الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

حكم الحلف بالكذب لمنع حصول العداوة

السؤال

استحلفت ابنة أباها بالله أن يصدقها القول هل يحب أختها أكثر منها أم يحبها هي الأكثر؟ فهل يكون آثما إذا كذب عليها أم يكون ذلك من قبيل الكذب المباح؛ لئلا يتسبب بقوله الحقيقة في البغضاء والحقد بين أبنائه؟
وجزاكم الله خيرًا.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فلا إثم عليه إن كذب عليها بما يطيب خاطرها ولا يكسر خاطر الأخرى؛ فقد جاء في صحيح مسلم من حديث أم كلثوم بنت عقبة أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ليس الكذاب الذي يصلح بين الناس، فيقول خيرًا أو ينمي خيرًا. قالت: ولم أسمعه يرخص في شيء مما يقول الناس إنه كذب إلا في ثلاث: الإصلاح بين الناس، والحرب، وحديث الرجل امرأته والمرأة زوجها.

فهذا من الكذب لمنع حصول العداوة بين الأختين؛ أي: حتى لا يؤدي إلى وقوع شيء بينهما بسبب هذه الكلمة، فهو في معنى الإصلاح بين الناس، بمنع العداوة قبل وقوعها.

ولكن الأَولى: التورية، والتعريض دون الكذب الصريح، لا سيما إذا كان الأمر يمينًا؛ فإن الأصل منع اليمين الكاذبة، وانظر الفتويين: 100903، 270526، وتوابعهما.

ومع هذا؛ فمن أهل العلم من يجيز الكذب الصريح في هذه الحال؛ قال ابن علان في دليل الفالحين: فهذا الكذب جائز لعظم المصلحة المترتبة عليه على محظور الإخبار بخلاف الواقع. وكذا يجوز الكذب لتخليص محترم، بل يجب على من سئل عن محترم قصد سائله عن إهلاكه أن يخفيه ولو باليمين، وليس في الحديث ما يدل على الحصر. وقال قوم: لا يجوز ذلك إلا بطريق التورية. انتهى.
وجاء في عمدة القاري: قَالَ الطَّبَرِيّ: اخْتلف الْعلمَاء فِي هَذَا الْبَاب، فَقَالَت طَائِفَة: الْكَذِب المرخص فِيهِ فِي هَذِه هُوَ جَمِيع مَعَاني الْكَذِب، فَحَمله قوم على الْإِطْلَاق، وأجازوا قَول مَا لم يكن فِي ذَلِك لما فِيهِ من الْمصلحَة، فَإِن الْكَذِب المذموم إِنَّمَا هُوَ فِيمَا فِيهِ مضرَّة للْمُسلمين، وَاحْتَجُّوا بِمَا رَوَاهُ عبد الْملك بن ميسرَة عَن النزال بن سُبْرَة، قَالَ: كُنَّا عِنْد عُثْمَان وَعِنْده حُذَيْفَة، فَقَالَ لَهُ عُثْمَان: بَلغنِي عَنْك أَنَّك قلت كَذَا وَكَذَا، فَقَالَ حُذَيْفَة: وَالله مَا قلته، قَالَ: وَقد سمعناه قَالَ ذَلِك، فَلَمَّا خرج قُلْنَا لَهُ: أَلَيْسَ قد سمعناك تَقوله؟ قَالَ: بلَى، قُلْنَا: فَلِمَ حَلَفت؟ فَقَالَ: إِنِّي أستر ديني بعضه بِبَعْض مَخَافَة أَن يذهب كُله... انتهى. ثم اختار الطبري: التعريض، وحمل كلام حذيفة -رضي الله عنه- عليه، وهذا أحوط.
والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني