الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

كيف أتصرف مع تفلتات أخي أصغر وتعديه على من حوله؟

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله

لدي سؤال حول أخي الصغير، هو عاق لوالديه، لا يتحمل أي مسؤولية، وفوق ذلك يبدأ بالسب والشتم، حاولت أنا شخصيًا أن أنصحه في أكثر من مناسبة، لكنه لا يصغي، بل يبدأ بسبي! لأكثر من مرة كنت أقاطعه، لكنه أجبرني أن أتصالح معه عن طريق الوالدين، وفي كل مرة يصرخ في وجهيهما، أخبره أن يعرض عن ذلك، يخبرني والداي أن لا أتدخل، على الرغم من تجاوزه حدوده، ولا أراه يأخذ أي عقاب يذكر، وفوق كل ذلك بدأ بالتدخين.

قبل أسبوعين، حصل شجار بيني وبينه، وفور أن فارقتني والدتي وجدتي، بدأ بسبي والتهديد بقتلي، وحتى سب الرب -عياذًا بالله-، ومنذ ذلك الحين وأنا لا أحدثه. أرجو من حضراتكم المساعدة، فقد تعبت من هذه المشاكل.

عمره يقارب الـثمانية عشرة سنة، ولم أجد منه سوى الأذى، هل يجب أن يطرده الأب فور بلوغه سن الرشد؟ أو الاستمرار في مقاطعته؟ أو أي شيء آخر؟ فأنا لا أرغب في التصالح معه، وبسببه لا أريد العودة إلى منزل والدي مرة أخرى.

أرجو المساعدة، فأنا لم أعد أطيق مثل هذه المشاكل!

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ عدنان حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

نتفهم تماماً حجم المعاناة التي تشعر بها، بسبب سلوك أخيك، وما يترتب على ذلك من ضغوط نفسية عليك وعلى الأسرة بأكملها، الوضع الذي تصفه يمثل تحدياً كبيراً، ويتطلب التعامل معه بحكمة وصبر.

سلوك أخيك يظهر أن لديه مشاكل في السيطرة على الغضب، والسلوكيات العدوانية، وربما يعاني من اضطراب سلوكي يحتاج إلى اهتمام خاص، من المهم ملاحظة أن وصوله إلى سن 18 يعني أنه على وشك الدخول إلى مرحلة المسؤولية القانونية، حيث يُفترض به أن يتحمل مسؤولياته بشكل أكبر، ولكن ذلك لا يحدث على ما يبدو.

هذه بعض النصائح للتعامل مع الوضع:
1. حاول أن تتحدث معه بطريقة هادئة، بعيدًا عن العتاب والتوبيخ، قد يكون من المفيد معرفة سبب تصرفاته، فربما يكون لديه ضغوط نفسية، أو مشكلات يشعر بالعجز عن حلها.

2. إذا كان سلوكه يتجاوز الحدود المعقولة من الغضب والعدوانية، فقد يكون من الضروري استشارة أخصائي نفسي، لتقييم حالته وتقديم العلاج المناسب، هذه الخطوة مهمة؛ لأنها قد تساعد في معالجة المشكلات من جذورها.

3. يجب أن يكون هناك موقف حازم من الوالدين، من الضروري أن يتدخلوا بجدية لضبط سلوك ابنهم، وتوجيهه بطريقة تربوية صحيحة، إذا استمر في سلوكه العدواني دون أن يُحاسب، فقد يتفاقم الأمر أكثر.

4. تذكيره بحرمة عقوق الوالدين، والسب والشتم، وأن الله سبحانه وتعالى قد أوصى ببر الوالدين والإحسان إليهما في العديد من الآيات القرآنية، منها قوله تعالى: "وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوٓا إِلَّآ إِيَّاهُ وَبِٱلْوَٰلِدَيْنِ إِحْسَٰنًا" (سورة الإسراء: 23).

5. تحذيره من مغبة أفعاله وعواقبها في الدنيا والآخرة، وتوجيهه نحو التوبة الصادقة والابتعاد عن مثل هذه السلوكيات، ومسألة التعدي على الذات الإلهية مسألة خطيرة، وتوصل الإنسان إلى الكفر بالله، فيجب وعظه في ذلك، وإذا كان لا يقبل منك، فيمكن الاستعانة بالوالدين بعد تنبيههما لخطورة الأمر، أو الاستعانة بكل من يمكن أن يؤثر فيه، من الأعمام والأخوال وغيرهم من الأقارب، أو إمام المسجد القريب إن كان له مكانة عنده.

6. في حال لم يستجب أخوك للنصح واستمر في تصرفاته العدوانية، قد يكون الأفضل لك أن تتجنب الاحتكاك المباشر معه، مع الاستمرار في الدعاء له بالهداية.

6. إذا كانت تهديداته بالقتل جدية، فمن الضروري أن تأخذ الأمر على محمل الجد وتبلغ والديك فوراً، وإن استدعى الأمر، الاستعانة بالجهات المختصة لحماية نفسك.

أما بالنسبة لقرار طرده من المنزل، فهذا الأمر يحتاج إلى توازن بين الحزم والرحمة، إذا استمر في سلوكه العدواني وغير المقبول حتى بعد بلوغه سن الرشد، قد يكون من الضروري فرض بعض الحدود عليه، مثل: مطالبته بتحمل مسؤولياته، ولكن يجب أن يتم هذا القرار بالتشاور مع الوالدين وتحت إشرافهم، مع محاولة إعطائه فرصة لتعديل سلوكه قبل الوصول إلى هذا القرار، والتأكد من كونه لا يعاني أي اضطراب سلوكي، فهناك بعض الاضطرابات السلوكية قد تتطلب أحيانًا بعض التدخلات الدوائية.

سنذكر لك بعض الأمثلة للاضطرابات السلوكية التي قد تصادف هذه المرحلة العمرية- وهذا ليس تشخيصاً- وليس بالضرورة أن تكون هذه الاضطرابات موجودة لدى أخيك، وإنما القصد هو التوعية بأهمية الفحص النفسي، من أمثلة هذه الاضطرابات ما يلي:
1. اضطراب الشخصية المعادية للمجتمع (Antisocial Personality Disorder):
يتميز بالتصرفات العدوانية، الاستهانة بمشاعر الآخرين، وعدم الشعور بالندم بعد التصرفات الخاطئة.

2. اضطراب فرط الحركة، ونقص الانتباه (ADHD) مع مشكلات سلوكية:
يمكن أن يظهر من خلال الاندفاعية، وعدم القدرة على السيطرة على الغضب، والسلوكيات العدوانية.

3. اضطراب السلوك، أو المسلك (Conduct Disorder):
يظهر هذا الاضطراب غالبًا في مرحلة الطفولة أو المراهقة، ويتسم بسلوكيات عدوانية ومخالفة للقوانين والمعايير الاجتماعية.

4. الاضطراب الانفجاري المتقطع (Intermittent Explosive Disorder):
يتميز بنوبات متكررة من الغضب والانفجارات العنيفة غير المبررة.

5. اضطرابات المزاج، مثل اضطراب ثنائي القطب (Bipolar Disorder):
يمكن أن يتسبب في نوبات من الهوس، أو الاكتئاب، مع سلوكيات غير متوقعة وعدوانية.

إذا كنت تشك في أن أخاك قد يعاني من أحد هذه الاضطرابات أو غيرها، فمن الضروري التوجه إلى أخصائي نفسي، أو طبيب نفسي لإجراء تقييم شامل، يمكنهم تحديد إذا ما كان هناك حاجة لتدخل دوائي، أو إذا كان العلاج النفسي وحده كافياً.

أما إذا كان لا يعاني من أي من هذه الاضطرابات كتشخيص، فعندها يمكنكم سلوك الطرق التربوية للتعامل معه، وأخذ مزيد من الاستشارات من المختصين في كيفية توجيهه.

في النهاية: من المهم أن تحافظ على هدوئك وراحتك النفسية، وأن تحاول قدر الإمكان ألا تجعل تصرفاته تؤثر على حياتك بشكل كبير.

نسأل الله أن يهدي أخاك ويصلحه، ويمنحك الصبر والقوة على تحمل هذا الابتلاء.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً