الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أعاني من وساوس قهرية وسيئة في نفس الوقت

السؤال

السلام عليكم
جزاكم الله خيراً على هذا الموقع الرائع.

أصبحت منذ شهرين أعاني لا أدري إذا كان وسواساً أو شكاً في الله ووجوده، مع أني لست بملحد -الحمد لله- وأصلي كل الصلوات، وأقرأ الأذكار الصباحية والمسائية، وأقرأ القرآن، وملتزم دينياً، ولله الحمد.

عندما تعرض لي أفكار عن وجود الله أحاول التصدي لها، وإثبات أن الله موجود، فأتصدى بكافة الطرق والأدلة، وقرأت الكتب الكثيرة في ذلك والمقالات وتوصلت ولله الحمد أن الله موجود عن طريق التصميم الذكي للكون (بعد أن استقرت فكرة التصميم الذكي للكون في عقلي ارتحت ولله الحمد)، والآن كل ما أتذكر ماذا حدث لي؟ أصاب بالإحباط ويراودني الشك من جديد.

ومن ثم يأتيني شك بأني لست بمسلم، وأن الله سوف يحاسبني على ذلك، وأني لا أختلف عن الملحدين، فأتضايق جداً، وأبحث في النت والكتب عما يساعدني في هذه المحنة.

أفيدوني بما يحدث لي، وهل أنا محاسب عما يحدث لي؟ وكيف أعلم إذا كانت هذه وساوس أم شكوك؟

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ محمد حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

نشكركم على تواصلكم مع موقع إسلام ويب؛ ونسأل الله أن يتولاكم بحفظه.

أما الجواب على ما ذكرت فيكمن في الآتي:
بداية نشكرك على حرصك على لزوم الحق والهداية، والثبات على دين الله، فالمحافطة على الصلاة والأذكار؛ وكذلك القراءة الواعية التي سلكتها جعلتك تتغلب على ما طرأ عليك من وسواس، ونشد على يديك في الاستمرار على ذلك؛ وفقك الله إلى مرضاته.

أما نصحنا لك حول ما ذكرت من الوسواس فنقول: يجب أن تعلم أن الوسوسة من أقل مكائد الشيطان على الإنسان المسلم؛ وكونك تكره ذلك وتتمنى زوالها ولا تحب الحديث عنها؛ فهذه علامة على قوة الإيمان بالله، وأن هذه الوسوسة آيلةٌ إلى الزوال بإذن الله تعالى.

قال بعض الصحابة رضي الله عنهم للنبي صلى الله عليه وسلم "إنا نجد في أنفسنا ما يتعاظم أحدنا أن يتكلم به، فقال: " وقد وجدتموه؟ " قالوا: نعم قال صلى الله عليه وسلم " ذاك صريح الإيمان " رواه مسلم، وفي رواية" سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن الوسوسة، قال: " تلك محض الإيمان " رواه مسلم.

مما يمكن أن ندلك عليه للخلاص من الوسوسة أن تعلم أن للخلاص منها طريقين، طريق عام وطريق خاص، أما الطريق العام فيكون بكثرة الذكر وقراءة القرآن والاستغفار، وحضور مجالس العلم؛ فإن الذاكر لله تعالى ينصرف عنه الشيطان؛ وتزول عنه الوسوسة.

قال ابن تيمية: "والوسواس يعرض لكل مَن توجَّه إلى الله، فينبغي للعبد أن يَثبُت ويصبر ويلازم ما هو فيه من الذكر والصلاة، ولا يضجر؛ لأنه بملازمة ذلك ينصرف عنه كيد الشيطان؛ ﴿ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا ﴾ [النساء: 76]، وكلما أراد العبد توجهًا إلى الله بقلبه، جاء الوسواس من أمور أخرى، فإن الشيطان بمنزلة قاطع الطريق، كلما أراد العبد أن يسير إلى الله أراد قطْعَ الطريق عليه"، ومن العلاج العام للوسوسة الالتجاء إلى الله تعالى بالدعاء بصِدق وإخلاص؛ كي يُذهِب عنك هذا المرض.

أما العلاج الخاص للوسوسة، فقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال "يأتي الشيطان أحدكم فيقول: من خلق كذا، من خلق كذا، حتى يقول: من خلق ربك؟ فإذا بلغه فليستعذ بالله ولينته" رواه البخاري، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا يزال الناس يتساءلون حتى يقال: هذا خلق الله الخلق، فمن خلق الله؟ فمن وجد من ذلك شيئاً فليقل: آمنت بالله. وفي رواية: يأتي الشيطان أحدكم فيقول: من خلق السماء؟ من خلق الأرض؟ فيقول: الله ثم ذكر بمثله، وزاد: ورسله " رواه مسلم.

ويمكن أن نستخلص طريقة علاج الوسوسة بالآتي:
اعلم أن الوسوسة من كيد الشيطان، وكيده ضعيف إذا قوي المؤمن بذكر الله وقراءة القرآن كما تقدم، وقل أعوذ بالله من الشيطان الرجيم عندما تطرأ عليك الوسوسة، وقل آمنت بالله ورسوله؛ أو قل آمنت بالله ورسله، واترك الاستطراد في الوسوسة، فلا تلتف لما جاء فيها؛ من تشكيك في التوحيد؛ ولن يضرك شيء بإذن الله تعالى.

قال ابن حجر الهيتمي: "للوسواس دواء نافع هو الإعراض عنه جملة، وإن كان في النفس من التردُّد ما كان، فإنه متى لم يلتفتْ لذلك، لم يثبت، بل يَذهَب بعد زمن قليل، كما جرَّب ذلك الموفَّقون، وأما مَن أصغى إليها، فإنها لا تزال تزداد به حتى تخرجه إلى حيز المجانين، بل وأقبح منهم، كما شاهدناه في كثير ممن ابتلوا بها، وأصغوا إليها وإلى شيطانها"، واشغل نفسك بكل نافع ومفيد من القراءة؛ والجلوس مع الصالحين.

نسأل الله تعالى أن يفرج عنك ؛ وأن يصلح شأنك.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً