الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

الآداب الشرعية والمنح المرعية

ابن مفلح - محمد بن مفلح بن محمد المقدسي

صفحة جزء
وروى أبو بكر بن أبي شيبة بإسناده عن عائشة أنها كانت لا تري بأسا أن تعوذ في الماء ، ثم يصب على المريض .

وروى أبو محمد الخلال بإسناده عن [ ص: 106 ] عن جابر قال { : مرض الحسن بن علي فعاده النبي صلى الله عليه وسلم فأصابه موعوكا فانكب عليه يقبله ويبكي فهبط جبريل فقال : هذه هدية من الله لك ولأهل بيتك . فأمر عبد الله بن رواحة أن يكتب فدعا بجام وعسل نحل فقال : اكتب بسم الله الرحمن الرحيم { لو أنزلنا هذا القرآن على جبل } إلى آخر السورة { وإنه لكتاب عزيز لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه } . ثم دعا بماء مطر فغسله وسقاه فبرئ من ساعته فقال النبي صلى الله عليه وسلم : معاشر أمتي هذه هدية الله فتداووا بها } وبإسناده أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأبي موسى أن { يكتب لابنته من الحمى بسم الله الرحمن الرحيم ، ثم الحمد لله ، ثم بسم الله الرحمن الرحيم ، ثم قل هو الله أحد ، ثم بسم الله الرحمن الرحيم ، ثم سورة الفلق ، ثم بسم الله الرحمن الرحيم ، ثم سورة الناس ، ثم بسم الله الرحمن الرحيم ، ثم قل هو الله أحد ، ثم بسم الله الرحمن الرحيم ، ثم قل أعوذ برب الناس ، ثم بسم الله الرحمن الرحيم ، ثم الحمد ، ثم بسم الله الرحمن الرحيم ، ثم قل أعوذ برب الفلق ، ثم بسم الله الرحمن الرحيم ، ثم قل هو الله أحد ، ثم بسم الله الرحمن الرحيم ، ثم الحمد لله رب العالمين ، ثم يكتب بعد هذا بسم الله الرحمن الرحيم عشرين مرة ، ثم يغسله ويسقيه المريض على الريق فإن عادت فعاودها الثانية فإنها لا تعود الثالثة أبدا } وقوله ، " ثم الحمد لله ، ثم الحمد ، ثم الحمد لله رب العالمين " أي الفاتحة والله أعلم . [ ص: 107 ]

وعن ابن عباس قال { : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمنا من الحمى ، والأوجاع بسم الله الكبير أعوذ بالله العظيم من شر كل عرق نعار ومن شر حر النار } رواه أحمد ، والترمذي وابن ماجه قال : كان يعلمهم رقى الحمى ومن الأوجاع كلها ، وذكره قال الترمذي : غريب لا نعرفه إلا من حديث إبراهيم بن إسماعيل بن أبي حبيبة وهو ضعيف وضعفه أيضا غيره ووثقه أحمد وقال أبو حاتم : ليس بقوي . نعر العرق إذا امتلأ من الدم حتى علا وخرج نعورة ونعورا إذا ضري دمه عند خروجه .

وعن عائشة قالت : { كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا اشتكى الإنسان الشيء منه أو كانت به قرحة أو وجع قال بإصبعه هكذا ووضع سفيان سبابته بالأرض ، ثم رفعها وقال بسم الله تربة أرضنا بريقة بعضنا يشفى سقيمنا بإذن ربنا } رواه أحمد ، والبخاري ومسلم ولابن ماجه في أوله كان مما يقوله للمريض ببزاقه بإصبعه وذكره . ولأبي داود كان يقول للإنسان إذا اشتكى نفث بريقه ، ثم قال به في التراب " تربة أرضنا " وذكره ، والمراد جميع الأرض وقيل أرض المدينة لبركتها ، والريقة أقل من الريق .

وهذا علاج مركب سهل فإن القروح ، والجراح يتبعها غالبا سوء مزاج ورطوبة رديئة وسيلان ، والتراب الخالص طبيعته باردة يابسة فوق برد كل دواء بارد مفرد فتقابل برودته تلك الحرارة ويبسه تلك الرطوبة ويعدل مزاج العضو العليل فتقوى قوته المدبرة فتدفع ألمه بإذن الله وينضم مع ذلك . هذا الكلام المتضمن لبركة اسم الله ، والتوكل عليه وتفويض الأمر إليه .

ولبعض التراب خاصية كغيره من المخلوقات ولهذا قال جالينوس : رأيت بالإسكندرية مطحولين ومستسقين كثيرا يستعملون طين مصر ويطلون به على سوقهم وأفخاذهم وسواعدهم وظهورهم وأضلاعهم فينتفعون به منفعة بينة قال : وعلى هذا النحو فقد ينفع هذا الطلاء للأورام العفنة والمترهلة ، والرخوة قال : وإني لأعرف قوما ترهلت أبدانهم كلها من كثرة استفراغ الدم من سفل انتفعوا بهذا الطين نفعا بينا ، وقوما آخرين شفوا به أوجاعا مزمنة [ ص: 108 ] كانت متمكنة في بعض الأعضاء تمكينا شديدا فبرئت وذهبت أصلا .

وقال المسيحي : قوة الطين المجلوب من كبرس وهي جزيرة المصطكى قوة تجلو وتغسل وتنبت اللحم في القروح وتختم القروح فما ظنك بتربة خير الأرض خالطت ريق رسول الله صلى الله عليه وسلم مع الطب الإلهي منه .

وعن عائشة { أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعوذ بعض أهله . يمسح بيده اليمنى ويقول : اللهم رب الناس أذهب البأس اشف أنت الشافي لا شافي إلا أنت شفاء لا يغادر سقما } وفي لفظ { كان يرقي يقول : امسح البأس رب الناس بيدك الشفاء لا كاشف له إلا أنت } متفق عليهما . ولابن ماجه كان إذا أتى المريض دعا له وذكر معناه . وقال ثابت لأنس : اشتكيت . فقال : ألا أرقيك برقية رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ وذكر معناه رواه البخاري . وعن محمد بن حاطب قال : { وقعت القدر على يدي فأحرقت يدي فانطلق بي أبي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فكان يتفل عليها ويقول ثم ذكر معناه ، } وعن عبد الرحمن بن السائب أن ميمونة قالت له : يا ابن أخي ألا أرقيك برقية رسول الله قلت بلى . قالت : { بسم الله أرقيك والله يشفيك من كل داء فيك ، أذهب البأس رب الناس ، واشف أنت الشافي لا شافي إلا أنت } رواهما أحمد . ودخل عليه السلام على ثابت بن قيس بن شماس وهو مريض فقال : { اكشف البأس رب الناس عن ثابت ، ثم أخذ ترابا من بطحان فجعله في قدح ، ثم نفث عليه ، ثم صبه عليه } رواه أبو داود .

وروى أيضا هو ، والنسائي في اليوم ، والليلة من رواية زيادة بن محمد وهو ضعيف قال البخاري والنسائي : منكر الحديث عن أبي الدرداء مرفوعا { من اشتكى منكم شيئا أو اشتكى أخ له فليقل ربنا الله الذي في السماء تقدس اسمك أمرك في السماء ، والأرض كما رحمتك في السماء ، والأرض [ ص: 109 ] فاجعل رحمتك في الأرض ، واغفر لنا حوبنا وخطايانا ، أنت رب الطيبين فأنزل شفاء من شفائك ورحمة من رحمتك على هذا الوجع فيبرأ } .

التالي السابق


الخدمات العلمية