الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

كيد الشيطان يستحوذ عليّ عند رؤية حوادث القتل والظلم!

السؤال

منذ فترة تراودني أفكار سوداوية غريبة، كلما رأيت حوادث اغتصاب، أو قتل، أو نحوه؛ أشعر بحزن شديد، وتساؤل عن سبب كل ذلك، أنا مؤمنة بالله، وأن الأنبياء أنفسهم أوذوا، وأن الله يعوض الإنسان بالنسيان والتعويض، وكثير من الناس يتعايشون مع ذلك، لكن تهاجمني الوساوس جدًا، أعلم أن كيد الشيطان هو السبب، لكن لا أستطيع دفع الضيق عني، نعم الله كثيرة جدًا، لكني أصبحت أشعر بالاكتئاب، ولا أفرح حتى لو حصل ما أريد.

لدي ضيق في معظم الوقت مهما حاولت دفع هذه الأفكار، أعلم حرمة ذلك، وأشعر بالاحتراق، ولا أدري ماذا أفعل؟ الأمر صعب فعلاً، وأفكر في رؤية طبيب نفسي.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ Maryum حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

أرحب بك في إسلام ويب، وأسأل الله لك العافية والشفاء والتوفيق والسداد.

أيتها الفاضلة الكريمة: حقيقةً أنا لا أراك مريضة نفسيّا أبدًا، لكن طبعًا لا بأس أن تذهبي لمقابلة طبيب نفسي، ومن وجهة نظري: أنت شخص حسّاس، درجة الضميرية لديك عالية جدًّا، وهذا - إن شاء الله تعالى - شيء طيب، وطبعًا مشاهدة حوادث الاغتصاب والقتل؛ هذه فعلًا بشعة، كل إنسان صاحب ضمير يجب أن يحس بشيءٍ من الأسى والحزن على الذي يحدث، وهذا القتل الذي نشاهده صباحًا ومساءً، والظلم الذي يقع على كثير من الناس؛ هذا يجب أن نتأثّر ونحزن له، لكن ليس الحزن المطبق الذي يُعطّل حياتنا، ندعو لهم، نسأل الله تعالى أن يحميهم، وهكذا.

فإذًا أنت محتاجة ليس فقط أن تستكيني للحزن الشديد، إنما يكون هنالك إجراء من جانبك، الدعاء لهؤلاء الضحايا مثلًا، فالوسطية في الفكر مهمّة جدًّا في مثل هذه الحالات، وأنت ذكرت أن كثيرًا من الناس يتعايشون مع ذلك، نعم؛ الإنسان أصلًا من طبيعته أن لديه قدرة على التكيُّف والتواؤم، حتى مع الأحداث البشعة، طبعًا الناس تتفاوت في ذلك.

فأنا أدعوك لتفهم هذا الأمر، خاصة المصائب والحوادث والكوارث والفظائع التي تكون عامّة، كالحروب مثلًا والظلم الذي يقع على كثير من الضحايا، هذا أمرٌ عام، لا يخصّك أنت فقط، أن تُعبّري عمَّا بوجدانك، عن أحزانك حول هذا الموضوع، لكن يجب أن تفهمي أن هذا أمرٌ شائع وأمرٌ عام، وأنت لم تُساهمي فيها أصلًا، ولم ترتكبي خطأً، ادعي لهم، سلي الله أن يصرف عنهم ذلك، أن يرفع عنهم هذا البلاء، وأن يكشف الغمة عن الأمة، هذا يكفي تمامًا، هذا من وجهة نظري.

طبعًا هذه المشاعر الشديدة لديك ربما يكون أيضًا سببها أن لديك أصلًا قابلية للعسر المزاجي، وأنا ذكرت لك أن شخصيتك حساسة، وأنت في عمر لم تبدأ فيه التغيرات الفسيولوجية عند النساء، لكن يُعرف أن النساء ما بعد سن 35 يتعرضن للإصابة بنوبات الاكتئاب، هذه موجودة -حقيقةً-.

أرجو ألَّا تنزعجي لكلامي هذا، أنت لست مكتئبة اكتئابًا حقيقيًّا، لكنك ربما تكونين على حافة ذلك، فأرجو أن تحاولي أن تتعاملي مع هذا الأمر ليس بهذه الطريقة، إنما من خلال تغيير الفكر الذي يقوم على ما ذكرته لك، وفي ذات الوقت ليس هنالك ما يمنع أن تتناولي أحد مُحسّنات المزاج البسيطة.

الذي تعانين منه ليس وساوس، إنما هي أفكار فيها كدر وفيها حزن، وإن كانت ليست قائمة على أساس الوساوس، والوساوس ليس لها أساس أصلًا، تناولي دواء مثل: الـ (سيرترالين)، وإن ذهبت لمقابلة طبيب نفسي، فهذا يكون أمرًا جيدًا.

السيرترالين يُسمّى (لوسترال)، وفي مصر يوجد منتج محلي يُسمى (مودابكس) من الأدوية الخفيفة والجيدة والسليمة وغير الإدمانية، والتي لا تؤثر أبدًا على الهرمونات النسائية.

بصفة عامة - أختي الكريمة - أيضًا يجب أن تنتشلي نفسك من القوقعة حول الفكر السلبي، فكر الاكتئاب، بأن تكون لك أنشطة حياتية، أن تمارسي الرياضة، أن تُحسني إدارة وقتك، أن تكوني إنسانة فعّالة فيما يتعلق بأخذ المبادرات الإيجابية، أن تدخلي نفسك في مشروع مثلًا كحفظ أجزاء من القرآن الكريم ...؛ لابد أن تجعلي حياتك مفعمة بالإيجابيات وبالإنجازات، الفكر الوسواسي أو الفكر الاكتئابي يتسرّب إلى نفوس الناس من خلال الفراغ الزمني أو الفراغ الذهني، والذي يجعل لحياته معنىً قلَّ ما يأتيه الاكتئاب.

بارك الله فيك، وجزاك الله خيرًا، ونشكرك على الثقة في إسلام ويب.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأكثر مشاهدة

الأعلى تقيماً