الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أخي يرفض الزواج بحجة تقدمه في السن، فكيف أقنعه؟

السؤال

السلام عليكم

أخي تجاوز سن الـتاسعة والأربعين، ويحتل مركزًا مرموقًا، لكنه لا يرغب في الزواج، ويتعلل بأن الوقت قد فات، كان هدفه الأساسي هو الزواج في سن مبكرة لتكوين أسرة، ويرى الآن أن هذا الهدف قد ضاع، فهو يقول: "ماذا سأستفيد من ركوب قطار آخر للحاق بموعد هام قد فاتني؟ فالهدف هو الوصول للموعد، وليس مجرد ركوب القطار" ويرى أن تكوين أسرة في هذا العمر يعد ظلمًا لأبنائه، حيث سيكون عمره متقدمًا، وكذلك من سيختارها للزواج ستكون في سن متقدم أيضًا، مما قد يؤدي إلى مشاكل في التفاهم، أو تحمل الطباع المختلفة.

كما أصبح يرى الزواج كصفقة خاسرة، ويشعر بالراحة في وحدته، بعد تعوده على كسر شهوته بالصيام، ومواظبته على العبادات، ولم ينغمس في أي علاقات مشبوهة، ولله الحمد.

لقد حاولت مساعدته ورشحت له أكثر من زوجة، سواء كانت بكرًا أو ثيبًا، أو حتى أرملة لديها أطفال، على أمل أن يكسب الأجر في كفالة الأيتام، ولكنه يرفض ذلك رفضًا قاطعًا.

أخي كان قد حاول الزواج في شبابه، لكنه واجه مشاكل مادية خارجة عن إرادته، تسببت في تأجيل الزواج، كما قضى 20 عامًا يراعي والدتنا المريضة بالزهايمر، حتى توفاها الله، ورفض أن يضعها في دار رعاية، أو يستعين بأي طرف خارجي لرعايتها.

أشعر بأن كل هذه الصعوبات قد جعلته شخصًا بلا مشاعر، حيث تعمد قتل عواطفه، ونجح في ذلك، لقد دعوت الله له كثيرًا، بما في ذلك أثناء تواجدي في الحرم المكي، وطلبت من الصالحين أن يدعوا له، ولكنني الآن في حيرة، ولا أعلم ماذا أفعل!

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ زكي حفظه الله،
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

أهلاً بك في موقع "إسلام ويب"، ونسأل الله الكريم أن يجزيك على حرصك على أخيك خير الجزاء، وأن يبارك فيك وفيه، وأن يرزقه الزوجة الصالحة التي تسعده في دنياه وآخرته.

إن انشغالك بأمر أخيك من أفضل القربات التي تتقرب بها إلى الله، فهذا أخ صالح قد سخر زهرة شبابه في بر والدته، وهذا والله فضل الله عليه، ثم هو كذلك لم ينغمس في الشهوات أو المعاصي، بل كما ذكرت، تغلب على شهوته واستعان بالله عليها، وهو متعبد وصالح، ومثل هذه الصفات متى ما اجتمعت في شخص، فإنه نعمة على من سيرتبط بها إن شاء الله.

ننصحك بما يلي:

أولاً: إزالة العقبات الراسخة في ذهنه، مثل اعتقاده أن الزواج في هذا الوقت قد يكون ظلمًا لأولاده، إذ لا يعلم أعمار الخلق إلا الله سبحانه، وكم من شاب في العشرين تزوج ومات وأطفاله رضع، وأكرمهم الله وحفظهم.

ثم إن نعمة الأبوة لا تعدلها نعمة، وتحمل الآلام لأجلها هو أمر محبب إلى نفس الأب، كذلك الحديث عن مشاكل الزواج وما يتبعه من عقبات هو أمر طبيعي، لكن في مقابله هناك راحة نفسية، واستقرار معيشي واهتمام به، أخوك لا يزال في سن الخمسين، ويستطيع الزواج والإنجاب، وقد تزوج كثيرون في هذا السن وبعضهم تزوج في الستين، واستقرت أمورهم.

اعمل على إزالة كل العوائق التي تواجهه، فقد تكون العوائق مادية، أو خوفه من أن لا يوافق عليه إلا مطلقة، أو أرملة، لذا من الضروري معرفة الأسباب التي تحول بينه وبين الزواج.

ثانياً: من المعلوم أن أفضل فارق في العمر بين الزوجين تقريبًا هو عشر سنوات، وهذا يعني أن السن المناسب لمن يريد الزواج منها دون الأربعين، وهناك أخوات كثيرات أبكار لم يسبق لهن الزواج، وفيهن من الحرص على الزواج ما ليس عند الصغيرات، ونضج السن له دور كبير في تقليل المشاكل بين الزوجين.

ثالثاً: بما أن أخاك متدين، ننصحك بالتحدث مع خطيب المسجد الذي يصلي فيه، ليحثه على الزواج، ويذكره بكراهية الإسلام للعزوبة، ويشرح حديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (تزوجوا الودود الولود، فإني مكاثر بكم الأمم يوم القيامة). فهذا قد يكون محفزًا له إن شاء الله.

رابعاً: استعن بمن يحبهم أخوك ويحترمهم، واطلب منهم التحدث معه في أمر الزواج.

هذا ما يجب عليك فعله تجاه أخيك، مع الدعاء أن يشرح الله صدره لأمر الزواج.

ونحب أن ننبهك إلى أنه إن استمر أخوك على رفض الزواج فما عليك سوى احترام قراره الشخصي؛ خاصة أنه يجد راحته في عدمه كما قال لك، ولا يخفاك أن الزواج تعتريه الأحكام الخمسة في الشريعة، وهي: الوجوب، والاستحباب، والإباحة، والكراهة، والتحريم، وقد يكون في حق أخيك ليس واجبًا، فلا تحاول إكراهه على أمر ليس واجبًا عليه.

بارك الله فيك وأحسن إليك، والله الموفق.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً