الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

خاطبي لا يغض بصره، فهل أكمل الخطبة أم أفسخها؟

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

خاطبي لا يغض بصره، يصلي ويحاول كثيرًا، لكنه مشتت بما حوله، ولا يترك شيئًا إلا ونظر إليه، وقد تحدثت معه بوضوح أكثر من مرة، ويقول: أحاول ولكن لا أستطيع، فلو تمكنت من ذلك ليوم واحد لا أستطيع في اليوم الذي يليه.

حاولت معه بكل الطرق لترك هذا الشيء، ولكن لا فائدة، لا أريد الزواج منه وهو على هذا الحال، لأني سأطلب الطلاق في الشهر الأول!

جميع من استشرتهم بهذا الأمر قالوا: هذا طبع ولن يتغير، والكثير مروا بنفس التجربة، والوضع معهم بعد الزواج لم يتغير.

علماً بأنه شخص محترم، وأهله كذلك، وهذه الصفة تنقصه فقط، وهو يبرر ذلك بأنها حالة نفسية، وبسبب التربية المحكمة والدراسة وغيرها، ولكن لن أقبل هذا الأمر أبدًا، ولن أقبل أي مبررات، فأنا شديدة الغيرة، وهذا الوضع سيكدر حياتي كلها، فهل أفسخ الخطبة؟

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ ريهام حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

مرحبًا بك -أختنا الفاضلة- في الموقع، نشكر لك الاهتمام والحرص على السؤال، ونسأل الله أن يُصلح هذا الشاب، وأن يُصلح شباب المسلمين، وأن يهديهم لأحسن الأخلاق والأعمال، فإنه لا يهدي لأحسنها إلَّا هو.

لا شك أن غض البصر مطلب شرعي، وهو سببٌ للطمأنينة والسعادة والراحة، قال تعالى: (قُلْ ‌لِلْمُؤْمِنِينَ ‌يَغُضُّوا ‌مِنْ أَبْصارِهِمْ)، ما هي النتيجة؟ هي حفظ الفرج ‌(وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ)، ما هي الثمرة؟ (ذلِكَ أَزْكى لَهُمْ) أطهر لنفوسهم، وأدعى لإسعادها وطمأنينتها، فإن لم يفعلوا فـ (إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِما يَصْنَعُونَ)، فالله تعالى لا تخفى عليه خافية (يَعْلَمُ ‌خائِنَةَ ‌الْأَعْيُنِ وَما تُخْفِي الصُّدُورُ)، وهو الذي (يَعْلَمُ ‌السِّرَّ ‌وَأَخْفى).

(النَّظْرَة ‌سَهْمٌ ‌مِنْ ‌سِهَامِ إِبْلِيسَ مَسْمُومٌ)، ويقول الشاعر:

كلُّ الحوادثِ مبداها من النظرِ *** ومُعظَمُ النارِ مِنْ مُستَصْغرِ الشَررِ
كَمْ نَظْرةٍ فَتكت فِي قَلْبِ صَاحِبِهَا *** فتك السِّهَامِ بِلَا قَوْسٍ وَلَا وَتَـرِ
وَالْمَرءُ مَا دَامَ ذَا عَيْنٍ يُقَلّبُها *** فِي أَعْيُنِ الغِيدِ مَوْقُوفٌ عَلَى خَطرِ
يَسرُّ مُقلتَهُ مَا ضرّ مُهجتَهُ *** لَا مَرْحَبًا بِسُرُورٍ عَادَ بِالضَّرَرِ.

هذا الأمر مطلوب من الرجال ومطلوب من النساء، ورغم دخول النساء في الآية الأولى: (قُلْ ‌لِلْمُؤْمِنِينَ ‌يَغُضُّوا ‌مِنْ أَبْصارِهِمْ)، إلَّا أن التوجيه القرآني ركّز في المرة الثانية على المرأة: (وَقُلْ ‌لِلْمُؤْمِناتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ).

إن نظر هذا الشاب إلى النساء -حتى لو كُنتِ غيُّورة أو غير غيُورة، وحتى لو قَبِلْتِ أو رفضتِ-، فإنه ينبغي أن يُدرك أن هذا معصية لله، ومخالفة لهذا الشرع الحنيف، قبل أن يكون سببًا لإغضاب الزوجة، أو سببًا لتوتر النفس وتعاستها، فإن الإنسان إذا أطلق بصره في الغاديات الرائحات أتعبته المناظر:
فَإِنّك مَتَى أَرْسَلتَ طَرفَكَ رَائِدًا *** لِقَلْبِكَ يَوْمًا أَتْعَبَتْكَ الْمَنَاظِر
رَأَيْتَ الذِي لَا كُلُّهُ أنتَ قَادِر *** عَلَيهِ وَلَا عَن بَعْضِهِ أَنتَ صَابِر.

أمَّا مسألة إيقاف العلاقة وترك الخطبة، لا نؤيد الاستعجال في ذلك، وإلَّا فإن الإنسان ينبغي أن ننظر إليه بصورة شاملة، يعني: ننظر إلى تديّنه والجوانب الأخرى، وننظر إلى أخلاقه والجوانب الإيجابية الموجودة فيه، تأمّلي الميل والوفاق والقبول الحاصل من الطرفين، كما ندعوكما إلى تجنُّب الخوض في تفاصيل مثل هذه الأمور؛ لأن العلاقة بين الخاطب والمخطوبة ينبغي أن تكون في حدود التوجيه والنُّصح والمعلومات، أمَّا الدخول في مثل هذه الأمور فقد يتسبّب في إشكالات.

أنت صاحبة القرار، لكن لا نؤيد الاستعجال، وإنما كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (لَا ‌يَفْرَكْ ‌مُؤْمِنٌ ‌مُؤْمِنَةً، إِنْ كَرِهَ مِنْهَا خُلُقًا رَضِيَ مِنْهَا آخَرَ)، كذلك هي إذا كرهت في زوجها خُلقًا رضيتْ منه آخر من الخُلق.

وليس الأمر كما ذُكر، فكثير من الأزواج يتحسّن وضعهم بعد أن يجدوا الحلال، وبعد أن تنجح الزوجة في التفنُّن في إظهار مفاتنها، واعلمي أن الرجل عندما يختار المرأة فإنما يختارها لجمالها وارتياحه لها، وتلاقي الأرواح، وَ(الْأَرْوَاحُ ‌جُنُودٌ ‌مُجَنَّدَةٌ، ‌مَا تَعَارَفَ مِنْهَا ائْتَلَفَ، وَمَا تَنَاكَرَ مِنْهَا اخْتَلَفَ)، فإذا اهتمّت المرأة بنفسها وبزينتها، وكانت عونًا لزوجها لبلوغ العفاف، فإن هذا عونٌ له على طاعة الله تبارك وتعالى.

وندعو هذا الشاب، وندعوكِ أيضًا، إلى أن تُعطيا لنفسيكما فرصة، وعلى الخاطب أن يُراقب الله، عليه أن يتجنّب خائنة الأعين، وعند ذلك أنت صاحبة القرار، ونتمنّى أن تنجحي في أن تُعاونيه على ترك هذا الخطأ الكبير.

نسأل الله لنا ولكما التوفيق والسداد.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً