الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أصبت بالخوف والقلق بسبب عيشي في قرية نائية!

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله.

أعاني من عدة مشاكل في حياتي، وأتمنى مساعدتكم:

أولها: كنتُ أعيش في مدينةٍ جميلة وكبيرة، عائلتي كبيرة، وكثيرة الخروج والتمشي، تزوجت من شخصٍ يسكن على بعد 500 كيلو من مدينتا، في قرية جداً سيئة ومخيفة؛ بسبب العمل، على أمل أننا سوف ننقل بعد سنة بالكثير، ولي الآن 4 سنين.

كنت شجاعة لا أخاف، أهوى المغامرات، أحب الظلام والهدوء، ولكن بعدما عشت في هذا المكان أصبحت جبانة بمعنى الكلمة، وحزينة، وكئيبة، وعندما أطلب من زوجي أن يذهب بي إلى أهلي لتغيير الجو؛ فإنه يرفض، ويتركني من 3-5 شهور لا أرى أهلي، وعندما أطلب منه الخروج للنزهة يرفض؛ بحجة أنه تعبان من عمله؛ لأنه "شفتات"، وعندما نكون عند أهله، والذين يبعدون عنا نفس المسافة 500ك، لا يمر شهرٌ علينا إلا ونزورهم مرة أخرى، ويقول إنه متعب، ويريد أن يرتاح ويرى أصدقاءه.

تعبت نفسيتي جداً، علماً أني لدي طفلان، الكبير عمره 2ونصف، والآخر سنة وشهران، وطول وقتي أعاني من غيرة الكبير من الصغير، فلا يتركه لحاله، رغم أني أحاول قدر المستطاع العدل بينهما، وعدم الاهتمام بالصغير أمام الكبير كثيراً، ولكن دون جدوى.

أصبحت عصبية إلى حد لا يطاق. طلبت من زوجي أن أذهب لدكتور نفسي، ولكنه دائما يتعذر بأنه لا يوجد وقت، وعندما تحصل فرصة، وها أنا لي 4سنوات وأنا أطلب منه دون نتيجة! لدرجة أنني أصبحت أتخيل أشياء، وأن هناك أشخاصاً ينظرون إلي، وعندما أكون على فراشي أشعر وكأن أحداً عند رجلي -أعزكم الله-.

أصبحت قلقة، وكثيرة البكاء من أتفه الأسباب، ولا أتحكم في أعصابي، أريد حلاً لكي أحمي أولادي من عصبيتي وصراخي عليهم، أريد أن أكون هادئة وصبورة، لكن ماذا أفعل بسبب بعدي عن أهلي، وعيشي في هذا المكان النائي، وجلوسي لحالي كثيراً نظرا لدوام زوجي 12ساعة، ويأتي تعباً، ويريد أن ينام، وحتى إذا جاء يوم وكان جالساً في البيت تشعرُ أنه يشغل نفسه في المكالمات أو الجوال، أو أي شيء.

فماذا أفعل؟ أعلم أنني أطلت عليكم، ولكن ليس لدي بعد الله إلا أنتم تشيرون علي، فكيف أتعامل مع أبنائي -ولدي الكبيرٌ حساس جداً-؟ وكيف أتعامل مع زوجي الذي لا يبالي لحالي؟ علما أنني أخاف من ربي، وأصلي -والحمد لله- أريد أن أرجع كما كنت، وأخرج مما أنا فيه، ومن الحزن الذي تملكني، وأن أتحكم في أعصابي.

جزاكم الله خيراً.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الابنة الفاضلة/ ديالا حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد:

نرحب بابنتنا الصغيرة في عمرها الكبيرة في فهمها ونضجها، التي واجهت الصعاب في البداية، ونسأل الله أن يُعينك في تخطي كل الصعاب، وأنت قادرةٌ على ذلك -بإذن الله تبارك وتعالى-؛ لأن الأيام الصعبة قد مرت ولله الحمد، ونسأل الله أن يسهل لكم الأمور، فتنتقلون إلى مكانٍ أجمل وأكمل، وأحسن من هذا المكان.

وأعجبنا وأسعدنا أن تبذلي تضحيات من أجل أن تكوني مع زوجك، ونسأل الله أن يبارك في أبنائك، وأن يُصلح لنا ولكم النية والذرية.

ونؤكد لك أن ما يحصل بين الكبير والصغير أمرٌ طبيعي، فاجتهدي فيما أنت عليه من الخير، وحاولي أن تربطي الكبير بأبيه في خروجه ودخوله؛ حتى يقضي بعض الوقت بعيدًا عن الصغير، واجتهدي دائمًا في التغافل عن ممارساته، ولا تُظهري الصراخ والانزعاج؛ فإن هذا يزيد الحالة تعقيدًا، ولا تحاولي أن تعاقبي الكبير؛ لأنه سيصدق عنده المشاعر السالبة أنك تحبين الصغير الذي جاء فسحب من تحته البساط، وحاولي أن تتفهمي مع زوجك بمنتهى الهدوء.

ونحن نعتقد أن كثيرًا من الأزواج لا يفهم احتياجات المرأة، وضرورة الوجود الإيجابي معها، وحسن الاستماع لشكواها، وإعطائها الدعم المعنوي، ولكن –لأنك عاقلة– نحن ننتظر منك الصبر والاحتمال والتشجيع لزوجك، والوقوف إلى جواره حتى تنتهي هذه المهمة الصعبة، والتي نعتقد أنها في كل الأحوال ستكون مؤقتة، وشجعي زوجك الآن إلى الذهاب إلى مكانٍ أفضل؛ لأن الأبناء سيستقبلون سن الروضة والدراسة والحياة الجديدة، ووجود الإنسان في بيئة المدينة حيث التطور والحضارة يفتق في ذهنه كوامن الإبداع، ويجعله يتقدم بسرعة في المجال العلمي، بخلاف البيئات التي فيها بعض التخلف والتأخر، فإن الأبناء يتضررون من وجودهم -خاصة بعد هذه السن التي هم فيها- في مثل هذه الأماكن.

ونتمنى ألا تفرضي حصارًا على نفسك، وحاولي أن ترتبطي بالجارات، واحرصي على التزاور مع الصالحات، واشغلي نفسك بتلاوة القرآن والآيات، وتعوذي برب السموات من الشيطان الرجيم، وحاولي دائمًا أن تقرئي الرقية الشرعية على نفسك، واجعلي إذاعة القرآن تشتغل في بيتك ليلاً ونهارًا، واحرصي دائمًا على أن تنامي على ذكر وطهارة، وحاولي أن تحضني أبنائك الصغار، واعلمي أنك مأجورةٌ على صبرك عليهم، ونتمنى أن تجدي المعاونة والمساعدة لزوجك، وحاولي أن تشكري كل خطوة إلى الأمام حتى ولو كانت صغيرة وقليلة، ولا تجردي زوجك من محاسنه، وحاولي أن تقبلي الأشياء الجميلة عنده، ثم شجعيه ليأتيك المزيد، ثم حاولي أن تناقشي السلبيات بمنتهى الهدوء.

نسأل الله أن يسهل أمرك، وأن يردك إلى المدينة مع زوجك وأطفالك ردًا جميلاً، ونعتقد أن هذه التجربة أيضًا ستكون مفيدة في جانب الاحتمال، وحاولي دائمًا ألا تجلسي وحدك، واشغلي نفسك بذكر الله، ولا تندمي على ما مضى، ولا تقفي طويلاً عند المواقف السالبة، ونسأل الله لك التوفيق والسداد، ونكرر ترحيبنا بك.

____________________________________

انتهت إجابة المستشار الدكتور/ أحمد الفرجابي، مستشار الشؤون الأسرية والتربوية.
وتليه إجابة المستشار الدكتور/ محمد عبد العليم، استشاري أول الطب النفسي وطب الإدمان:


لا أرى أنك تعانين من مشاكل نفسية أساسية، نعم أنت تعيشين في شيءٍ من عدم الارتياح النفسي، وهذا نسميه: "عدم القدرة على التوافق"، أو: "عدم القدرة على التواؤم"؛ لأن لديك أفكارًا سلبية مسبقة، ودائمًا تقدمين الفكر السلبي على الفكر الإيجابي، ولم تتحملي النقل من المدينة إلى تلك القرية الصغيرة، والتي وصفتها بأنها سيئة ومخيفة.

مثل هذا المفهوم حين يترسخ في ذهنِ الإنسان سوف يطبق عليه فكر التعميمات، يعني: بناءً على هذه المعلومة السلبية كل شيء في حياتك وفي تفكيرك سوف يكون منطلقه نفس الفكرة "تشاؤم، مكان مخيف، هذا سيئ، زوجي ينام، أولادي لا أستطيع أن أتحكم فيهم" فأنت من البداية غرست هذا الفكر السلبي، إذًا: تحويل الأفكار السلبية إلى إيجابية هو الذي سوف يُساعدك كثيرًا.

هذه القرية السيئة جدًّا لماذا لا نقول إنها قرية جميلة جدًّا، وأنها هادئة، وأهلها يتعارفون مع بعضهم البعض، وليس فيها ضوضاء، وليس فيها إزعاج؟ لماذا لا تأخذين هذه الصورة الجميلة عنها؟!

ثانياً: يجب أن تفكري أن هذه تجربة طيبة وجميلة، والإنسان يجب أن يُعدد خبراته، وهذا يساعده في تطوير المهارة.

بالنسبة لموضوع الأطفال: تذكري أن هؤلاء الأطفال نعمة عظيمة من رب العالمين، كم من الناس حُرموا من الذرية! فأنت لديك الزوج ولديك الأطفال، وعملية المشاكسات والعصبية بين الأطفال هي أمرٌ عادي جدًّا، بل هي طريقة لتطوير مهاراتهم، فهذه الغيرة في حد ذاتها ترفع من ذكاء الطفل، لكن يجب أن نحِدَّها من خلال أن نتبسم في وجوه أطفالنا، وأن نقبّلهم، وأن نحتضنهم، وألا نصرخ في وجوههم، هذه هي الطريقة التي تتعاملين بها مع أولادك، وتستشعرين هذه النعمة العظيمة.

أما بالنسبة لزوجك الفاضل؛ فيجب أن تقدري ظروفه، وتكوني هاشّة باشّة، تستقبلينه حين يأتي من عمله، وترتبي أموره، ودعيه يرتاح، واستغلي كل وقتٍ مهما كان قصيرًا عند الجلوس معه، واستغليه في الكلام الطيب، وابدي إعجابك به، وحاولي إطراءه، وخططي معه للأسرة؛ يجب أن تكون الأمور على هذا النسق، هذه هي الحياة الجميلة، وهذه هي حياة المشاركة الحقيقية.

أيضاً: يجب أن يكون لك بعض المتنفسات النفسية، والمتنفسات النفسية تتمثل في: القراءة، وفي الاطلاع، وفي ممارسة الرياضة، والحرص على تدارس كتاب الله؛ فالحرص على تدارس القرآن فيه مسامرة، وفيه ملاطفة، وفيه دعم نفسي كبير، فكوني حريصة على هذا.

أنا لا أرى أنك في حاجة لأن تذهبي إلى طبيب نفسي، لكن إذا طلبت من زوجك أن يحضر لك أحد الأدوية البسيطة المضادة للقلق، أعتقد أن ذلك سوف يكون كافيًا.

هنالك دواء يعرف باسم (فلوناكسول)، ويسمى علميًا باسم (فلوبنتكسول) متوفر في الصيدليات، وجرعته هي نصف مليجرام (حبة واحدة) يتم تناولها صباحًا لمدة أسبوعين، بعد ذلك تكون الجرعة حبة صباحًا ومساءً لمدة شهر، ثم حبة واحدة صباحًا لمدة شهر آخر، ثم يتم التوقف عن تناول الدواء.

بارك الله فيك، وجزاك الله خيرًا، ونسأل الله لك الشفاء والعافية والتوفيق والسداد.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك
  • السعودية ام خالد

    انا كمان اعيش بقرية موووووت بعد فترة بتلاقونا مجرد كائنات بلا حياة ..

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً