الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أصبحت متعبًا نفسيًا طوال الوقت وأتمنى الموت، فما الحل؟

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

أنا شاب خرجت من بلدي مع أهلي لدولة أجنبية بعيدة، منذ ثمانِ سنوات تقريبًا، ولم أذهب إلى المدرسة طوال هذه الفترة، وليس عندي أصدقاء، وجالس في الغرفة طوال الوقت، ولا أعلم إن كان هذا سبب مشكلتي؟

ومنذ ستة أشهر أصبحت متعبًا نفسيًا ومكتئبًا، وحزينًا طول الوقت، لدرجة أنه أصبحت لدي رغبة في الموت، وفراق هذه الدنيا؛ لأني أرى أن هذه الحياة دار مؤقتة، ومليئة بالمشاكل، ولا تستحق أن نتعب أنفسنا ونتصارع عليها، كما أن عندي خوفًا من الفتن القادمة في هذا الزمان، ومن أن يموت شخص عزيز علي تركته في بلدي وأنا بعيد عنه.

أنا عندي حسن ظن كبير بالله، ولست يائسًا من رحمته، وأنني إذا مت الآن فسيدخلني الله الجنة، وسأرتاح من هذه الدنيا، ولن أرى فيها متاعبًا.

أنا حزين على نفسي؛ لأني أصبحت شخصًا انطوائيًا، وشخصيتي ضعيفة، وقليل الكلام، حتى مع أبي وأمي، ولا أستطيع التحاور مع الناس، وأشعر أني مستحقَر من نفسي، ومن مَن حولي.

حتى في الصلاة، وقراءة القرآن، لا أخشع ولا تدمع عيني، ولا أي شيء.

ليس عندي هدف في الحياة، وحياتي عبارة عن أكل ونوم، وأهلي يلومونني، ويضغطون عليَّ نفسيًا بالكلام الجارح، لكن ليس عندي خيار آخر؛ لأني لا أحب إلا الجلوس مع نفسي.

أنا محافظ -بفضل الله- على الصلوات، والنوافل، والقرآن، وأجتهد في طلب العلم، لكني مع هذا لا أشعر أني مرتاح نفسيًا، وأشعر أني قريب من الله، وجاهز لملاقاته.

الخلاصة: أنا لا أريد العيش في هذه الحياة بدون سبب.

بارك الله فيكم.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ أنس حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

مرحبًا بك -ولدنا الحبيب- في استشارات إسلام ويب.

نحن سعداء بالتواصل معك، ونسأل الله سبحانه وتعالى أن ييسّر أمورك، ويزيل عنك كل همٍّ وحُزن.

نحن نُشاركك الشعور برحمة الله تعالى، وفضله، وإحسان الظنّ به، وأنه سبحانه وتعالى رحيمٌ ودود، وحُسن الظنّ بالله سببٌ جالبٌ لكل الخيرات، فقد قال الله تعالى في الحديث القدسي: (أنا عند ظنّ عبدي بي، فليظُنّ بي ما شاء)، فحُسن ظنّك بالله تعالى أمرٌ حسن، وسيقودُك -بإذن الله تعالى- إلى كل خير.

ولكن عليك أن تحذر من مخادعة الشيطان وإغوائه وتلبيسه، فإنه يحاول أن يُظهر لك ارتكاب الجرائم وفعل الموبقات على أنها سببٌ وسبيلٌ للتخلص من المعاناة والآلام، وستنقلك إلى رحمة الله تعالى وفضله؛ فجريمة قتل النفس جريمة كبيرة، وصاحبها موعود بالنار، فقد قال النبي ﷺ: (‌مَنْ ‌قَتَلَ ‌نَفْسَهُ ‌بِحَدِيدَةٍ فَحَدِيدَتُهُ فِي يَدِهِ يَتَوَجَّأُ بِهَا فِي بَطْنِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا)، وهكذا ذكر أصناف المنتحرين الآخرين، من يقتل نفسه بالسُّم، أو يتردّى من مكانٍ مرتفع، وأخبر عنهم جميعًا بأنهم مُخلّدون في النار، فهذا وعد الله تعالى لمن فعل هذا الذنب العظيم، فاحذر من أن يجرّك الشيطان إليه فتنتقل من حياةٍ فيها آلام يسيرة، وهموم قليلة، إلى حسرات وآلام وعذاب طويل، وقد لا ينقطع.

احذر من استدراج الشيطان لك، وما أنت فيه من الانقطاع والاكتئاب يمكن أن يُعالج بالطرق الصحيحة التي تتخلص بها ممَّا أنت فيه، فوسائل التواصل اليوم قرَّبت البعيد، وسهّلت الصعب، فيمكنك أن تتعلَّم من خلال وسائل التواصل وشبكة الإنترنت، ويمكنك أن تتواصل مع الصالحين، وتُنشئ علاقات مع أُناس كثيرين وأنت في بيتك.

كما أنه يمكنك أن تبحث عن الأصدقاء في المنطقة التي أنت فيها، من خلال المراكز الإسلامية في البلد الذي أنت فيه، فتوجّه إلى المراكز الإسلامية، وتعرَّف إلى مَن فيها من الطيبين والصالحين، ولا بد أنك ستجد رفقةً يُعينونك على الحق والخير.

واحذر كل الحذر من أن يجرّك الشيطان إلى ما لا تنفع بعده الندامة، وحاول إن استطعت أن تعرض نفسك على أطباء نفسيين؛ لإعانتك وتيسير إعادة الجسم إلى اعتداله إن كان قد طرأ عليه خلل، أو خرج عن الاعتدال، فإن النبي ﷺ يقول: (ما أنزل الله داءً إلَّا وأنزل له دواء)، ويقول: (تداووا عباد الله).

نسأل الله بأسمائه وصفاته أن ييسّر لك كل عسير، ويصرف عنك كيد الشيطان ومكره.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً