الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

كيفية استعادة الثقة بالنفس والتخلص من الشعور بالفشل

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أشعر بانعدام الثقة بنفسي، ودائماً أرى نفسي فاشلة، وأنظر لنفسي بنظرات سلبية، ولا أجد من يقدر ما أفعله أو يشجعني على عمل شيء، حيث تترسخ بداخلي العبارات السلبية التي توجه لي حتى لو كانت من طفل صغير.

ولا أجد أحداً حولي أتحدث معه وأخرج ما بداخلي، وهذا يسبب لي الشعور بالاختناق، ويطغى علي جو الكآبة والضيق معظم الوقت، وعلاقتي مع الله في تدنٍّ، أحمد الله أني أقوم بالفروض في أوقاتها، ولكني أشعر أني مقصرة وأن الفروض والنوافل وحدها لا تكفي، أود أن يكون دوري في الدين أكبر ولكن ليس بوسعي شيء أفعله.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ نور حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

فإنه ليسرنا أن نرحب بك في موقعك إسلام ويب، فأهلاً وسهلاً ومرحباً بك، وكم يسعدنا اتصالك بنا في أي وقت وفي أي موضوع، ونسأل الله جل جلاله بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يفرج كربتك، وأن يقضي حاجتك، وأن يجعل لك من لدنه وليّاً ونصيراً، كما نسأله تبارك وتعالى أن يرزقك الرضى بما قسم لك، وأن يعينك على استعادة الثقة في نفسك، وأن يجعلك من الصالحات القانتات العفيفات الفاضلات، وأن يرزقك رباطة جأش وقدرة على مواجهة التحديات والمشكلات، وأن يجعلك من المتميزات المتفوقات.

وبخصوص ما ورد برسالتك؛ فإن هذه الأمور مزعجة ومؤلمة، وتجعل الإنسان يزهد في الحياة، بل ويزهد في الإنجاز أو التقدم؛ لأنه يشعر أن النتيجة متساوية، فسواء أجهد نفسه أم لعب وضيع وقته فإن الأمر عند الناس سواء، لا يوجد هناك من يوجه كلمة طيبة أو عبارة رائقة مشجعة عند الإنجاز، كما أنه قد لا يُوجد إلا من يصوب السهام دائماً إلى النفس وإلى الإنسان.

ومع الأسف الشديد نحن نعاني من أزمة تربوية كبيرة في عالمنا العربي والإسلامي؛ إذ أن الأسر والبيوت حتى وإن كانت مثقفة دائماً عينها على السلبيات والنقص، أما الإيجابيات فقلما نجد من يمدحها ومن يُثني على صاحبها أو من يكافئه، ولذلك تموت كثير من الإيجابيات وانعدمت في حياتنا النماذج المتميزة العملاقة؛ لأن التربية السلبية التي يعاني منها المجتمع تؤدي إلى وأد كل إنجاز وكل تقدم وكل نبوغ أو تفوق، في حين أن الأسرة دائماً عينها على الشيء الذي كُسر وعينها على الدرجات التي انخفضت وعينها على الأموال التي أُنفقت، وليس عينها أبداً على الإنجاز الذي تم تحقيقه.

وهذا حال معظم البيوت مع الأسف الشديد، ولعل أسرتك إحدى هذه الأسر التي تمثل قدراً من الاعتداء المجتمعي عليها بصورة أو بأخرى، فهي ضحية أيضاً لتربية سلبية، ولذلك لم يجد أطرافها مَن يعينهم على تقدير الإيجابيات فأصبحوا أيضاً شأنهم شأن والديهم لا تقع عينهم إلا على السلبيات، أما الإيجابيات فإن قلتِ بأنك حصلت على درجات عالية يقولون هذا شيء طبيعي، المفروض منك أن تحصلي على أعلى من هذا، فهم لا يُثنون ولا يُشجعون على الإنجاز أو التفوق أو النبوغ، ولكن دائماً لو أن الإنسان أخفق أي إخفاق لوجهت إليه سهام الانتقاص ولجلد بالسياط، بل لعله قُطع بالسكاكين لأنه أحدث شيئاً لم يكن متوقعاً للأسرة أو لمن يتعامل معه، فهذا قاسم مشترك مع الأسف الشديد في معظم بلادنا العربية والإسلامية وفي معظم الأسر.

كذلك أيضاً فكرة أننا لا نجد من نتحدث معه، أيضاً هذه سلبية جديدة أصبحت موجودة في المجتمع الآن، الناس كلهم مشغولون، وأعداء الإسلام نجحوا في تحويل المجتمع إلى مجتمع لاهث وراء لقمة العيش، وإلى مجتمع لا يعرف الرضى بما قدر الله له من الأرزاق، ولذلك الكل يجد والكل يكد والكل يتعب والكل يعمل والكل يشقى ونحن لا نعرف لماذا هذا كله، حتى الأغنياء لا يتوقفون أبداً عن تضخيم أرقامهم، ولذلك لا يستريحون أبداً من عنت العمل، وإن كان المفروض فيهم أن يكونوا غير ذلك، إذ أن الله قد منَّ عليهم بأرزاق وافرة قد تكفيهم وتكفي أحفادهم عمرهم كله، إلا أن عدم الرضا بما قدر الله وقسم أدى بالناس جميعاً إلى الانهماك في الحياة، وتحولت الأمة الإسلامية إلى أمة مستهلكة وليست منتجة، ودائماً الاستهلاك هو الذي يُشقي الناس، أما الإنتاج فإنه يسعدهم كالغرب، حيث إنهم يشعرون بأنهم يحصدون ثمار ما قدموا فيشعرون بنوع من الرضى عن النفس، أما نحن الآن فإننا كالذي يشرب الماء المالح يشرب كثيراً ولكنه لا يشعر بِرِيِّ الظمأ الذي يعاني منه.

وهذه حالة أيضاً أدت إلى عدم وجود من يستمع ومن يُنصت، وإن كان هناك قدر كبير من الوقت إلا أننا لا نحسن استغلاله بالطريقة الصحيحة؟ إذن ماذا نفعل؟ يقول الله تبارك وتعالى: (( إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ ))[الرعد:11] إذا لم تقومي أنت بتغيير نفسك فثقي وتأكدي من أنه لا يمكن أن يتم تغيير نفسك مطلقاً، لابد من إلقاء حجر في هذا الماء الواقف حتى يتحرك، لابد من خطوة إيجابية حتى وإن كانت مؤلمة، حتى وإن كانت غير موفقة، المهم أن نبدأ خطوة؛ لأن الله قال: (( وَقُلِ اعْمَلُوا ))[التوبة:105] وقال للنبي محمد عليه الصلاة والسلام: (( اقْرَأْ ))[العلق:1] فإذن لابد من خطوة إيجابية، أما أن نظل هكذا نشعر بانعدام الثقة في النفس وننظر إلى أنفسنا على أننا فاشلون ولكننا لا ندخل أي تغيير على حياتنا، فثقي وتأكدي أن هذا الواقع سيظل كذلك إلى ما شاء الله تعالى، ولذلك المطلوب إدخال بعض التغييرات على حياتك، والتغييرات التي أقصدها ليست تغييرات في اتجاه واحد، وإنما أنا أريد تغييراً ثقافياً، بمعنى تزويد نفسك ببعض المعلومات والمهارات التي تعينك على التخلص من هذه الحالة التي أنت فيها.

أنصحك بقراءة بعض الكتيبات الصغيرة التي تباع في المكتبات العامة في مصر، هذا كتاب يسمى (كيف تبني ثقتك بنفسك) تأليف الدكتور (عمرو حسن بدران) وهو إصدار الدار الذهبية، موجود عندكم في مصر بفضل الله تعالى بكثرة، وهناك كتاب آخر (كيف تزرع الثقة في نفسك وفي من حولك)، وهو من سلسلة النفس المطمئنة للدكتورة (هيا السبيعي) أستاذة بجامعة قطر، وهو موجود عندكم أيضاً، وهناك كتاب لنفس المؤلفة الدكتورة (هيا السبيعي) بعنوان: (كيف تبني جسوراً مع الآخرين) وإن وجدت أي كتاب آخر يتكلم عن الثقة بالنفس أتمنى أيضاً أن لا تبخلي على نفسك بقراءته، لأنك في حاجة إلى إعادة الثقة لنفسك، ولن تستطيعي استعادتها بسهولة إلا من خلال العلوم والمهارات والمعارف التي سوف تكتسبينها من المتخصصين والمؤلفين المتميزين.

حاولي ربط نفسك بأي عمل إيجابي خارج هذه الدائرة، فأنت الآن طالبة، يعني من الكلية إلى البيت ومن البيت إلى الكلية، فما المانع أن تساهمي في بعض الفعاليات في الكلية، ما المانع أن تساهمي في بعض الفعاليات في الحي في المساجد، هناك مساجد بها دروس وفيها محاضرات وفيها الندوات، وفيها أخوات صالحات، وهناك مراكز التحفيظ، حاولي أن تنخرطي في مثل هذا الجو؛ لأن هذا الجو سيغير الجو الذي أنت فيه، وأنت عندما تشعرين بأنك قد حفظت آية واحدة من كتاب الله ستشعرين بنوع من السعادة ونوع من القناعة أو استعادة الثقة.

إن شعورك بانعدام الثقة في نفسك ليس صحيحاً، وشعورك بأنك دائماً فاشلة ليس صحيحاً، والدليل على كلامي أنك الآن طالبة في الجامعة، لا يُمكن أبداً أن يكون الإنسان فاشلاً ويصل إلى هذا المستوى من التعليم، الفاشل عادة محله نهاية مستواه الابتدائية أو الإعدادية أو الثانوية بمجموع متدن جدّاً، أما أنت الآن في الجامعة، فمعنى ذلك أن هذه الفكرة (فكرة الفشل) مبالغ فيها، أنت على خير، ولكنك بارك الله فيك تحتاجين فقط إلى تغيير الواقع هذا ولو بنسبة عشرة عشرين ثلاثين بالمائة، فإنك ستشعرين بنوع من السعادة والغبطة.

هناك في هذه المؤسسات البعيدة عن الأسرة ستجدين من يستمع إليك، ومن يتكلم معك، ومن يعطيك عقله وسمعه، وستجدين من تثقين فيه ومن يثق فيك، وستشعرين بأنك استعدت حياتك، لأنك الآن تقومين بدور هامشي جدّاً في الحياة وتشعرين بأنك مهمّشة؛ لأن الدور الذي تقومين به لا يتناسب مع الإمكانات التي منحك الله إيَّاها، فأنصحك بضرورة الانخراط في مثل هذه الأعمال، فهناك مساجد بها أنشطة كبيرة جدّاً اجتماعية وعلمية، فحاولي أن تساهمي في هذه الأنشطة، أن تحضري ولو في المقام الأول كطالبة مستمعة في المحاضرات، من خلالها سوف تتعرفين على شخصيات تختلف عن الشخصيات التي تتعاملين معها في المنزل أو في الدراسة؛ لأن هذه الشخصيات عادة هي التي تذهب إلى المساجد الأصل فيها أننا نحسن الظن بها وأنها على خير، ولذلك ستجدين خيراً في امرأة أكبر منك سنّاً أو في مثل سنك، تقيمين علاقات مع أخوات في مثل سنك في مجال دراسة غير مجالك الدراسي الأكاديمي، وستشعرين بنوع من التمدد الاجتماعي الذي يوفر لك نوعاً من الاستقرار النفسي والتقدير الذاتي، لأنك ستتعاملين مع أناس يُقدرونك ويتعاملون معك على أنك بلا مشاكل، وستخرجين ما بداخلك بسهولة، تتحدثين عن نفسك بصراحة؛ لأن هؤلاء لن يحاسبوك على شيء، بل إنهم سيصوبونك دائماً بإذن الله.

فيما يتعلق بعلاقتك المتدنية مع الله، لعل هذه أيضاً من أسباب المشاكل؛ لأن العبد كلما كان على علاقة حسنة مع الله كلما أمده الله تبارك وتعالى بمدد من لدنه، وكلما أغدق عليك من فضله وإحسانه وعطفه وكرمه، أما إذا كانت علاقتي مع الله ليست كما ينبغي فإن الله تبارك وتعالى إذا أحب عبداً أعانه، أما إذا لم يُحب العبد وكله إلى نفسه، ولذلك يظل حائراً تائهاً في هذه الحياة لا يدري من أين ولا إلى أين ولا يدري المصير ما هو، أما إذا كان العبد على علاقة حسنة مع الله فإن الله سيتولى توفيقه وتسديده، ولكن لابد من خطوة إيجابية من العبد؛ لأن الله قال: (( إِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ ))[العنكبوت:6] وقال الله تبارك وتعالى: (( وَيَزِيدُ اللَّهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدًى ))[مريم:76] وقال أيضاً: (( وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْواهُمْ ))[محمد:17] إذن هذه خطوة إيجابية، اهتدوا الأول فزادهم الله هدىً، وأيضاً النبي صلى الله عليه وسلم يقول فيما يرويه عن صاحب العزة والجلال: (من تقرب إليَّ شبراً تقربت إليه ذراعاً، ومن تقرب إليَّ ذراعاً تقربت إليه باعاً، ومن أتاني يمشي أتيته هرولة) أو كما قال صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن مولانا جل جلاله.

لذا فالمهم أن تكون هناك خطوة إيجابية منك أنت، فنحن الذين في أمس الحاجة إلى الله، ولكن الله جعل لكل شيء سبباً قال، اخط خطوة أولى وهو يتبع بقية الخطوات، فابدئي بالتوجه إلى النظر في طبيعة العلاقة بينك وبين الله، وحافظي على الفروض وزيدي عليها النوافل المؤكدة أولاً، ثم بعد ذلك النوافل المطلقة، وأكثري من الدعاء لنفسك بالصلاح والاستقامة والهداية، كذلك أكثري من الدعاء لنفسك أن يمنَّ الله عليك بالأمن والأمان والاستقرار، وأكثري من الاستغفار لأنه مفتاح الفرج، وأكثري كذلك من الصلاة على النبي محمد عليه الصلاة والسلام، لأنها من أعظم عوامل قضاء الحاجات وتفريج الكربات، نسأل الله لك التوفيق والسداد، والهداية والرشاد، إنه ولي ذلك والقادر عليه.

ويمكنك الاستزادة بالاطلاع على الاستشارات التالية حول العلاج السلوكي لقلة الثقة بالنفس: (265851-259418 - 269678 - 254892).

وبالله التوفيق.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك
  • الجزائر محمد من الجزائر

    بارك الله فيكم على هذه الخطوات والنصائح المفيدة التي تقوي وتعزز الثقة بالنفس .اسئل الله ان يكافئكم ويوفقكم

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً