الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

كيف تتعامل امرأة مع زوجها القاسي وغير المسؤول؟

السؤال

السلام عليكم.

امرأة متزوجة ولديها ثلاثة أطفال، تزوجت مكرهة، وكارهة لزوجها لمعاملته السيئة للغاية لها، حتى الإنفاق هي التي تنفق عليه وعلى أولاده، وهو يعيش في خيرها فهو شخص أناني ولا يهمه إلا نفسه فقط في كل تصرفاته، بينما يظهر للآخرين أنه الحمل الوديع، فهو مخادع ويكذب على نفسه قبل أن يكذب على الآخرين، كل شيء يأخذه منها بالقوة، ويعتبرها ملكا له بدون أي اعتبار لإحساسها، يعاملها أسوأ من معاملة الحيوانات، يعتبرها آلة لا تكل ولا تمل.

أحست باستحالة معاشرته، طلبت الطلاق مرارا ورفض، وكذلك في أكثر من موقف قال لها: لو فعلت كذا فأنت طالق، ففعلت عمدا حتى تطلق، ولذلك أصبحت مطلقة طلاقا شفهيا ثلاث مرات، ولكنه لا يعترف بالطلاق، لأنه غير ملتزم دينيا، ولا يصلي، وقالت له: سأرفع قضية خلع، فهددها بالقتل إن فعلت ذلك، وكلما أظهرت له كرهها ضغط عليها بمعاملة الأولاد أسوأ معاملة، فهو يدرك جيدا نقطة ضعفها في أولادها، فهي تخاف عليهم وتحبهم كثيرا، وتدرك أنه يمكن أن يحرمها منهم، فهو يتصرف تصرفات البلطجة، ولا يهمه أحد.

وفي الجانب الآخر أهلها لا يقفون بجانبها، بل ويضغطون عليها للاستمرار معه، كما أجبروها من قبل على الزواج منه، هي الآن في عذاب شديد، لأنها لم تعد تقوى على تحمل المعيشة معه، وأصيبت من جراء ذلك بالضغط والسكر وأمراض القلب، وكل ما يهمها أن تربي أولادها بعيدة عنه، ولكنه يفرض نفسه عليها بالقوة، فما الحل؟

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ سالي حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

أهلا بك -أختنا الكريمة- في موقعك إسلام ويب، ونسأل الله أن يبارك في عمرك، وأن يكتب أجرك، وأن يعوضك خيرا فيما بذلت من معروف إنه جواد كريم.

أختنا الفاضلة: ابتداء نحن نتفهم تمامًا ما أنت فيه، وندرك الحالة النفسية التي تمرين بها، خاصة عندما تتذكرين ما بذلت من خير، وما قوبلت من سوء، وهذا وتر خطير يعمد إليه الشيطان ليباعد بين المختلفين أكثر فأكثر.

أختا الكريمة: ولقد حاصرت نفسك بين خيارين اثنين:
الأول: الطلاق أو الخلع.
الثاني: العذاب في الحياة في رجل ليس فيه كما ذكرت من صفات الخير شيء.

ونحن مع تفهمنا لهذين الخيارين لا غير، ومع تفهمنا لطبيعة المرأة حين يصيبها ما يؤذيها، ومع قولنا بأن لك الحق الشرعي في طلب الخلع إذا استحالت الحياة الطبيعية بينك وبين الزوج، لكن مسألة الاستحالة لا يفصل فيها طرف واحد، بل لا بد على الأقل أن يتفق الأهل أو على الأقل والداك على ذلك، فهما أحرص الناس عليك، وأفهمهما، لما يصلح لك وما لا يصلح، وقد علمنا أن الأهل ضدك في طلبك الطلاق، وإذا أخذنا في الاعتبار أنك لست محتاجة إليه ماديا، وأنك من تقومين بالنفقة عليه، فإنا نفهم أن قرار الأهل ليس نابعا من خوف عليكم أو الخوف من تشتت الأولاد أو ضياعك، وعليه فنحن نرى وجوب وضع خيار ثالث، والعمل عليه إبقاء لهذا البيت، وحفاظا عليه، مع ضرورة الحفاظ على كرامتك كزوجة.

ثانيًا: حتى نترك مجالا للخيار الثالث وهو الإصلاح، ننصحك -أختنا- بمزيد من الصبر الجميل، مع الاجتهاد في التغيير، ولا بد أن تعلمي أن الصبر ليس سلاحًا سلبيًا، وإنما هو سلاح إيجابي جدًّا؛ لأن النبي -صلى الله عليه وسلم – قد أمره الله به، فقال: {فاصبر صبرًا جميلاً} وقال له: {فاصبر الصبر الجميل} والنبي- صلى الله عليه وسلم– بشرنا بقوله: (واعلم أن النصر مع الصبر، وأن الفرج مع الكرب، وأن مع العسر يسرًا).

ثالثًا: الصبر يجب أن يسير معه اجتهاد في تغيير سلوك الزوج، وكذلك تغيير كل أمر سلبي يحدث في البيت من أي اتجاه، ولا بد هنا أن نؤكد أن التغيير أمر ميسور، لا يخدعنك الشيطان بقوله: لن يتغير أحدٌ! لا أبدًا، التغيير قائم، وكم من فاسد صار صالحًا، والقلوب بيد الله -عز وجل- يقلبها كيف شاء، لا تيأسي من روح الله، واعلمي أن هذه معركتك ولا بد أن تنتصري فيها بأي وسيلة وأي أسلوب، ولا بد أن تظفري بزوجك سالمًا، خاصة وبينك وبين الرجل أولاد منه، وعليه فإننا يجب أن نضع أهدافا ونعمل على تحقيقها:

1- الاجتهاد في زيادة معدل التدين عندك وعند زوجك، وتعميق الصلة بالله عز وجل.

2- الاجتهاد في ترسيخ مبدأ الحوار بينكما، على أن يتميز بالشفقة عليه، مع تقديرك له وإظهار حرصك عليه، وينبغي أن نحذرك من اتخاذ مواقف أو مواجهته بخطأ وقع فيه؛ مما يجعله في مواجهة نفسه، لا تجعليه في موقف الضعيف الذي لا يستطيع الإجابة عن نفسه؛ لأنه سيتحول ساعتها إلى إنسان ينتصر لنفسه بالباطل حتى يثبت رجولته، وسيقابلك بكلام قوي، لا لأنه معتقد فيه، ولكن فقط لإثبات رجولته وفحولته، وحتى يهرب من موطن الضعف هذا، وخير وسيلة إلى تجاوز تلك المرحلة معاملته بنوع عالٍ من التقدير له ولشخصه، مع عتب عليه بتذكيره بنفسه أيام كان متدينًا.

3- اجتهدي كذلك في إحياء ثقته بنفسه، وعمّقي فيه قدرته على التغيير وعودته أفضل مما كان، وامدحي فيه كل تغيير إيجابي.

4- اسأليه عن الأشياء التي يحبها أو التي يشعر أنك مقصرة فيها، وكذلك فتشي أنت في أي تقصير منك، وستجدين بعض القصور؛ فلسنا ملائكة.

هذه الأهداف وتلك الوسائل تحتاج إلى ثلاثة أمور:
1- الاستعانة ببعض من يحبهم زوجك، أو يحترمهم، من أهله أو من أصحابه أو شيخ المسجد الذي يعرفه، المهم الاستعانة بأي أحد بينه وبين صلة واحترام لمحاولة إصلاحه، وكل إنسان -أختنا- لا بد أن فيه نقاط ضعف، وزوجك كأي أحد فيه خير وفيه شر، استثمري الخير الذي فيه، ليزاحم الشر الذي معه.

2- إذا يأس الرجل من الإصلاح وأخرج أسوأ ما فيه، ونحن لا نريد ذلك لك ولا له، ولذلك افتحي له نافذة أمل، أشعريه بأن هناك فرصة يمكن أن تعيد البيت إلى نصابه أو قريبا منه.

3- ربط الصلة بينه وبين أولاده، ليستعيد دفء الأبوة من جديد، فالأبوة فطرة وهي قائمة فيه شاء أم أبى، وإذا تحركت نحو الاتجاه الصحيح أثمرت عن تغيير جزئي.

وأخيرًا: نوصيك بالابتعاد عن اليأس منه، كما نوصيك بالدعاء له والإلحاح على الله، خاصة في أوقات الإجابة أن يصلحه؛ ونحن في شهر كريم فلا تملي الدعاء له فقلوب العباد بين أصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كيف شاء، فأكثري من الدعاء، خاصة في أوقات الإجابة، وفي جوف الليل، ولا تيأسي من رحمة الله ولا تقنطي.

والله الموفق.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً