الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

هل العين والحسد تصيب الإنسان بالوساوس؟

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

أولاً: أريد أن أشكركم على المحتوى الهادف الذي تقدمونه، فلطالما ساعدني كلما احتجت إليه.

ثانياً: لدي أخت تعمل معلمة، ولديها أخلاق جيدة جدًا والحمد لله، تعاني منذ ثلاث سنوات من وسواس في الصلاة، تعيد الصلاة والوضوء عدة مرات وأصبحت تعيش يومها فقط تفكيرًا في الصلاة ووقتها، عندما أقول لها إنك تبالغين وإنه يجب الإعراض عن الوساوس، تقول إنها متأكدة من أن وضوءها انتقض، الآن أصبحت تقول لي: إن كيمياء مخها تغيرت، وأنها مصابة بوسواس قهري.

في يوم من الأيام، التقت مع بعض الزملاء وكانت في حالة جيدة، قالت: إنها عندما تحدثت إلى إحدى الزميلات ضاق صدرها، وعندما رجعت للمنزل لتصلي لم تستطع الصلاة وأصبحت تبكي، وتقول إنها لا تستطيع الصلاة.

قرأت عليها القرآن في الماء، وعندما شربته تغير حالها للأفضل، واستطاعت أن تصلي.

من فضلكم، هي متابعة دائمة لموقعكم وتثق فيه ثقة تامة، أرجو أن تنصحوها كيف تتخلص من الوساوس؟

وسؤالي الثاني: هل تؤدي العين والحسد للوساوس؟ علمًا أن هناك الكثير من الناس يتحدثون عن حياتنا التي في نظرهم رائعة دون ذكر اسم الله.

جزاكم الله خيرًا.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ هند حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

أهلاً بك -أختنا الكريمة- في موقعك "إسلام ويب"، وإنَّا لسعداء بتواصلك معنا، ونسأل الله أن يحفظك من كل مكروه، وأن يقدِّر لك الخير حيث كان، وأن يرضيك به، وبخصوصِ ما تفضلت بالسُّؤال عنه، فإنَّنا لا بد أن نعرف العين والحسد والوسواس، ثم نجيب عن الترابط بينهم:

أولاً: الحسد فهو بغض نعمة من الحاسد على المحسود متمنيًا زوالها منه، والعين: سهام تخرج من نفس العائن نحو المحسود والمعين تصيبه تارة، وتخطئه أخرى.
وأما الوسواس، فهو الفكر المتسلط، ومعنى القهري أي الجبري. وهو عبارة عن أفكار جبرية متسلطة على الإنسان، وتحيط به وتفرض نفسها عليه.

وعليه: فالوسواس يبدأ من الذات، بمعنى أنه يقع من الإنسان، أما العين والحسد فتبدأ من الخارج، لكنه بعد ذلك قد يتطور إلى وسواس وساعتها تتشابه الأعراض.

ثانيًا: لكل من الوسواس والحسد والعين علاج، وإذا ما التزمنا النهج الصحيح فإن هذا المرض عارض، وسيزول بأمر الله تعالى سريعًا، المهم أن تلتزم أختك تمامًا بما سنذكره الآن، وهو:

1- الإيمان التام بأنه لا يقع في ملك الله إلا ما يريد الله عزّ وجلّ، وكل شيء بتقدير، فما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن، قال تعالى: (إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ)، والمؤمن يعتقد ذلك ويؤمن به في إطار قول الله تعالى: (قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلانَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ)؛ لذا أول ما نوصيك به أن تجمع الأخت قلبها على عقيدة صادقة في أن النافع والضار هو الله، وأن تثق أن الأمور بيد الله عز وجل، وأن الله قادر على كل شيء وحده لا شريك له.

2- العين حق، ولها تأثير عام، لكنه لا يقع إلا بإذن الله تعالى، وقد دل على ذلك القرآن والسنة، فمن القرآن ما قاله الله على لسان يعقوب عليه السلام: (وَقَالَ يَا بَنِيَّ لا تَدْخُلُوا مِنْ بَابٍ وَاحِدٍ وَادْخُلُوا مِنْ أَبْوَابٍ مُتَفَرِّقَةٍ)، والحكمة في ذلك كما قال أهل العلم: خوفا عليهم من العين.

وكذلك قول الله: (وَإِنْ يَكَادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصَارِهِمْ لَمَّا سَمِعُوا الذِّكْرَ وَيَقُولُونَ إِنَّهُ لَمَجْنُونٌ).

وأما السنة فما روي عن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (العين حق، ولو كان شيء سابق القدر سبقته العين، وإذا استغسلتم فاغسلوا). رواه مسلم.

3- علاج العين أو الحسد أو غيرهما أمر هين، فلا تقلقي، ولا تستعظمي ما ألمّ بك، بل عليك الهدوء، ومن ثم القيام بما ورد في الكتاب والسنة، والمحافظة على الأذكار الصباحية والمسائية، مع الإيمان والتصديق واليقين بالله عز وجل.

4- الرقى ثابتة بالكتاب والسنة، فقد ورد عن النبي -صلى الله عليه وسلم- الاسترقاء بـ (قل هو الله أحد، وقل أعوذ برب الفلق، وقل أعوذ برب الناس، وقال: لم يتعوذ الناس بمثلهن،) رواه مسلم.

وكان النبي -صلى الله عليه وسلم- (إذ اشتكى قرأ على نفسه المعوذتين ونفث) متفق عليه، والنفث: النفخ.
وتعوذ النبي -صلى الله عليه وسلم- بالمعوذتين لما سحره اليهود.

وصح عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال لمن رقى بالفاتحة "وما يدريك أنها رقية" رواه البخاري.

وعليه فالرقية الشرعية من الكتاب والسنة هي النافعة بإذن الله، ونحن ننصح أختنا بما يلي:
أولاً: الرقية بهذا الآيات لكل البيت.
1. قراءة سورة الفاتحة.
2- قراءة آية الكرسي.
3- قراءة سورة الإخلاص.
4- قراءة المعوذتان.
5- قراءة آيتان في نهاية سورة البقرة.

ثانيا: قراءة سورة البقرة كل ليلة في البيت، فإن لم تستطع فعلى الأقل سماعها كل ليلة، المهم أن يكون ذلك كل ليلة ولابد من الصبر والاستمرار.

6- الرقية على الماء وصبها عليها، فهي نافعة بإذن الله تعالى، فقد ذكر ابن القيم أثراً في ذلك عن أبي حاتم عن ليث بن أبي سليم قال: بلغني أن هؤلاء الآيات شفاء من السحر بإذن الله تقرأ في إناء فيه ماء، ثم يصب على رأس المسحور، والآيات هي قوله تعالى: (فلما ألقوا قال موسى ما جئتم به السحر إن الله سيبطله إن الله لا يصلح عمل المفسدين) [يونس81 ]، وقوله: (فوقع الحق وبطل ما كانوا يعملون) [الأعراف 118إلى120]، وقوله: (إنما صنعوا كيد ساحر ولا يفلح الساحر حيث أتى) [طه69].

وقد قال الشيخ عبد العزيز بن باز -رحمه الله- حين سئل عن ذلك: ثبت في سنن أبي داود أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قرأ في ماء في إناء وصبه على المريض، وبهذا يعلم أن التداوي بالقراءة في الماء وصبه على المريض، ليس محذوراً من جهة الشرع إذا كانت القراءة سليمة.

ثالثًا: أما بالنسبة للوساوس، فلابد أن تعلمي وتعلم أختك معك أن الوسواس ضعيف، لكنه يقوى عند الاسترسال معه وعدم تجاهله؛ لذا فإن أول العلاج، ودائمًا ما ننصح به: تجاهله واحتقاره، وازدراؤه وعدم الاهتمام به.

هذا هو أول ما ينبغي على الأخت فعله، أن تحتقره، أن تقول في نفسها: هذا وسواس سخيف، وسواس حقير، كلام فاضي، مثل هذه الأساليب هي ما تجعل سطوته تقل.

ولابد أن تفهم الأخت أن الوسواس ما تسلط عليها إلا بأمرين:
- جهلها بالحكم الشرعي.
- استرسالها معه ومناقشته والفراغ الفكري المحيط بها؛ لذا عليها أن تزيل تلك الأسباب فورًا، وعليها أن تعلم الحكم الشرعي عند الشك، ونحن سنبينه في النقاط الآتية:

1- القاعدة الفقهية والنفسية كذلك تقول: (لا نخرج من اليقين إلا بيقين)، فإذا انتهت من الوضوء فلا إعادة عليها، ولا ترجع للوضوء مرة أخرى إلا إذا تيقنت نسيان غسل عضو من أعضائها مثلا، فإذا شكت بنسبة 99% فلا تعود؛ لأن اليقين 100%، وبهذا المفهوم سترتاح من تلك الوساوس والهموم.

2- الوضوء يجزئ فيه غسل العضو مرة واحدة، ولا عبرة بعد ذلك بأي وسوسة.

3- إذا دخلت الأخت في الصلاة فلا تلتفت إلى ما يقال، ولتستعذ بالله منه، ولتتفل عن يسارها، ولا شيء عليها، ولا تعيد ركنًا انتهت منه، ولا صلاة فرغت منها.

ومتى ما استمرت الأخت على ذلك، فإن حياتها ستعود طبيعية -بإذن الله-.

نسأل الله أن يحفظها ويحفظك، والله الموفق.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً