الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

فشل مشروع زواجي فتغيرت حياتي وأصبت بحزن واكتئاب!

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

جزاكم الله خير الجزاء على عمل الخير الذي تقومون به، وأرجو أن يتسع صدركم لسؤالي، وأعتذر لو أطلت.

أنا رجل بعمر 45 سنة، متعلم، والحمد لله، وأعمل وعندي دخل جيد -ولله الحمد- أعيش في بلد غربي، منذ أكثر من ست سنوات.

حصل معي حدث أثر في حياتي كثيراً، وهو فشل مشروعي في الزواج، ولم أهتم بالبداية، لكن بعد وقت قصير بدأت أشعر أني أضعت إنسانةً كنت أنتظرها منذ زمن طويل، وهي تزوجت ولها أسرة.

حاولت أن أنسى الموضوع، لكن بشكل لا إرادي أشعر بحزن وحسرة واكتئاب، وبدأت حياتي تتغير للأسوأ، وبقيت سنة كاملة تقريباً حبيس الغرفة التي أعيش فيها، حتى بعد أن بدأت أخرج وأعمل ما زال الحزن في نفسي.

بكيت وأبكي كثيراً، وفي بعض الأحيان أحس أني أريد أن أؤذي نفسي، فأضرب وجهي بيدي، ودعوت الله سبحانه وتعالى كثيراً، وكنت مداوماً على الصلاة، والنوافل، والواجبات الأخرى، وقراءة القرآن، لكن بعد المشكلة التي حصلت فترت همتي للصلاة، فتركت النوافل، ولم أصلِّ إلا الفرائض، مع كثير من الوساوس، وتركت قراءة القرآن الكريم.

ارتكبت المعاصي، وبدأت الوساوس تنتابني في كل شيء، وأصبحت شخصاً لا أحب التعامل مع أحد، فأنا أعمل لأحافظ على الدخل المادي.

أصبحت أشعر بضيقٍ عندما يأتي وقت الصلاة أو أذهب إلى صلاة الجمعة، أكلم نفسي، وأقول: إن الله سبحانه وتعالى قد غضب عليّ، ولن يقبل دعائي.

أعلم أن هذا يأس من رحمة الله، وقنوط، وأن الله لا يحب القانطين، لكن لا أعرف كيف أتغلب على هذا الشعور!

هناك من قال إن هذا سحر، لكن لم أرد أن أتواصل مع هؤلاء الأشخاص؛ لأنهم يتعاملون بالطلاسم وهذا من السحر، وهناك الكثير من الدجالين الكذابين.

لقد قرأت وسمعت الرقية الشرعية، لكن بدون نتيجة، وأشعر في كثير من الأحيان بالضيق عندما أسمع الأذان أو عند القيام للصلاة.

أنا أكتب لكم، وقد بكيت كثيراً، ولا أعرف كيف الخلاص من هذا الألم النفسي الذي أعيش معه منذ 6 سنوات وشهرين.

حاولت أن أتزوج، وأبدأ حياتي بشكل طبيعي، لكن هذه الفكرة تشعرني بالحزن والكآبة بشكل كبير، ولا أريد أن أظلم إنسانةً معي، وأنا في هذه الحال.

أدعو الله سبحانه وتعالى أن يجزيكم خير الجزاء، وأرجو أن يهديني الله، ويجعل في جوابكم الشفاء.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ أمين حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

أهلاً بك -أخي الكريم- في موقعك إسلام ويب، وإنا نسأل الله الكريم أن يبارك فيك، وأن يحفظك، وأن يقدر لك الخير حيث كان، وأن يرضيك به.

بخصوص ما تفضلت به اعلم -أخي- أننا نتفهم حديثك، وندرك معاناتك، ونكاد نرى من سياق حديثك كيف كبل الشيطان تفكيرك، حتى حصرك بين أمرين، النجاة في غيرهما لا محالة!

نعم أخي: إن الشيطان هو أمكن ما يكون حين يرى ضعف من أمامه، وتزداد قوته حين تتم محاصرته لك بين أمرين لا خروج منهما، ولا بد أن نتفهم هذه النقطة لأنها فيصيلة في حياتك.

حزنك على الفتاة لأمرين:
1- ضياع من كنت تتمناها زوجةً، وفيها كل صفات رغباتك.
2-استحالة وجود فتاة مثلها.

انظر -أخي- إلى تلك الدائرة، لن تجد مثلها، وقد ضاعت منك! النتيجة: اكتئاب، حزن، كسل، عدم رغبة في الحياة...الخ والقائمة تطول.

الخلل هنا في حصارك بين الأمرين، مع أن الأصل أن نسأل أسئلة أخرى:

1- من الذي حكم بأنها كانت الأفضل لي؟
2- كيف نحكم بالاستحالة على ما لم ندرك ولم نحط به علماً؟

أخي الكريم: تسليمك بأن الفتاة كانت الخير لك رجم بالغيب مصدره الشيطان، يريد أن يعمق هذا الوهم ليحزنك، ويصيبك بالهم والغم الذي لا ينفك عنك، وسيلجأ في سبيل ذلك إلى تذكيرك ببعض الصفات الجيدة فيها؛ لتزداد الرغبة، وتنعدم الحيلة، ويقوى اليأس، وكل ذلك وهم!

أخي، اسمع منا هذا الكلام بعقلك وقلبك:

1- أقدار الله للعبد هي الخير له لا محالة، وما صرفه الله عنك فيه السلامة لك بلا شك، والإسلام علمنا أن العبد قد يتمنى الشر يحسبه خيراً ولا يعلم، وقد يرفض الخير يحسبه شراً ولا يدري، وهذا في قول الله تعالى: (وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ)، فالمصروف عنك قطعاً هو الخير لك.

2- من كتبها الله لك زوجةً لن تكون لغيرك، ومن كتبها الله لغيرك لن تكون لك، فقد فرغ الله من كتابة مقادير ابن آدم قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة، فعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (فَرَغَ اللَّهَ تَعَالَى مِنْ مَقَادِيرِ الْخَلْقِ، قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ بِخَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ، وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ)، وهذا يهدئ روعك، فأنت لم تفرط فيها كما توهمت، بل هي لم تكن لك وحسب، وهذا هو الخير لك.

3- الخير لا ينقطع في أمة محمد قط، والدنيا فيها الخير والشر، والصلاح والفساد، لكن تحتاج حتى تحظى بهذا الخير إلى أمرين:
- صلاح نفسك.
- التخلص من ركام التاريخ ورواسب الأوهام، وهو أمر ميسر إذا قمت بما يلي:

1- الإيمان الجازم بأن أقدار الله نافذة، وأنها الخير للإنسان.
2- التخلص من كل متعلقات عندك تخص تلك الفتاة.
3- عدم التفكير فيها أو السؤال عنها.
4- البحث بجدية عن فتاة صالحة دينة، وفيها ما يرغبك في الزواج منها، وهنا لا بد أن نؤكد على أمرين:
- ليس في الدنيا امرأة كاملة؛ فلا تكن مثالياً في طرحك، بل كن واقعياً، واعلم أن الزواج الطبيعي يقوم على أغلب ما نرجو لا كل ما نرجو؛ إذ إن اجتماع كل الخير في شخص محال.
- تذكر كذلك أن السن له دوره، فالآن أنت -والحمد لله- في سن يسمح لك بالاختيار، ومن مهام الشيطان أن يثبطك، ويزهدك، ويصرفك عن الزواج، حتى تتجاوز الخمسين؛ لتقل الفرص وتضعف الخيارات، ومن ثم يعظّم منك مفقودك حتى يصيبك بالهم فانتبه.

5- اعتمد على الاستشارة والاستخارة قبل الفعل؛ فهما الخير لمن قصد الزواج، وفيهما الصلاح له.
6-لا تخبر الزوجة الجديدة بما كان معك، واحرص على الابتعاد عن المقارنات؛ فمن تعيش معها ستعرف إيجابياتها وسلبياتها، وتلك طبيعة كل امرأة، فاحذر المقارنة، واعلم أنك لن تعرف سلبيات من مضت؛ لأنك لست زوجها؛ ولأن الشيطان يريد تعظيمها في نفسك.

7- حافظ على الرفقة الصالحة، وأعد الاقتراب من تدينك، وأكثر من الدعاء لله أن يهديك إلى الرشاد والصلاح، وستجد عاقبة ذلك خيراً، بعون الله.

نسأل الله أن يصلحك، وأن يرزقك الزوجة الصالحة.

والله الموفق.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً