الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

حفظت أجزاء من القرآن ثم شربت المخدرات، فهل من توبة؟

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

عمري 25 سنة، لا أعمل حاليا، عندما كنت في العشرين من عمري، كنت ملتزما بسمت السنة, وكنت في بداية التزامي أجلس مع أبي يعلمني أحكام القرآن, فكنت أقرأ عليه الربع، وبعدها أراجع ما حفظت عليه كل يوم, وهكذا,,, كلما زاد الحفظ كلما زادت المراجعة, وكنت أحيانا أترك الحفظ والمراجعة, ثم أرجع, وأترك ثم أرجع, حتى أني وصلت في بعض الفترات أني كنت أقرأ خمسة أجزاء كل يوم.

ولكن تركت الحفظ والمراجعة كعادتي، ورجعت مرة أخرى, فبدأت أحفظ دون أن أراجع حفظي, فكنت أحفظ كل يوم ربعا, ولكن لا أرجع إليه, فقط أقرؤوه على أبي, ولكن لم يكن لي صحبة فضللت الطريق, وابتعدت عنه, واستحوذ علي الشيطان فأنساني ذكر الله، وقد رأيت في نفسي أنني كمثل الكلب إن تحمل عليه يلهث أو تتركه يلهث، مُنقطعُ القلب.

أحسست في يومٍ من الأيام أنني بلا قلب, ليس عندي مشاعر, لا أحب أحدا, فقد كنت أعصي الله بعد ما أراني لذة الطاعة, من قيام ليل, ومن سماع للذكر, وحضور دروس العلم، ولكن انقلب بي الحال إلى مشاهدة الأفلام الإباحية, وشرب للمخدرات, وعقوق للوالدين, وسرقة, وكذب, وإدمان للعادة السيئة، وحب للنساء.

وأنا الآن أعاني من أمراض نفسية عديدة, ولم أستشر أي طبيب, ولا أحب أن أذهب إلي طبيب، فعندي من الرهاب الاجتماعي ما عندي, وعندي تغير في المزاج, وُتقلب في الأحوال, لا أثبت على شيء, لا أحد يعلم كيف يعاملني أو كيف يكلمني, أصبحت حالتي سيئة جدا.

منذ شهر تقريبا جاءتني من الله ذكرى, ولكن قررت أن أغير من نفسي بإذن الله سبحانه, وأن أبدأ في التغير, وقد كان -والحمد لله- فلي أسبوع لم أشرب فيه المخدرات, وأقلعت عن السجائر أيضا منذ ثلاثة أيام, وبدأت أصلي في جماعة, ولكن ليس عندي صحبة, ولا أعلم كيف أصاحب, ومن أصاحب، وعندي خوف من (أن المُنْبَت لا أرضا قطع ولا ظهرا أبقى) فلا أعلم كيف أدخل في الدين, ولا كيف أسير على النهج الصحيح دون أن أضل الطريق.

وأيضا أريد أن أستغل شهر رمضان؛ لأنني لن أعمل فيه إن شاء الله, ولا أدري أيكون هناك وقت فراغ بعد هذا, فكما تعلم (فراغك قبل شغلك) هل تنصحني أن أحفظ القرآن كله في رمضان كل يومٍ جزءا؟ كيف أداوام على مراجعته دون أن أهلك نفسي كما أشرت؟ أم تنصحني أن أقرأ من المصحف ولا أحفظ؟ وكيف أثبت على الطريق؟

ثبتنا الله وأياكم، اللهم يا مثبت القلوب ثبت قلوبنا على دينك, آمين, وشكر الله لكم.

ضالٌ أشترشد بكم، فأعينوني أثابكم الله.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ مريد حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد،،،

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحابته ومن والاه..

نرحب بك ابننا الكريم، ونسأل الله تبارك وتعالى لك التوفيق والسداد، وأن يتوب عليك لتتوب، وأن يلهمك السداد والرشاد، ونتمنى من الله تبارك وتعالى أن يسخر لك أصدقاء صالحين، وأرجو أن تقترب من هذا الوالد الذي علمك كتاب الله تبارك وتعالى، وقد أحسنت فإن شهر الصيام فرصة عظيمة جدًّا، ونبشرك بأن الله يقبل توبة من تاب إليه، وأن الله تبارك وتعالى يبدل سيئات الذي يخلص في توبته ويصدق في أوبته حسنات، كما تعلم ذلك من حفظك لكتاب الله، فإن الإنسان ينبغي أن يصدق في توبته ويخلص في أوبته، ويعزم على ألا يعود، وينقطع عن المعاصي، وكذلك أيضًا يندم على ما مضى، ثم عليه أن يكثر من الحسنات الماحية، قال تعالى: {إن الحسنات يُذهبن السيئات ذلك ذكرى للذاكرين}.

إذا فعل الإنسان ذلك واستكمل شروط التوبة وعناصرها فأولئك الذين يبدل الله سيئاتهم حسنات، وهذه بشارة عظيمة، فالله لا يغفر فقط، بل يبدل السيئات القديمة إلى حسنات، والله ما سمى نفسه رحيما إلا ليرحمنا، ولا سمى نفسه توابا إلا ليتوب علينا، ولا سمى نفسه غفارا إلا ليغفر ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا، وهو القائل: {وإني لغفار لمن تاب وآمن وعمل صالحًا ثم اهتدى}.

فأنت ترجع إلى رب رحيم، وإنك لتعرف حديث قاتل المائة نفس وكيف أن العالِم قال له: (ولكنك بأرض سوء فانتقل إلى أرض كذا وكذا فإن بها أقواما يعبدون الله تعالى فاعبد الله معهم) إذن أمره أن يغير البيئة وأن يغير الرفقة، وأعتقد أن شهر الصيام فرصة لتغيير البيئة, وتغيير النفس, وتغيير الرفقة أيضًا، فإنك إذا ذهبت إلى بيت الله وتوضأت وصليت مع المصلين، ستجد هناك من عليه آثار الخشوع والخضوع لله تبارك وتعالى.

أما بالنسبة لمراجعة القرآن والدراسة: فنحن نتمنى أن تأخذ من ذلك بقدر طاقتك، فالعبرة ليست كم يقرأ الإنسان، لكن العبرة بأن يتدبر ويتأمل ويتعظ بما يقرأ ويستفيد من معاني هذا الكتاب الذي شرفنا الله تبارك وتعالى به، فإن فهم القرآن هو المعين على الاستقامة، يعني مجرد الحفظ قد لا يغني كثيرًا، لكن القرآن أصلا ينبغي أن يُحفظ ليتدبر ويُعمل به ونتحاكم إليه، ليس مجرد قراءة يقرأها الإنسان.

وأنت ولله الحمد ممن عرف الطريق، وممن عرف أن العافية والعلاج في طاعتنا لله تبارك وتعالى، وأنت ذقت حلاوة الطاعة، ثم بعد ذلك قصرت فذقت مرارة المعصية، والمعصية ليس فيها متعة:

تفنى اللذاذة ممن نال صفوتها ** من الحرام ويبقى الإثم والعارُ
تبقى عواقب سوء في مغبتها ** لاخير في لذة من بعدها النارُ

ولذلك أنت ولله الحمد عرفت هذا، والآن بدأت مسيرة العودة إلى الله تبارك وتعالى، حتى تثبت في عودتك، كما قلت أنت في حاجة إلى أصدقاء صالحين، وأنت بحاجة إلى أن تتخلص من المعصية وآثارها ورفاقها وذكرياتها وأرقامها، وكل ما يذكرك بالمعصية، كما قال العالِم (انتقل إلى أرض كذا وكذا) لأن أرض المعصية بأشجارها وبنيانها وأشخاصها تذكر الإنسان، وتجعله يحن إلى العودة إلى الماضي المظلم عياذًا بالله.

ونتمنى كذلك أن يكون لك تواصل مع هذا الموقع حتى نتعرف على أحوالك، واعلم أن الله تبارك وتعالى أمهلك كثيرًا، فإنه سبحانه وتعالى كان يمكن أن يأخذك وتنتهي من هذه الحياة وأنت على المعصية، فالآن ينبغي أن تشكر الرحيم على رحمته، وتشكر التواب الذي أتاح لك هذه الفرصة، وهنيئًا لك بهذه النفس التي عرفتك أخيرًا بالصواب الذي كنت عليه.

فإذن نتمنى من الله تبارك وتعالى أن تجد العون والتأييد من الأب ومن الأهل، ومنا ستجد الدعاء الصالح، ونوصيك بأن تحرص دائمًا على سماع المواعظ التي تؤثر على الإنسان، نوصيك بأن تتذكر أن الموت يهجم على الناس في كل لحظة، نوصيك بأن تتذكر أن الله ناظر إليك، وأنه مطلع عليك، وإذا أردت أن تعصي الله فابحث عن مكان لا يراك فيه، ولكن هيهات وهيهات، والله لا تخفى عليه خافية. وإذا أردت أن تعصي الله فلا تسكن في أرضه، ولكن هيهات وهيهات، والأرض كلها لله. وإذا أردت أن تعصي الله تبارك وتعالى فلا تأكل من رزقه، ولكن من أين والأرزاق كلها من الله؟! بعد ذلك ما تستحي من الله أن تعصيه وأنت تعيش في أرضه, وتأكل من رزقه, وتعصيه وهو يراك سبحانه وتعالى!!

إذن ما أحوجنا –ابني الكريم– إلى مثل هذه الوقفة للمحاسبة، واعلم أن الله تبارك وتعالى يُمهل ولا يُهمل، فقد مدّ لك من الحبال, وردك إلى الصواب, وسامحك, ومد لك في الأجل، فلا تغتر، وعليك أن تعود إلى الله تبارك وتعالى، ولا شك أن هذه العودة ستُفرح الأب، وستُفرح الوالدة، وستفرح الأخ، وستفرح الجميع، ونحن أيضًا سنفرح بعودتك إلى الله، لأنك ولله الحمد على صلة بكتاب الله وعلى صلة بالطاعات، ونريد تلك الصلات أن تعود، ونسأل الله تبارك وتعالى لك التوفيق والسداد.

وسوف نكون سعداء إذا تواصلت معنا حتى نتعاون جميعًا على الثبات وعلى الخير، ونسأل الله تبارك وتعالى أن يتوب علينا وعليك.

نوصيك بتقوى الله، نوصيك بطلب الدعاء من الوالدين، نوصيك بالدعاء لنفسك، نوصيك بالاستعانة بالله تبارك وتعالى، نوصيك بتجنب رفقة السوء، فإنهم أخطر من شياطين الجن، لأن الشيطان يذهب بذكرك لله، لكن شياطين الإنس لا ينصرفوا حتى يُوردوا الإنسان موارد الهلكة، ونسأل الله تعالى أن يتوب عليك لتتوب، ونكرر ترحيبنا بك، ونسأل الله تبارك وتعالى لك التوفيق والسداد والثبات.

والله الموفق.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً