الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

لم أعد أطيق العيش مع أبي لمعاملته السيئة لنا، فماذا أفعل؟

السؤال

السلام عليكم.

أنا فتاة، عمري 23 سنةً، عندما كنت طفلة لم يتجاوز عمرها الست سنوات، كان والدي يعاقبني كلما ارتكبت خطأً، بأن يطلب من والدتي أن تضع لي الطعام في غرفة منفصلة؛ حتى لا آكل معهم، وكان يضربني بشدة بأي شيء متاح، وقد نشأت على هذا النحو، حيث يتم تجاهلي إذا فعلت أي شيء سيء، ثم أتعرض للضرب.

بعد سنوات وجدت والدي يخون والدتي، وأخبرتها، ومنذ ذلك الحين وعلاقتنا من سيء إلى أسوأ، لم يكن يتحملني، دعوت الله أن نعود إلى طبيعتنا (مجرد حديث)، ولكن لم يتغير شيء.

في الأيام الأخيرة قال لي أكثر الكلمات قبحًا، وبصق في حضوري؛ لأنني تشاجرت معه حول كيفية إساءة معاملته لوالدتي، والصراخ عليها أمامنا، لذلك كلما أكون في الجوار كان يطلب منها أن تحضر له الطعام، حيث لا أكون، وكان يغلق الباب بقوة إذا كنت في الغرفة، وكان يطلب منها أن تخبرني بالابتعاد عن ناظره، وقد سئمت من هذا، ولم أعد أستطيع تحمل الأمر بعد الآن، لم يعانقني أبدًا، أو يخبرني بشيء لطيف.

عندما كنت في الخامسة عشرة أمرني أن أترك البيت، وأنه لا يريد أن يراني عند عودته من صلاة العشاء، ومنذ ذلك الحين لم أعد أكن له أي مشاعر احترام أو حب إطلاقًا.

أنا لا أقول بأنني لم أفعل شيئًا سيئًا أبدًا، لقد فعلت؛ فقد رفعت صوتي في حضوره مرارًا، ولكن حاولت مصالحته مرارًا وتكرارًا، حتى لو لم أكن له أي حب، كنت دائمًا أدعو الله سبحانه وتعالى أن يغفر له، ويجعل مثواه الجنة، ولكن لا يمكنني أن أجبر نفسي الآن حتى على نطق اسمه، أو النظر في وجهه، مع الكراهية والحقد التي يحملها تجاهي، رغم أنني لا أستحق ولو جزءًا صغيرًا من السم الذي ينفثه نحوي، لا أعرف ماذا أفعل؟

أنا متعبة للغاية، لم أعد أطيق العيش معه، ولا معاملته التي لا تمت لا للأبوة وللإسلام بصلة.

وجزاكم الله خيرًا.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ لمى حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

مرحباً بكِ -أختي الفاضلة- في استشارات إسلام ويب،

أختي الكريمة، إذا كان الواقع كما وصفته، فنسأل الله أن يعينكِ، ويأجرك على هذا البلاء العظيم، وأن يرزقكِ الصبر والثبات؛ فالأسرة هي المحضن التربوي الذي يحقق الأمان والاستقرار، وإذا فسدت كان ذلك بلاءً عظيمًا، والله المستعان.

ولكن نُبشركِ بقول رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "ما يُصيب المسلم من نَصب، ولا وصَب، ولا هَمّ، ولا حَزن، ولا أذى، ولا غمّ، حتى الشوكة يُشاكها، إلا كفَّر الله بها من خطاياه." فكل ما يصيبكِ هو تكفير لخطاياكِ وزيادة في حسناتكِ، إن صبرتِ واحتسبتِ الأجر عند الله تعالى.

أختي الفاضلة: العقوق لا يكون في ميل القلب، وإنما يكون في التقصير بالحقوق والواجبات، فميل القلب من حب ورضا لا يمكن التحكم فيه، فقد ينفر القلب من شخص ما رغم قربه، ولكن إن كان له حق كحق الوالدين، فإن العقوق لا يكون إلا بتقصير في حق من حقوقه كعدم الطاعة، أو التفريط في واجب، أو تعمد الإساءة، وهنا يجب التوبة والعودة إلى الله تعالى.

ما حدث لكِ في صغركِ من سوء تربية، هو بلا شك تفريط في الأمانة التي كلف بها الوالد، وقد قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "كلكم راعٍ وكلكم مسؤول عن رعيته".

ما دمتِ تستغفرين لوالدكِ، وتدعين له، وتتمنين له الصلاح، وتبغضين أفعاله السيئة، فهذا ليس من العقوق، ولكن إذا أمرك بحق، أو نهاكِ عن حق، أو فرطتِ في واجب تجاهه، فهذا يُعد من العقوق، لذلك ندعوكِ إلى التوبة النصوح من رفع الصوت على والدكِ، أو الإساءة إليه بالكلام، فهذا ليس من البر والتوقير له، فننصحكِ بأن تؤدي ما عليكِ من حقوق تجاه والدكِ، وأن تطيعيه بالمعروف ما لم يأمركِ بمعصية.

أما الحب القلبي، فحاولي جاهدةً إصلاح هذه العلاقة بأي طريقة ممكنة، وإن لم تستطيعي ذلك، فلستِ عاقةً له.

اهتمي بإخوتك الصغار، فأنت في دور المربية لهم والناصحة، وأصلحي علاقتك بوالدتك، وتحملي مسؤوليتك تجاه البيت والأسرة، فالمسلمة لها دور في الحياة، وهو العبودية لله، ومن العبودية لله القيام بواجباتك الشرعية، ثم الاهتمام بإخوتك، فهم في حاجتك، تذكري ذلك جيداً، لأن هذا الأمر المقصود منه معرفة المهمة الأساسية التي خلقنا من أجلها.

حاولي كذلك تجنب ما يغضب والدك، فهو يظل والدك وإن أخطأ، فمنهجنا في الحياة أن نؤدي واجباتنا التي فرضها الله علينا، ونسأل الله الحقوق التي لنا ولم نحصل عليها، فالجزاء من الله كبير وعظيم (إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب).

حاولي إشغال نفسكِ بأي نشاطات وفعاليات تنمي مهاراتكِ، وتخرجكِ من هذا الواقع المتأزم، فحالتكِ النفسية مهمة جدًا؛ لتستطيعي الاستمرار في الحياة بشكل سليم، فالتفكير المستمر في هذا الواقع، والبقاء في حالة حزن دائم سينعكس عليكِ سلبًا، لذا اجتهدي في تقليل الضغوط على نفسكِ بالانشغال بأمور مفيدة، أو الانضمام لأنشطة تساعدكِ على الخروج من دائرة التوتر المستمر داخل البيت، حاولي الالتحاق بحلقات تحفيظ القرآن، والدراسة الشرعية في الأكاديميات الإسلامية على الانترنت، (وأكثرها مجاني) أو التعرف على صديقات صالحات ملتزمات، فهذا سيساعدكِ كثيرًا على تجاوز هذه الظروف الصعبة.

لا تنسي -أختي العزيزة- أن علاقتكِ بالله مهمة جداً؛ حتى تتمكني من الخروج من هذا الواقع الصعب، فالدعاء، والاستغفار، والإكثار من ذكر الله، والنوافل، وتلاوة القرآن كلها أعمال تذهب الضغط النفسي، وتساعدكِ على تجاوز ما أنتِ فيه.

نسأل الله أن ييسر أمركِ، ويصرف عنكِ الشدائد.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً