الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

ما علاج الوساوس الدينية؟

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

كتبت لكم بعد أن فكرت كثيراً.

أنا شاب أبلغ من العمر 23 سنة، طال عذابي من الوسوسة بجميع أنواعها، لكن أشدها علي الوسوسة الدينية حيث أني عندما أسمع أي معلومة دينية تزيد وسوستي أكثر حتى كرهت سماع البرامج الدينية لكثرة ما أجد بينها من اختلافات، وهناك أشياء لا أستطيع أن أصدقها في تلك البرامج.

أخاف أن أذهب لأتعلم ديني فتزيد وسوستي الدينية ولو كان الذي يعلمني ليس من أهل العلم حقاً.

زادت المعاناة حيث كثر من يتكلمون بغير علم ويحسبهم الناس علماء، وعندما لا أتعلم ديني تزيد وسوستي أيضاً حيث تخطر على بالي أشياء لا يجاوبها إلا عالم بمعنى الكلمة.

وعندما لا أستمع إلى وساوسي أهدأ قليلاً ثم تعاودني أشد وأشد وتجعلني أريد أن أنام من شدة هذه الفكرة التي خطرت على بالي وأبدأ في التقاعس عن عملي وعن الصلاة حيث أشعر بضيق في صدري من هذه الفكرة التي خطرت على بالي ولا أجد لها جواباً.

فأظل أقاومها وآتي بالأسباب لأتغلب عليها وربما كتبت هذه الأسباب في ورقة ثم أحاول ألا أفكر فيها فتختفي فترة إلى أن أسمع برنامجا دينياً أو أحداً يتكلم حول هذه الفكرة فتعود الوسوسة مرة أخرى!

وعندما أسأل فيها أمي أو إخوتي يقولون لي: لا تفكر في الموضوع، تعلم دينك أولاً، فأعود للمعاناة من جديد خوفاً من زيادة الوسوسة.

أبكي كثيراً فما يحدث لي ويلهيني عمن يتكلمون إلي أحياناً، ويلهيني عن عملي والتقدم فيه، حيث أني مهندس ويلهيني عن التركيز في الصلاة وأحس كما لو أني كفرت أو أشركت.

وعندما أعرف حل وسوستي تأتي وسوسة جديدة، وهكذا في دائرة لا أستطيع الخروج منها، ولا أجد صحبة صالحة تساعدني حتى أسألها، ولا قدوة حسنة أقتدي بها وأخاف من أن أموت وأنا على هذا الحال.

أحياناً من شدة وسوستي أتجه إلى أشياء تغضب الله حتى أنسى ما كنت أفكر به مثل العادة السيئة، وهذا يؤلمني أكثر ولكني وعزة الله أريد أن أطيعه ولكني لا أعرف لأني جاهل وموسوس وعاصي، فما الحل؟

أرجوكم ساعدوني أكاد أن أنهار، فوسوستي ظلت معي 9 أعوام، ولا أجد حلاً لحالتي.

علماً أني أعلم حديث الرسول صلى الله عليه وسلم: (ذاك صريح الإيمان) ولكني أخاف أن تكون ليست وسوسة ويكون ذلك تفكيراً نفسياً، ويكون العلاج الجازم هو العلم الذي هو في الأساس يسبب لي وسوسة أحياناً.

أنا محتار كثيراً.

وشكراً.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ عبد الله حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

فإن حالتك الحمد لله حالة مشخصة، وأنا أتفق معك تماماً أنك تعاني من وساوس قهرية، وهذه الوساوس في المقام الأول هي وساوس فكرية تمثلت في شكل هذه الاجترارات حول العقيدة، وأتفق معك أنك أصبحت بين المطرقة والسندان فيما يخص دينك، فإذا تجاهلت تحس بالذنب وإذا تعلمت تخاف أن تكون قد تلقيت العلم من بعض الذين لا علم لهم.

أيها -الفاضل الكريم-: هوّن عليك، هذه وساوس، وأنا أعرف أن الوساوس تسبب الكثير من الآلام النفسية، ولكنها في نهاية الأمر إن شاء الله يمكن أن تخف ويمكن أن تعالج علاجاً ناجعاً -بإذن الله تعالى-.

في مثل حالتك تعتبر العلاجات الدوائية مهمة جدّاً -بفضل الله تعالى-، ونقول منذ عشرين عاماً تقريباً أصبحت هنالك أدوية ممتازة وأدوية فاعلة، وفي السنين الأخيرة قد تطورت هذه الأدوية وقدمت فائدة كبيرة ومنفعة كبيرة للناس.

الخلفية العلمية التي تؤيد استعمال الأدوية في الوساوس القهرية بُنيت على ملاحظات بعض العلماء بعد نتائج بحثية ممتازة في أنه يُعتقد -والناس على درجة كبيرة جدّاً من اليقين- أنه يوجد خلل في مادة تسمى بالسيروتونين، هذه المادة تُفرز في أجزاء كثيرة جدّاً من الدماغ، وهي التي تتحكم لدرجة كبيرة في العواطف والوجدان والقلق ومزاج الإنسان، وهذه المادة لها عدة تقسيمات وعدة جزئيات.

أحد هذه الأفرع أو الأقسام لهذه المادة هو الذي ينشأ من خلله اضطراب الوسواس القهري، ويعتقد أن المستقبلات العصبية التي من المفترض أن تكون في قمة فعاليتها تكون عاجزة أو مضطربة، وهذا هو الذي يؤدي إلى الوساوس القهرية، حيث إن مادة السيروتونين لا تجد الفرصة للتوفر في الفجوة التي بين الأعصاب، وبفضل الله تعالى اتضح أن هنالك أدوية تزيد من استشعار المستقبلات العصبية مما يسهل إفراز الموصل العصبي الذي يُعرف بالسيروتونين وتوفره في الفجوة بين الأعصاب ويؤدي إن شاء الله إلى علاج مثل هذه الحالة.

هذه الأدوية -بفضل الله تعالى- هي أيضاً أدوية سليمة جدّاً، وغير إدمانية، وغير تعودية، وآثارها الجانبية بسيطة جدّاً.

الدواء في حالتك يجب أن يكون البداية؛ لأن زوال القلق نفسه ضرورة علاجية لأن تطبق بعد ذلك البرامج السلوكية.

من أحسن الأدوية التي نفضلها في حالتك الدواء المشهور والذي يعرف تجارياً باسم (بروزاك Prozac)، ويسمى علمياً باسم (فلوكستين Fluoxetine) وجرعته هي أن تبدأ بكبسولة واحدة (عشرين مليجراماً) في اليوم، يفضل تناوله بعد الأكل.

بعد مضي أسبوعين تُرفع الجرعة إلى كبسولتين في اليوم، ويمكن أن تتناولها كجرعة واحدة. استمر على هذه الجرعة لمدة شهرين، ثم بعد ذلك ارفع الجرعة إلى ثلاث كبسولات في اليوم -أي ستين مليجراماً- تناول كبسولة واحدة في الصباح بعد الإفطار، وكبسولتين ليلاً.

هذه الجرعة العلاجية -أي ستين مليجراماً في اليوم- يجب أن تستمر عليها لمدة ستة أشهر، ثم بعد ذلك خفض الجرعة إلى كبسولتين في اليوم واستمر عليها لمدة ستة أشهر أخرى، ثم خفضها إلى كبسولة واحدة في اليوم واستمر عليها لمدة عام، ثم يمكنك أن تتوقف عن تناول الدواء.

يتميز البروزاك بأنه لا يؤدي إلى أي نوع من الشعور بالنعاس أو التكاسل، كما أنه لا يؤدي إلى زيادة في الوزن، وأثره الجانبي الوحيد هو أنه ربما يؤدي في الأيام الأولى من بداية العلاج إلى عسر بسيط في الهضم، وهذا يمكن تخطيه وتجنبه بتناول الدواء بعد الأكل.

كما أن البروزاك يؤدي إلى تأخر بسيط في القذف أو الإنزال المنوي لدى بعض الرجال، ولكنه لا يؤدي أبداً إلى العقم أو التأثير على الذكورة، وهو لا يؤثر سلباً على الحيوانات المنوية.

إذن ابدأ في تناول الدواء بالصورة التي ذكرتها لك، وسوف تجد فيه نفعاً وخيراً كثيراً.

بعد ذلك يأتي موضوع أن تعرف أن هذه وساوس، والوساوس تعالج بالتحقير والتجاهل.

أعرف أن ذلك قد لا يكون سهلاً في بداية الأمر، ولكن حين تجري حواراً داخلياً منطقياً وإيجابياً مع نفسك وتعرف أن هذه وساوس وتقول لنفسك: (لن أتبعها، أنا مسلم والحمد لله) حاول أن تتلقى العلم من إمام المسجد أو ممن تثق فيه، واعلم أن اختلاف الآراء في بعض الأمور الشرعية هو رحمة، ولكن ثوابت الدين معروفة ولا شك في ذلك.

أنصحك أيضاً بحضور حلقات التلاوة، فالتزود بالقرآن الكريم هو سلاح المؤمن، ويحمي من هذه الوساوس. وعليك بأن تُكثر من الاستغفار، وأن تستعيذ بالله من الشيطان الرجيم، وأن تبحث عن الصحبة الطيبة.

الخيرون كُثر أيها الفاضل الكريم، لأنك ذكرت أنك لم تجد القدوة الحسنة، وأنا أقول لك -إن شاء الله- تجدهم في المساجد وتجدهم في حضور مجالس العلم وتجدهم في محيط عملك.

لا شك أن العادة السرية هي عادة قبيحة، فأرجو أن لا تترك مجالاً للشيطان ليتلاعب بك، توقف عن هذه العادة الآن، يجب أن يكون هنالك كوابح للتوقف، والانغماس فيها تتأتى منه مشاكل نفسية كثيرة كالشعور بالقلق والمزيد من الوساوس والشعور بالذنب وافتقاد الكفاءة النفسية، أضف إلى ذلك أن العادة السرية هي من أسوأ ما يؤدي إلى اضطرابات جنسية لاحقة.

أرجو أيضاً أن تطور من مهاراتك الاجتماعية، أكثر من التواصل مع أرحامك وأهلك وأصدقائك، رفه عن نفسك بما هو مشروع، مارس الرياضة، حاول أن تدير وقتك بصورة طيبة.

وإذا كان هنالك أي مجال للانخراط في أي جمعية ثقافية أو تطوعية فهذا أيضاً فيه -إن شاء الله- خيراً وفائدة كبيرة جدّاً، ولمزيد الفائدة يرجى مراجعة التالي:

عن علاج وساوس العقيدة سلوكياً ً: (244914 - 260030 - 263422 - 259593 - 260447 - 265121).

نسأل الله لك الشفاء والعافية، ونشكرك على تواصلك مع استشارات إسلام ويب، وبالله التوفيق والسداد.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً