الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أم زوجي تتعامل معي معاملة سيئة، فكيف أتصرف معها؟

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.

أتقدم بالشكر لكم على تفانيكم في الرد على أسئلة الناس.

عمري 25 سنة، متزوجة منذ 5 أشهر من ابن خالتي، وفي بادئ الأمر اتفق زوجي وأهله على أن يسكن بالطابق الأول، وأن يكون مستقلًا، في حين أن أمه تسكن بالطابق الثاني، يعني كان هذا شرط منه واتفاق منهم جميعًا، لكن فور انتقالي لبيت الزوجية إذا بي أرى سيدة أخرى تعاملًا وكلامًا، والسبب رفضها فكرة استقرارنا لوحدنا، إذ تريد مِنَّ أن نبقى معها، ونقضي جُل وقتنا في منزلها، وأن ننزل فقط وقت النوم، الشيء الذي لم أتقبله لا أنا ولا زوجي؛ لأنه من الأول كان هذا هو قراره، وحتى أهله أكدوا على هذا القرار.

كنت رغم تعاملها السيئ أزورها، في حين أنها تمر علي دون إلقاء السلام، بل وحتى أنها أقسمت ألَّا تجالسني في بيتي، ومع ذلك صبرت، لكن سماعي لها تسبني وتشتمني مع خالة أخرى، هذا الأمر أصابني بنوع من الهستيريا، مع العلم أني أُصاب أحيانًا بنوبات عصبية نتيجة سنوات عصيبة أخرى أمضيتها منذ صغر سني عند خالة أخرى، أي أني لم أعد أقدر على التحمل، وأعصابي منهارة أصلًا حتى قبل الزواج.

الآن أصبحت أمقت خالتي، وكلما رأيتها أو حتى إذا سمعت صوتها أتذكر كلامها الجارح. إلى الآن لم أذق طعم الراحة في بيتي، ولم أجد السكينة في داخلي، حتى أن جسمي أصبح ضعيفًا وهزيلًا من كثرة التفكير.

أصبحت أفكر بسوداوية، وهروب، وانتحار، ولولا خوفي من ربي لكنت أصبحت في خبر كان. حاليًا أفكر في الطلاق، وأراه سبيلًا كي أجد راحتي المفقودة، وأريد أن أشير أني وزوجي متفاهمان -ولله الحمد-، لكن السبب أمه وعائلته الصغيرة.

أخاف أن أزيد تجرع مرارة الصبر، وأجد نفسي في نهاية المطاف طريحة الفراش أو مريضة نفسية، أحس بالتكسر والتحطيم الداخلي.
أرجوكم ما الحل؟

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

مرحبًا بك -أختنا الكريمة- في إسلام ويب، وردًّا على استشارتك نقول:
يقال في المثل (ما كان أوله شرط كان آخره سلامة)، فأنت وزوجك تزوجتما على هذا الشرط، وأمام الناس جميعًا كان هذا الشرط، واعلمي أن تصرفات أم زوجك ناتجة عن غيرتها منك، وهكذا بعض الأمهات يصبن بالغيرة من زوجات أبنائهنَّ كونهنَّ يخفن أن تستولي الزوجة على الولد.

وعلاج مثل هذه الحالة هو أن تتعاملي مع أم زوجك كما تعاملين أمك، وأن تنزليها بنفس المنزلة، وأن تتفهمي شخصيتها، وتتعرفي على طريقة تفكيرها؛ لأن هذا سيسهل تعاملك معها. والتعامل معها بندية سيخلق لك مشاكل لا تنتهي، وربما أدى إلى فساد حياتك مع زوجك.

حسن التعامل مع أم زوجك مفتاح من مفاتيح سعادتك؛ لأن تفاهمك معها سيكسبك حبها وسوف تقترب منك وتذلل لك كل الصعاب، وستخبرك عن زوجك وتعرفك بما يحب وما يكره، وتقص لك بعضاً من صفحات حياته في الصغرت، وتعرفك على كيفية تفكيره، وستعينك على فهم نفسيته، وسوف تقف دائمًا في صفك في حال حصول إي إشكال مع زوجك، ولن تحرضه عليك بل ستوصيه بك خيرًا.

إياك أن تتعاملي مع أم زوجك بندية، لأنك ستدخلين معها في صراع شديد سيفسد حياتك وحياتها، وعليك دوما أن تحملي تصرفاتها محملاً حسناً؛ لأنه كما يقال: وراء كل تصرف محمل حسن (بغض النظر عن نظرة الناقد لذلك التصرف).

دخول الصراع بين الزوجة وأم الزوج يدخل الزوج في صراع نفسي كبير قد لا يحسن معه إيجاد الحل؛ لأن كلا الطرفين محبوب عنده، فإن لم تكوني عوناً له على تجنب ذلك الصراع فسدت حياتكما، ودخلت معه في نفق الصراع اليومي والمشاكل التي لا تنتهي.

إنني أقدر ما مررت به من المشاكل قبل زواجك، وأسأل الله أن يكتب لك الأجر والمثوبة، ومع هذا فإن صبر الإنسان لا حدود له، والصبر يتعلمه الإنسان ويكتسبه اكتساباً، يقول ربنا سبحانه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا} [آل عمران: 200]. ويقول: {وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا} [طه: 132]. ويقول نبينا (ﷺ): (العلم بالتعلم والحلم بالتحلم ومن يتصبر يصبره الله)، الصبر عاقبته خير، كما قال يوسف عليه السلام: {إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ}.

ستصبحين يوماً ما أماً وحماة، ولذلك أنصحك أن تعاملي حماتك كما تحبين أن تعاملي إن أصبحت مكانها، فإن وجهتك بشيء فتقبلي توجيهها ولا تعارضيها، لأنها ستعينك على كسب رضا زوجك، ويستحيل أن تكون سبباً في تنغيص حياة ولدها.

لا تظهري مشاعرك تجاه زوجك أمامها، لأن ذلك يشعل غيرتها، وأكثري من الكلام معها أن زوجك يثني عليها ويمدحها، وأنه يوصيك بها خيراً، ويطلب منك الاستفادة من خبرتها وتجاربها في الحياة، فذلك سيطمئن قلبها ويخفف من غيرتها.

لا تتزيني لزوجك أمامها وأخري ذلك إلى حين الاختلاء به؛ لأن من جملة ما يشعل غيرتها تجملك أمامها، كونها ستلاحظ أنك خطفت نظرات ولدها، وصارت نظراته إليك أكثر من نظراته إليها، وهذا يشعل غيرتها، ولا بد أن توصلي هذا الكلام إلى زوجك، كي يحذر من الإكثار من النظر إليك، وأن يجعل أكثر نظراته إلى والدته.

تقربي منها وتوددي إليها، وأشعريها بحبك واستفادتك من خبرتها، وهذا سيهدئ من روعها ويخفف غيرتها.

كوني على يقين أنها إن اطمأنت من أنك ما سحبت ولدها منها، ستنقلب تصرفاتها رأساً على عقب، بل هي من ستقول لكما: استقلا في سكنكما، ولا بد أن يأتي ذلك الوقت، إن أحسنت التصرف، فبكسبك لودها ستجنين الصراع معها وستسعدين معها، وربما رفضت بعد ذلك الاستقلال بسكن خاص، كون الحياة صارت سعيدة وهذا ما نبحث عنه جميعا.

إن صدر منها تصرف قاس فتجنبيها ولا تصطدمي معها، فلعلها تشعر بخطئها فتأتي إليك معتذرة، خاصة إن كان ذلك بعد كسب ودها، أما في بداية التعامل معها فقد تكثر تصرفاتها المستفزة، فتعاملي مع ذلك بحكمة.

سليها عن الأفعال التي تحب أن تراها منك، والتي لا تريدها، كي تتجنبي كل ما يغير مزاجها ويغير تعاملها معك.

أكثري من الإهداء لها ما بين الحين والآخر، فالهدية تسل سخيمة الصدر وتكسب الحب وتوطد العلاقات، يقول نبينا (ﷺ): (تهادوا تحابوا).

انظري إلى الحياة بإيجابية، وتجنبي إعطاء نفسك الرسائل السلبية، فذلك يؤثر على حياتك، وكوني متفائلة، فالتفاؤل يفتح لك آفاقا واسعة ويشعرك بالطمأنينة.

كوني متأنية في تصرفاتك واجتنبي العجلة، يقول نبينا عليه الصلاة والسلام: (التأني من الله والعجلة من الشيطان).

عليك أنت وزوجك أن تكثرا من التضرع بالدعاء بين يدي الله تعالى في حال السجود، وأن تسألا الله تعالى أن يلين قلبها ويذهب غيرتها وأن يقذف حبك في قلبها، وأكثرا من دعاء ذي النون، فما دعا به أحد في شيء إلا استجاب الله له، يقول رسول الله (ﷺ): (دعوة ذي النون، إذ دعا وهو في بطن الحوت: لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين؛ فإنه لم يدع بها رجل مسلم في شيء قط إلا استجاب الله له).

أوصيكما بتوثيق صلتكما بالله تعالى، وأن تجتهدا في تقوية إيمانكما من خلال الحفاظ على أداء الفرائض واجتناب النواهي، وأكثرا من الأعمال الصالحة، فذلك من أسباب جلب الحياة الطيبة، كما قال تعالى: {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [النحل: 97].

أكثرا من تلاوة القرآن الكريم، وحافظا على أذكار اليوم والليلة تطمئن قلوبكما، كما قال تعالى: {الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} [الرعد: 28]

نسعد بتواصلك ونسأل الله لك التوفيق والسداد.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات