الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

هل تناول الأدوية النفسية يدل على ضعف الإيمان؟

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

أشعر في معظم الأوقات بالإحباط والاكتئاب عند رؤية كبار السن -العجائز-، وضعفهم وتغير حالهم، وغيرهم من الأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة، أو المصابين بالحوادث، وأجد أن الدنيا كئيبة بأحوالها ومآلاتها، فمعظم أحوالها: موت، ومرض، وضعف، ويدور في داخلي سؤال: لماذا كل هذا البؤس في الدنيا؟

أحوالي جيدة -الحمد لله-، فأنا أصلي الجماعة، وأقرأ القرآن، فهل ما أشعر به يعتبر طبيعيًا، أم أنه اكتئاب يحتاج للعلاج؟ وهل علاج الاكتئاب بالذكر والصلاة كما قال تعالى: {ولقد نعلم أنك يضيق صدرك بما يقولون فسبح بحمد ربك وكن من الساجدين}، أم يجب علي تناول الأدوية لتحسين الحالة المزاجية؟

وهل تناول الأدوية دلالة على ضعف الإيمان؟ وقد واجه الصالحون الدنيا بدون هذا النوع من الأدوية النفسية، وهذه الأدوية تعالج العرض وليس المرض.

عذرًا على الإطالة، وشكرًا.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ إسلام حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

سؤالك هذا بالرغم من أنه سؤال شخصي، لكن طبعًا يحمل طابع العمومية، وجزاك الله خيرًا -أيها الفاضل الكريم-.

التوازنات الكونية معروفة، الله تعالى خلق هذا الكون لحكمة عظيمة، وهنالك نواميس للحياة، وهنالك وجود ثنائيات، وهذا أمرٌ معروف، هنالك القوي وهنالك الضعيف، وهنالك الغني وهنالك الفقير، وهنالك الأبيض وهنالك الأسود، وحتى في الغنى والفقر والصحة والمرض والموت والحياة؛ كلها ثنائيات موجودة، وهذه حكمة إلهية عظيمة، وحقيقةً هي ركائز الوجود، والكون يستمر على هذا النسق؛ لكي يعرف القوي أن هذا ابتلاء ويعرف معنى الضعف، ويسعى في مساعدة الضعيف، ويعرف الضعيف أن هذا ابتلاء قد ابتُلي به فيجب أن يقبله، وأن يزداد إيمانًا.

فيا أخي الكريم: كلها حكم إلهية، وليس أكثر من ذلك، ولا أعتقد أننا يجب أن نوسوس حول هذا الموضوع، أو ننظر إليه نظرات فلسفية لا تُجدي ولا تنفع، على العكس تمامًا أنت يجب ألّا تقول: إنك محبط، أو مكتئب، هذا ليس اكتئابًا -الذي يُصيبك- بل هي رحمة في قلبك، لكن يجوز أنها قد تجاوزت المعدلات المطلوبة، فقط صحح مفاهيمك حول هذا الموضوع.

ويمكنك -أخي الكريم- أن تسعى في مساعدة الضعفاء، أن تنضم لإحدى الجمعيات التي تهتمّ بشؤون كبار السنِّ، أو ذوي الاحتياجات الخاصة، وهذا سوف يُشبع رغباتك وغرائزك الفاضلة، والتي هي في الأصل تقوم على الرحمة، ومساعدة الضعيف.

أنت لست مصابًا باكتئاب نفسي، هذا ما أؤكده لك، هو فقط تفاعل إنساني مزاجي مرتبط بمفاهيم معينة لديك.

أخي: بالنسبة لعلاج الاكتئاب النفسي؛ الاكتئاب النفسي إذا شُخِّص تشخيصًا صحيحًا -وهذا مهمّ جدًّا-؛ لأن الاكتئاب له شروطه التشخيصية، هنالك قواعد مهمّة جدًّا ومقاساتٍ، من خلالها يقوم الأطباء النفسيون بتشخيص الاكتئاب، فإذا وجدت هذه الشروط التشخيصية وتم تشخيص الاكتئاب النفسي بمعناه العلمي؛ فهنا تُوضع الخطة العلاجية حسب حاجة المريض، فهنالك مَن يحتاج للدواء، وهنالك مَن يحتاج للدعم النفسي، والدعم الاجتماعي، وهنالك مَن يحتاج أيضًا لأن ندعمه إيمانيًّا وشرعيًّا.

فيا أخي الكريم: هي كلها متكاملة مع بعضها؛ لذا نحن نقول: إن الاكتئاب متعدد الأسباب، وعلاجه يجب أن يكون متعدد الأبعاد.

بالنسبة للقرآن، والقرآن قطعًا شفاء للناس، وكذلك الصلاة: (أرحنا بها يا بلال)، هذه حقيقةً، وقد وجد وبما لا يدع مجالًا للشك أنها تفرّج الكرب، تزيل حقيقةً الكدر عن النفوس، فهي مريحة، وتساعد الإنسان على الصبر، وهذه نقطة أساسية؛ لذا نجد أن مَن يُصاب باكتئاب نفسي حقيقي من المسلمين المؤمنين تجد أن لديهم الدافعية ولديهم العزيمة في مقاومة الاكتئاب، وتجدهم أكثر التزامًا بالخطة العلاجية حين تُوضع لهم.

أضف إلى ذلك -أخي الكريم- أن نسبة الانتحار -الحمد لله- وسط المسلمين قليلة جدًّا، تعرف أن نسبة الانتحار مرتفعة جدًّا في العالَم، وفي كل أربعين ثانية هنالك شخص يقتل نفسه -والعياذ بالله-، نحن -الحمد لله- النسب التي بين أيدينا قليلة وقليلة جدًّا، فالإيمان يحمي، والإسلام يحمي -حقيقةً- في هذا السياق.

فإذًا: المكون الإسلامي (المكون الشرعي)، أو ما يسميه البعض (المكون الروحي) مطلوب لعلاج الاكتئاب النفسي، وخلافه من الأمراض النفسية، وحتى الأمراض العضوية؛ كالسُّكري مثلًا؛ الدّين يدعونا لأن نراعي أنفسنا، بأن نحافظ على أنفسنا، بأن نحافظ على عقولنا، وهذه كلها تساعد في نهاية الأمر في العلاج.

الأدوية النفسية مهمّة جدًّا إذا تمّ التشخيص الصحيح، وكما ذكرت لك -أخي الكريم-، جاء في الحديث: (تَداوَوا عِبادَ اللهِ؛ فإنَّ اللهَ سُبْحانَه لم يَضَعْ داءً إلَّا وَضَعَ معَه شِفاءً إلَّا الهَرَمَ). فإذًا الأخذ بالعلاج الدوائي مهم جدًّا، وهو أحد الأبعاد الضرورية؛ لأن كيمياء الدماغ حين تختل يجب أن نصححها من خلال الكيمياء أيضًا، وأقصد بذلك تناول الأدوية.

بالنسبة للأدوية: ففيها ما يُعالج المرض، وفيها ما يُعالج العرض، وذلك حسب الحالة، وحسب تشخيصها.

بارك الله فيك، وجزاك الله خيرًا، وبالله التوفيق والسداد.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً