الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أشعر بخيبة أمل وضيق صدر لعدم التوفيق.. ما نصيحتكم؟

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

تعرضت لظروف صعبة من مرض والدتي لفترة طويلة جدًا، ثم وفاتها رحمها الله، وكنت شديدة التعلق والحب لها، وهي كذلك بفضل الله، وكانت تدعو لي بالخير.

وأنا فتاة أبلغ 32 عامًا، وكل ما جاء أحد ليتقدم لي يكون أقل مني مؤهلاً أو إن كان أعلى فلا يعود، أشعر بخيبات متتالية وضيق في الصدر إذا تقدم لي أحد عمومًا، وأشعر بهّم ثقيل في صدري، فهل إذا دعوت الله بأني تعبت، وأُرهقت، وتعوذت بالله من جهد البلاء أكون متسخطة على قدر الله؟

أخشى أن يكون علي غضب من الله، والعياذ بالله تأتي في مخيلتي أشياء عديدة أخشاها، ألتزم الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم والاستغفار والحوقلة، وأنا أحفظ كتاب الله؛ لكني دائمًا أخاف من المستقبل، أو أني لا أُوفق في الحياة، فهل ذنوبي قد تكون سببًا في ذلك؟ ولكني أرجو رحمة الله وغفرانه، وأخشى عذابه!

ماذا أفعل وقد أُغلقت جميع الأسباب الأرضية من حولي، ولا أملك الوظيفة رغم أني مهندسة عمارة داخلية (ديكور)، وعملت قبل ذلك قبل مرض والدتي رحمها الله، لكن حتى الآن لا أجد ما يتناسب مع الضوابط الشرعية.

أشعر أن من حولي قد وفِقوا في حياتهم، وهذا ليس اعتراضًا على الله وعلى قدر الله، لكن أخشى أن أكون معاقبة من الله.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ محبة القرآن حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

مرحبًا بك -ابنتنا العزيزة- في استشارات إسلام ويب.

نحن نُدرك مدى الضيق الذي تعيشينه -ابنتنا الكريمة-، فهو واضح جدًّا من خلال الكلمات التي سطّرتها في استشارتك، ولكن جلاء صدرك وانشراحُه وراحةُ قلبك إنما تكون بالإيمان المطلق بقضاء الله تعالى وقدره، وأنه سبحانه وتعالى رحيم، حكيم، وأنه أرحم بك من نفسك، وأعلمُ بمصالحك، فإذا آمن الإنسان بقضاء الله وقدره وأن كل شيءٍ قد كتبه الله، ولا يمكن أن يقع في هذا الوجود إلَّا ما علمه الله سبحانه وتعالى، فإذا آمن بهذا استراح، وعلم أن المُقدَّر سيكون لا محالة، وأن هذا المُقَدَّرُ هو مُقدَّرٌ وفق رحمة الله تعالى وحكمته، والله سبحانه وتعالى قد يُقدّر على هذا الإنسان بعض المكروهات، فيحرمه ويمنعه من أشياء ليعوّضه عنها بما هو أتمّ وأكمل، وقد يُصيبه ببعض الأوجاع والأمراض ليُثيبه على هذه الأوجاع، بما هو أكمل سعادة وأتمُّ فرحًا وسرورًا، فالله سبحانه وتعالى حكيم، يضع الأشياء في مواضعها، حكيمٌ يُقدّرُ على الإنسان ما هو مصلحة له وما هو داخلٌ تحت قدرته.

ففوضي أمورك إلى الله، واعلمي أنه أرحم بك من نفسك، وأنه يختار لك الخير، وهذا لا يعني أن تتركي الأخذ بالأسباب المشروعة المباحة، فإن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (وفي كل خيرٍ احرص على ما ينفعك واستعن بالله ولا تعجز)، فهذه وصايا نبوية قيّمة، ينبغي أن يجتهد الإنسان في تحصيل النافع، وهذا معنى (الحرص).

والوصية الثانية في هذا الحديث: أنه ينبغي على الإنسان أن يُكثر من الاستعانة بالله، فإن الله سبحانه وتعالى هو الفاعل على الحقيقة، وهو سبحانه وتعالى على كل شيءٍ قدير، فينبغي للإنسان أن يُكثر من الاستعانة بربه، ويطلب منه تحقيق آماله وما يُصلح حاله في دنياه وفي آخرته، ويُكثر من الدعاء فإن الدعاء من أعظم الأسباب.

والوصية الثالثة في هذا الحديث هي (ترك العجز): بأن يقوم الإنسان ويتحرّك وينهض لتحصيل ما ينفعه.

فأنت إذا سلكت هذا الطريق فإنك ستصلين -بإذن الله تعالى- إلى حالة عظيمة من الاستقرار والاطمئنان وانشراح الصدر، فأكثري من دعاء الله، وأكثري من التوبة والاستغفار، وتوبي إذا وقعت في خطيئة أو ذنب، فإن الذنب من أسباب الحرمان، كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (إن العبد ليُحرَم الرزق بالذنب يُصيبُه).

وأمَّا تعوّذك بالله من جهد البلاء، وكثرة دعاء الله تعالى بأن يزيل عنك التعب والإرهاق وضيق النفس، وأن يُقدّر لك الخير: فهذا شيءٌ حسن، ليس من التسخُّط على قدر الله أبدًا، فينبغي أن تُكثري منه، وينبغي أن تُحسني ظنَّك بالله، فإن حُسن الظنِّ بالله مفتاح كل خير، ولهذا قال النبي -صلى الله عليه وسلم- في الحديث القدسي يقول الله تعالى: (أنا عند ظنّ عبدي بي، فليظنّ بي ما شاء)، فاحذري من أن يُسيطر الشيطان على قلبك ويملأه سوء ظنٍّ بالله، فإن الله تعالى لا يُعجزه أبدًا أن يُجيب دعائك، ولا يُعجزه أن يرزقك زوجًا صالحًا، فكلُّ شيءٍ يسيرٌ عليه سبحانه وتعالى، ولكنّه يُقدّر لك ما فيه خيرُك وصلاحك.

فأكثري من دعاء الله تعالى، وتضرّعي إليه في جوف الليل الآخر، وفوضي الأمور إليه، ولا تُبالغي في وصف مَن يتقدّم لك بالزواج، فإذا كان مرضيًّا في خُلقه ودينه، وكان قادرًا على أن يُنفق عليك النفقات الواجبة؛ فإن التردد بعد ذلك في قبوله ليس صوابًا، ولا ينبغي أبدًا أن تكون الصفات التي تنتظرينها منه أن يكون مثلك في المؤهل أو أعلى منك؛ فإن الله سبحانه وتعالى قد يرزقك زوجًا يُوقّرُك ويُجِلُّك ويُعظّم من شأنك لكونه أقلَّ منك مؤهلاً دراسيًّا، فلا ينبغي أبدًا أن تترددي لهذا السبب.

نسأل الله سبحانه وتعالى أن يُقدّر لك الخير حيث كان.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً