الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

تزكية النفس وذكر العمل الصالح لتحصيل مصلحة راجحة

السؤال

شخص أعرفه، يريد أن يعرف إذا تقدم لخطبة فتاة: كيف يتصرف إذا سألوه عن عبادته من النوافل، فهو لا يريد أن يخبرهم بها حتى لا يقع في الرياء، وأيضا لا يريد أن يكذب.
فبماذا تنصحوه؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فليس من التسميع المذموم، أو الرياء الممنوع، أن يخبر المتنفل بعبادته إذا سئل عن ذلك من أهل مخطوبته، إذا توفر شرطان:
1ـ ألا يريد بذلك ثناء الناس عليه، وإعجابهم به؛ فإن هذا من التسميع المحرم. كما بيناه في الفتوى رقم: 175559 .
2ـ أن يكون هناك مسوغ شرعي لذلك الإخبار ـ وهو كذلك ههنا ـ كأن يتوصل بذلك لتحصيل مصلحة راجحة كالنكاح المستحب، أو الولاية الشرعية كفعل يوسف عليه السلام، أو درء مفسدة كالقتل كما فعل عثمان رضي الله عنه مع الخوارج لما أرادوا قتله فذكرهم بتزكية النبيّ ـ صلى الله عليه وسلم ـ له في عدة مناسبات. وقد قال عليه الصلاة والسلام: إذا جاءكم من ترضون دينه، وخلقه، فزوجوه. رواه الترمذي بسند حسن.

فإذا سئل عن دينه ليعلم أنه مرضي، فأجاب توصلا إلى النكاح المستحب، فهذا من المسوغات الشرعية لذكر الطاعة.

وقد بوَّب العلامة ابن مفلح رحمه الله لهذه المسألة في كتابه: (الآداب الشرعية ) فقال: فَصْلٌ ( فِي تَزْكِيَةِ النَّفْسِ الْمَذْمُومَةِ وَمَدْحِهَا بِالْحَقِّ لِلْمَصْلَحَةِ أَوْ شُكْرِ النِّعْمَةِ ).

وذكر جملة من الأدلة, منها ما نقله عن الْقَاضِي أبي يَعْلَى رَحِمَهُ اللَّهُ من الاستدلال بقِصَّةِ يُوسُفَ عَلَيْهِ السَّلَامُ وقَوْلَهُ: قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ {يوسف:55}، }.

قال: وفِيهَا دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّهُ يَجُوزُ لِلْإِنْسَانِ أَنْ يَصِفَ نَفْسَهُ بِالْفَضْلِ عِنْدَ مَنْ لَا يَعْرِفُهُ، وَأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ الْمَحْظُورِ في قوله: { فَلَا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ }. اهـ.

ونقل عن ابن الجوزي قوله عَنْ قِصَّةِ يُوسُفَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: فَإِنْ قِيلَ كَيْفَ مَدَحَ نَفْسَهُ بِهَذَا الْقَوْلِ، وَمِنْ شَأْنِ الْأَنْبِيَاءِ، وَالصَّالِحِينَ التَّوَاضُعُ؟

فَالْجَوَابُ أَنَّهُ لَمَّا خَلَا مَدْحُهُ لِنَفْسِهِ مِنْ بَغْيٍ، وَتَكَبُّرٍ، وَكَانَ مُرَادُهُ بِهِ الْوُصُولَ إلَى حَقٍّ يُقِيمُهُ، وَعَدْلٍ يُحْيِيه، وَجَوْرٍ يُبْطِلُهُ، كَانَ ذَلِكَ جَمِيلًا جَائِزًا. اهـ إلى آخر ما ذكره رحمه الله...، ففيه الإرواء لمن رام المزيد.

على أن الأحوط ألا يلجأ الخاطب إلى ذكر صلاحه، ونوافل طاعته بنفسه، وإن توفر ذانك الشرطان، ما لم يتعين ذلك سبيلا لبلوغ المصلحة الشرعية؛ لضعف القلوب في هذا الزمن، ولشدة افتتانها بثناء المادحين، بل يحيل على من يعلم حاله. كما أن الصحيح من قولي أهل العلم أن التسميع بالعمل بعد انقضاء العمل، لا يحبطه، مع حرمته، كما قرر الإمام الغزالي، ونقلناه في الفتوى رقم: 178375 .
والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني