الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أختي ساخطة على مولودها لأنه مصاب بمتلازمة داون!

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

أختي تبلغ من العمر 34 عاماً، تزوجت قبل 6 سنوات، وأنجبت بنتاً خلال السنة الأولى من الزواج، بعد سنة حاولت أن تنجب مرة أخرى، ولكن لم تنجح المحاولات، بعد ثلاث سنوات من العلاج، أجرت عملية زراعة وأنجبت ولداً يعاني من متلازمة داون في رمضان، ومنذ ذلك الحين بدأت المعاناة.

أختي ترفض هذا الطفل كلياً، ولا ترغب في وجوده في حياتها، تتصرف بقسوة تجاهه، أحياناً تضربه وهو لا يتجاوز الأربعة أشهر، ولديها أفكار خطيرة مثل: التخلص منه وقتله.

تشعر بالحزن العميق وتراودها الكوابيس، وتبكي باستمرار. تحاول ممارسة أعمالها اليومية مثل تحضير الطعام والذهاب إلى المناسبات الاجتماعية، لكنها لا تريد الطفل وتدعو عليه ليل نهار، تشعر بأن الله خذلها، رغم أنها استمرت بالدعاء والذكر وقراءة القرآن والصدقات، بنية أن يرزقها الله بولد طبيعي، أصبحت مشكلتها أيضاً إيمانية.

عرضناها على طبيبة نفسية، التي وصفت لها أدوية مثل: Seroxat 20mg وSerquel 25mg، لكنها عانت من أعراض جانبية شديدة مثل العصبية وصداع الرأس، وتوقفت عن تناول الأدوية تدريجياً من دون استشارة الطبيبة.

نحتاج إلى نصائح حول كيفية التعامل معها ومع ما تمر به، وهل هي بحاجة إلى علاج نفسي؟ وما هو العلاج المناسب في حالتها؟ علماً أن زوجها وأهل زوجها مؤمنون وراضون بقضاء الله وقدره، وأهلي يدعمونها نفسياً ومعنوياً، ونحن جميعاً نقف معها في محنتها.

شكراً لكم.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ رفيف حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

نرحب بك في إسلام ويب، ونشكرك كثيرًا على ثقتك في هذا الموقع، وكذلك على اهتمامك بأمر أختك، التي نسأل الله تعالى لها العافية.

طبعًا هذه الأخت كأمّ عانت من العقم الثانوي، وبعد ذلك بحثت عن طريقة تسهل لها الحمل، وقامت بما يعرف بأطفال الأنابيب، وهو أمر مشروع جدًا، وقطعًا حين حدث الحمل تكون في حالة من السرور، وفي حالة من التفاؤل والانشراح، ثم شاء الله أن حدث أن المولود كان مصابًا بمتلازمة داون، وهي علّة رئيسية جدًّا -طبعًا-.

فهذه الأم دخلت في حالة من الحزن والكدر الشديد والمطبق؛ ولذا أصبحت تعبر عن ذلك من خلال رفضها التام للمولود. ليست لديها كراهية في قلبها تجاه الطفل، ولكن أخذها الكدر والسوداوية الشديدة، وسيطر عليها الحزن واليأس الشديدان فرفضت الطفل، وهذه الحالات نراها وإن كانت قليلة.

نحن لا نريد أبدًا أن نشعر هذه الأم بأنها ضعيفة الإيمان، أو شيء من هذا القبيل، لا، لا نشعرها بذلك، لكن نحاول أن نحثها على قبول هذا الواقع ونشجعها، وأنا متأكد أنها ستجد المساندة من الجميع، ويجب أن تعرف أن هذا المولود بالنسبة لها هو نوع من الابتلاء ونوع من الاختبار، وعليها أن تعِدَّ العدة للصمود وللوقوف الصحيح وللاهتمام بهذا الطفل؛ لأن تقصيرها في حقه سوف يُشعرها بالذنب الشديد في يومٍ من الأيام.

يجب عليها أن تتدارك ذلك؛ أنه يومًا ما ستتجاوز هذا الوضع. ويجب أن تعرف أن هناك طرقًا وسبلًا كثيرة لرعاية هؤلاء الأطفال، وهذه الحقائق يجب أن تُوضَّح لها، وقطعًا هي بحاجة إلى المساندة منكم كعائلة وأسرة، وهذا بالفعل يحدث، وهذا شيء طيب.

لكن أيضًا إذا تواصلت مع بعض الداعيات، أو انضمت لمراكز تحفيظ القرآن، فهذا أيضًا -بإذن الله تعالى- سيساهم في تحقيق نوع من التفريغ النفسي الإيجابي بالنسبة لها.

بالنسبة للأدوية النفسية مثل: الزيروكسات وخلافه، أنا لا أعتقد أن الأدوية النفسية سيكون لها دور كبير في حالتها، لكن إذا كانت تعاني من اضطرابات في النوم، أو قلق شديد، ففي هذه الحالة يمكن أن تُعطى بعض الأدوية، وما دام الزيروكسات لا يناسبها- وكذلك السوركويل- فيمكن أن تنتقل إلى بدائل أخرى مثل عقار (سيبرالكس)، أو عقار (زولفت)، وطبعًا هذا بعد استشارة الطبيبة.

يجب على هذه الأخت أن تقرأ عن متلازمة داون، وأن تطّلع على المراكز العالمية وجمعيات الدعم لهذا النوع من الأطفال.

كما يجب أن تستفيد من تجارب الأمهات الأخريات، سواء عبر الإنترنت أو اليوتيوب، حيث ستجد تجارب عظيمة جدًا لأمهات من مختلف الدول، سواء في الدول الغربية أو الإسلامية، سوف تجد أن رعاية هؤلاء الأطفال تتم بصورة ممتازة، بل على العكس، كثير من الأسر ترى أن هذا الطفل هو باب من أبواب الخير قد فُتح لهم، فيجب ألَّا يُغلقوا هذا الباب.

لذلك يجب أن نحرص على عدم إشعارها بالقلق، فهذا هو الموقف الصحيح في كيفية التعامل مع هذه الحالة.

أمَّا إذا كانت هذه الأم تشكل خطورة على سلامة هذا الطفل، ففي هذه الحالة يجب أن تتخذ الإجراءات القانونية، ويجب فصل الطفل عنها تمامًا، وأنتم مكلفون بذلك، هذه الأمور لا يجب التهاون فيها أبدًا، ويجب حماية هذا الطفل ما دامت ترفضه، ما دامت لا تعامله المعاملة الطيبة، وهذا يعني أنها تُوقع به الأذى، ففي هذه الحالة يجب أن يتولى شخص آخر رعايته، ويجب أن تتقدموا إلى السلطات، أو بموافقتها يجب أن تتم رعاية هذا الطفل كرعاية بديلة، في أحد المراكز، أو عن طريق إحدى أخواتها (خالاته) أو عن طريق والدتها، أو عمَّاتها، المهم هو أن توفّر له رعاية بعيدة عنها، ويجب أن تحسُّ بذلك، يجب أن تُبلّغ أنها غير مؤتمنة على هذا الطفل، لذا الطفل يجب أن يُرعى رعاية بديلة -كما نسميها- وهذا الطفل له حق في الحياة مثل بقية الأطفال.

بارك الله فيك، وجزاك الله خيرًا، وبالله التوفيق والسداد.
_________________
انتهت إجابة د. مأمون مبيض الاستشاري النفسي، وتليها إجابة د. أحمد الفرجابي المستشار التربوي والشرعي.
________________
مرحبًا بك -أختي الفاضلة- في استشارات إسلام ويب.

نسأل الله أن يأجرك على سعيك في التخفيف عن أختك، فهذا دور مهم للأسرة في مساندتها خلال هذه الظروف الصعبة، فهذا الأمر يتطلب صبرًا وإيمانًا عميقًا، فهو ابتلاء وامتحان بلا شك، كما أن الوعي التام من الشخص ومن يحيط به يساهم بشكل كبير في التخفيف من آثار هذا الأمر، ويساعد على تجاوز الكثير من العوائق، يمكنكم المساهمة في التخفيف من هذه الصدمة على أختك باتباع بعض النصائح، ونسأل الله أن يعينكم ويوفقكم لذلك.

أولاً: تدعيم الإيمان بقضاء الله وقدره، وذلك من خلال جلسات هادئة بالحوار والنقاش، أو من خلال اصطحاب أختك لسماع المحاضرات والمواعظ. يتم التأكيد على نظرة الإنسان القاصرة للأمور، وأن هناك العديد من النماذج لأشخاص مروا بتجارب مشابهة وانعكس الأمر لديهم إلى حب ورضا وسعادة، إبراز هذا الجانب، مع التأكيد على التسليم بقدر الله؛ يعزز الإيمان ويساعد في التخفيف من هذه الصدمات، قال تعالى: (وعسى أن تكرهوا شيئًا وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئًا وهو شر لكم والله يعلم وأنتم لا تعلمون)، كذلك: تذكيرها بخطورة السخط والقنوط من رحمة الله، وأن الإيمان والرضا يظهران عند الصدمة الأولى، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (عجبًا لأمر المؤمن، إن أمره كله له خير، وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن، إن أصابته سراء شكر فكان خيرًا له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرًا له)، وقال أيضًا: (ما يصيب المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم، حتى الشوكة يشاكها إلا كفّر الله بها من خطاياه).

ثانيًا: العلاج المعرفي السلوكي، يركز هذا العلاج على تحديد الأفكار السلبية التي تراود أختك مثل: "لماذا حدث هذا لي؟" أو "لن أكون قادرة على رعاية هذا الطفل" أو "كيف أواجه نظرة المجتمع؟"، بعد التعرف على هذه الأفكار، يتم العمل على إعادة صياغتها بأفكار أكثر إيجابية وواقعية، مثل: "سأتعلم كيفية رعاية طفلي، وسأجد الدعم الذي أحتاجه"، و"مستقبله غيب فلماذا أحكم الآن؟"، تدعيم الجانب الإيجابي ومحاولة التكيف مع الواقع الجديد يساعد في تخفيف تأثير الصدمة.

ثالثًا: استراتيجية التكيف، من خلال تعليم أختك كيفية إدارة القلق والتعامل مع التعب النفسي، بالتفكير بطريقة أكثر تنظيمًا وإيجابية وبساطة. محاولة التفكير خارج دائرة الصدمة والغضب يساعد في تخفيف الأثر النفسي.

رابعًا: الدعم العاطفي من العائلة، في هذه المرحلة تحتاج أختك إلى دعم كبير منكم لتجاوز مخاطر هذه المرحلة، يتضمن الدعم تطبيق كل ما سبق بشكل مستمر، ومحاولة دمج أختك في الفعاليات الاجتماعية والأسرية حتى تخرج من هذه المرحلة الحرجة.

خامسًا: المراقبة والرعاية، فهذه المرحلة تتطلب رقابة، فقد تتسبب ردود فعل عنيفة تجاه الطفل في نتائج لا تُحمد عقباها.

أخيرًا، أختي الفاضلة: هذه المشاعر تتكرر مع كل أم تبتلى بمثل هذا الأمر، لذا فإن إحاطة أختك بالرعاية والوقوف معها في هذه الشدة، ومساعدتها على التأقلم والتكيف الإيجابي؛ كلها أمور مهمة جدًا، أيضًا: الدعاء والصبر والتدرج؛ كلها تسهم في التخفيف من نتائج هذه المشكلة وتحويلها إلى جوانب إيجابية بإذن الله.

وفقكم الله وأعانكم على الخير.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً