحي ، يستأمرهما في فراق أهله ، فأما أسامة ، فأشار على رسول الله بالذي يعلم من براءة أهله ، وبالذي يعلم لهم في نفسه من الود ، فقال : يا رسول الله ، أهلك ، ولا نعلم إلا خيرا . وأما علي فقال : لم يضيق الله عليك ، والنساء سواها كثير ، واسأل الجارية ، تصدقك ، فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بريرة فقال : أي بريرة ، هل رأيت من شيء يريبك ؟ قالت : لا والذي بعثك بالحق ، إن رأيت عليها أمرا أغمصه عليها أكثر من أنها جارية حديثة السن ، تنام عن عجين أهلها ، فيأتي الداجن ، فيأكله . [ ص: 157 ] فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فاستعذر من عبد الله بن أبي بن سلول ، فقال وهو على المنبر : يا معشر المسلمين ، من يعذرني من رجل قد بلغني أذاه في أهل بيتي ، فوالله ما علمت على أهلي إلا خيرا ، ولقد ذكروا رجلا ما علمت عليه إلا خيرا وما كان يدخل على أهلي إلا معي ، فقام سعد بن معاذ ، فقال : يا رسول الله ، أنا أعذرك منه ، إن كان من الأوس ، ضربت عنقه ، وإن كان من إخواننا من الخزرج ، أمرتنا ، ففعلنا أمرك ، فقام سعد بن عبادة - وهو سيد الخزرج ، وكان قبل ذلك رجلا صالحا ، ولكن احتملته الحمية - فقال لسعد : كذبت لعمر الله ! لا تقتله ، ولا تقدر على قتله ، فقام أسيد بن حضير - وهو ابن عم سعد بن معاذ - فقال : كذبت ! لعمر الله لنقتلنه ، فإنك منافق تجادل عن المنافقين ، فتثاور الحيان : الأوس والخزرج ، حتى هموا أن يقتتلوا ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم قائم على المنبر ، فلم يزل يخفضهم حتى سكتوا وسكت .

                                                                                      قالت : فبكيت يومي ذلك وليلتي ، لا يرقأ لي دمع ولا أكتحل بنوم ، فأصبح أبواي عندي ، وقد بكيت ليلتين ويوما لا أكتحل بنوم ، ولا يرقأ لي دمع ، حتى ظننت أن البكاء فالق كبدي ، فبينما هما جالسان عندي ، وأنا أبكي ، استأذنت علي امرأة من الأنصار ، فأذنت لها ، فجلست تبكي معي ، فبينما نحن على ذلك ، دخل علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فسلم ، ثم [ ص: 158 ] جلس ، ولم يجلس عندي منذ قيل لي ما قيل ، ولقد لبث شهرا لا يوحى إليه في شأني شيء . قالت : فتشهد ، ثم قال : أما بعد ، يا عائشة ، فإنه قد بلغني عنك كذا وكذا ، فإن كنت بريئة ، فسيبرئك الله ، وإن كنت ألممت بذنب ، فاستغفري الله ، وتوبي إليه ، فإن العبد إذا اعترف بذنبه ثم تاب ، تاب الله عليه ، فلما قضى مقالته ، قلص دمعي حتى ما أحس منه قطرة ، فقلت لأبي : أجب رسول الله فيما قال ، قال : والله ما أدري ما أقول لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقلت لأمي : أجيبي رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قالت : ما أدري ما أقول لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقلت وأنا يومئذ حديثة السن لا أقرأ كثيرا من القرآن : إني والله لقد علمت ، لقد سمعتم هذا الحديث حتى استقر في أنفسكم ، وصدقتم به ، فلئن قلت لكم : إني بريئة - والله يعلم أني بريئة - لا تصدقوني بذلك ، ولئن اعترفت لكم بأمر ، والله يعلم أني بريئة ، لتصدقني ، والله ما أجد لي ولكم مثلا إلا قول أبي يوسف : فصبر جميل والله المستعان على ما تصفون ثم تحولت ، فاضطجعت على فراشي ، وأنا أعلم أني بريئة ، وأن الله - تعالى - يبرئني ببراءتي ولكن والله ما ظننت أن الله ينزل في شأني وحيا يتلى ، ولشأني كان في نفسي أحقر من أن يتكلم الله في بأمر يتلي ، ولكن كنت أرجو أن يرى رسول الله صلى الله عليه وسلم في النوم رؤيا يبرئني الله بها . قالت : فوالله ما قام رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولا خرج أحد من أهل البيت ، [ ص: 159 ] حتى نزل عليه الوحي ؛ فأخذه ما كان يأخذه من البرحاء ، حتى إنه ليتحدر منه مثل الجمان من العرق ، وهو في يوم شات ، من ثقل القول الذي ينزل عليه ، فلما سري عنه وهو يضحك ، كان أول كلمة تكلم بها : يا عائشة ، أما والله لقد برأك الله ، فقالت أمي : قومي إليه ، فقلت : والله لا أقوم إليه ، ولا أحمد إلا الله . وأنزل الله تعالى : إن الذين جاءوا بالإفك عصبة منكم العشر الآيات كلها .

                                                                                      فلما أنزل الله هذا في براءتي ، قال أبو بكر - وكان ينفق على مسطح لقرابته وفقره - : والله لا أنفق على مسطح شيئا أبدا بعد الذي قال لعائشة ، فأنزلت : ولا يأتل أولو الفضل منكم والسعة أن يؤتوا أولي القربى والمساكين والمهاجرين في سبيل الله وليعفوا وليصفحوا ألا تحبون أن يغفر الله لكم قال : بلى والله ، إني لأحب أن يغفر الله لي ، فرجع إلى مسطح النفقة التي كان ينفق عليه ، وقال : والله لا أنزعها منه أبدا . قالت : وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسأل زينب بنت جحش عن أمري ، فقالت : أحمي سمعي وبصري ، ما علمت إلا خيرا ، وهي التي كانت تساميني من أزواج النبي صلى الله عليه وسلم ، فعصمها الله بالورع ، وطفقت أختها حمنة تحارب لها فهلكت فيمن هلك من أصحاب الإفك
                                                                                      [ ص: 160 ] وهذا الحديث له طرق عن الزهري . ورواه هشام بن عروة ، عن أبيه .

                                                                                      قال أبو معشر السندي حدثني أفلح بن عبد الله بن المغيرة ، عن الزهري ، قال : كنت عند الوليد بن عبد الملك ، فذكر حديث الإفك بطوله ، وفيه : أن ذاك في غزوة بني المصطلق وأن سهمها وسهم أم سلمة خرج .

                                                                                      وروى معمر ، عن الزهري ، قال : كنت عند الوليد فقال : الذي تولى كبره علي . فقلت : لا . حدثني سعيد وعروة وعلقمة وعبيد الله ، كلهم سمع عائشة تقول : إن الذي تولى كبره عبد الله بن أبي ، فقال لي : فما كان جرمه ؟ قلت : سبحان الله ! حدثني من قومك أبو سلمة ، وأبو بكر بن عبد الرحمن ، أنهما سمعا عائشة تقول : كان مسيئا في أمري .

                                                                                      يونس بن بكير ، عن محمد بن إسحاق : حدثني عبد الله بن أبي بكر بن حزم ، عن عمرة ، عن عائشة قالت : لما تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم القصة التي نزل [ ص: 161 ] بها عذري على الناس ، نزل فأمر برجلين وامرأة ، ممن كان تكلم بالفاحشة في عائشة ، فجلدوا الحد .

                                                                                      قال : وكان رماها ابن أبي ، ومسطح ، وحسان ، وحمنة .

                                                                                      الأعمش ، عن أبي الضحى ، عن مسروق ، قال : دخل حسان بن ثابت على عائشة يشبب بأبيات له فيها ، فقال :

                                                                                      حصان رزان ما تزن بريبة وتصبح غرثى من لحوم الغوافل

                                                                                      قالت : لست كذاك ، فقلت : تدعين مثل هذا يدخل عليك ، وقد أنزل الله تعالى : والذي تولى كبره منهم له عذاب عظيم قالت : وأي عذاب أشد من العمى ؟ ثم قالت : كان يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم . [ ص: 162 ] .

                                                                                      ابن إسحاق : حدثني محمد بن إبراهيم التيمي ، قال : كان صفوان بن المعطل قد كثر عليه حسان في شأن عائشة ، وقال يعرض به :

                                                                                      أمسى الجلابيب قد عزوا ، وقد كثروا     وابن الفريعة أمسى بيضة البلد



                                                                                      فاعترضه صفوان ليلة وهو آت من عند أخواله بني ساعدة ، فضربه بالسيف على رأسه ، فاستعدوا عليه ثابت بن قيس ، فجمع يديه إلى عنقه بحبل ، وقاده إلى دار بني حارثة ، فلقيه ابن رواحة ، فقال : ما هذا ؟ فقال : ما أعجبك إنه عدا على حسان بالسيف ، فوالله ما أراه إلا قد قتله ، فقال : هل علم رسول الله صلى الله عليه وسلم بما صنعت به ؟ فقال : لا ، فقال : والله لقد اجترأت ، خل سبيله ، فسنغدوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فنعلمه أمره ، فخلى سبيله ، فلما أصبحوا ، غدوا على النبي صلى الله عليه وسلم ، فذكروا له ذلك ، فقال : أين ابن المعطل ؟ فقام إليه ، فقال : ها أنا ذا يا رسول الله ، فقال : ما دعاك إلى ما صنعت ؟ قال : آذاني يا رسول الله ، وكثر علي ، ولم يرض حتى عرض بي في الهجاء ، فاحتملني الغضب ، وها أنا ذا ، فما كان علي من حق ، فخذني به ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ادعوا لي حسان بن ثابت ، فأتي به ، فقال : يا [ ص: 163 ] حسان . أتشوهت على قومي أن هداهم الله للإسلام - يقول : تنفست عليهم - يا حسان ، أحسن فيما أصابك . قال : هي لك يا رسول الله ، فأعطاه النبي صلى الله عليه وسلم سيرين القبطية ، فولدت له عبد الرحمن ، وأعطاه أرضا كانت لأبي طلحة تصدق بها أبو طلحة على رسول الله صلى الله عليه وسلم .

                                                                                      قال ابن إسحاق ؛ وقال حسان في عائشة :

                                                                                      رأيتك - وليغفر لك الله - حرة     من المحصنات غير ذات غوائل


                                                                                      حصان رزان ما تزن بريبة     وتصبح غرثى من لحوم الغوافل


                                                                                      وإن الذي قد قيل ليس بلائق بك الدهر     بل قيل امرئ متماحل


                                                                                      فإن كنت أهجوكم كما بلغوكم     فلا رفعت سوطي إلي أناملي


                                                                                      وكيف وودي ما حييت ونصرتي     لآل رسول الله زين المحافل


                                                                                      وإن لهم عزا يرى الناس دونه قصارا     وطال العز كل التطاول


                                                                                      عقيلة حي من لؤي بن غالب     كرام المساعي مجدهم غير زائل


                                                                                      مهذبة قد طيب الله خيمها     وطهرها من كل سوء وباطل


                                                                                      ابن أبي أويس : حدثني أخي ، عن سليمان بن بلال ، عن هشام بن عروة ، عن أبيه ، عن عائشة ، قالت : قلت : يا رسول الله ، أرأيت لو أنك [ ص: 164 ] نزلت واديا فيه شجرة قد أكل منها ، ووجدت شجرة لم يؤكل منها ، فأيهما كنت ترتع بعيرك ؟ قال : الشجرة التي لم يؤكل منها . قالت : فأنا هي . تعني : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يتزوج بكرا غيرها .

                                                                                      سفيان بن عيينة : عن أبي سعد ، عن عبد الرحمن بن الأسود ، عن . أبيه ، قال : قالت عائشة رضي الله عنها - : ما تزوجني النبي صلى الله عليه وسلم حتى أتاه جبريل بصورتي ، وقال : هذه زوجتك ، فتزوجني ، وإني لجارية علي حوف ، ولما تزوجني ، وقع علي الحياء وإني لصغيرة .

                                                                                      تفرد به أبو سعد ، وهو سعيد بن المرزبان البقال ، لين الحديث ، والحوف : شيء يشد في وسط الصبي من سيور .

                                                                                      يحيى بن يمان ، عن الثوري ، عن إسماعيل بن أمية ، عن عبد الله بن عروة ، عن أبيه ، عن عائشة ، قالت : تزوجني رسول الله صلى الله عليه وسلم في شوال ، وأعرس بي في شوال ، فأي نسائه كان أحظى عنده مني .

                                                                                      وكانت العرب تستحب لنسائها أن يدخلن على أزواجهن في شوال . [ ص: 165 ]

                                                                                      وقالت عائشة : ما غرت على امرأة ما غرت على خديجة من كثرة ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكرها .

                                                                                      قلت : وهذا من أعجب شيء أن تغار رضي الله عنها - من امرأة عجوز توفيت قبل تزوج النبي صلى الله عليه وسلم بعائشة بمديدة ، ثم يحميها الله من الغيرة من عدة نسوة يشاركنها في النبي صلى الله عليه وسلم ، فهذا من ألطاف الله بها وبالنبي صلى الله عليه وسلم ، لئلا يتكدر عيشهما . ولعله إنما خفف أمر الغيرة عليها حب النبي صلى الله عليه وسلم لها وميله إليها ، فرضي الله عنها وأرضاها . معمر ، عن الزهري ، عن عروة ، عن عائشة : دخلت امرأة سوداء على النبي صلى الله عليه وسلم ، فأقبل عليها . قالت : فقلت : يا رسول الله ، أقبلت على هذه السوداء هذا الإقبال ! فقال : إنها كانت تدخل على خديجة ، وإن حسن العهد من الإيمان . [ ص: 166 ]

                                                                                      التالي السابق


                                                                                      الخدمات العلمية