الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

حائر بين دراسة الطب والعلوم الشرعية، فأيهما أختار؟

السؤال

‏السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

سجلت مؤخرًا في كلية الطب، وكانت هذه رغبتي ورغبة أهلي، والآن أرغب في دراسة العلوم الشرعية بدلًا من الطب، أو أي مجال ديني، والجميع أخبروني بأنه يمكنني تعلم القرآن في المسجد، أو مع الطب، ويرون أن هذا التخصص ليس كافيًا من الناحية المالية، أو الرواتب للوظائف الدينية بسيطة في بلادي.

حينما أخبرت والدتي بذلك حزنت، علمًا أن الجامعة مختلطة ومليئة بالفتن، وحينما اخترت الطب كان رغبة مني لنيل الثواب، ومن أجل المشاريع مستقبلًا -إن شاء الله-، فبماذا تنصحوني؟

جزاكم الله خيرًا.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ الساعدي حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

جزاك الله خيرًا على حرصك على اتخاذ القرار الصحيح الذي يرضي الله ويرضي والديك، ونسأل الله أن يوفقك لما فيه الخير في دينك ودنياك.

من رسالتك يظهر أنك في موقف صعب بين رغبتك الشخصية في تخصص العلوم الشرعية، وبين رغبة أهلك في إكمال دراستك في الطب، مع وجود قلقك من الفتن في الجامعة المختلطة، هذا الموقف يتطلب منك الحكمة والتوازن بين عدة أمور:
1- رضا الله سبحانه وتعالى، وهو الأساس الذي يجب أن تبني عليه قراراتك.
2- رضا الوالدين، وهو من أعظم القربات إلى الله، ما لم يكن في معصية.
3- مستقبلك المهني والديني، بحيث تختار ما يحقق لك التوازن بين احتياجاتك الدنيوية والأخروية.

إليك بعض النصائح:
- ابدأ بالاستخارة، فهي سنة عظيمة تعينك على اتخاذ القرار الصحيح، وصلِّ ركعتين بنية الاستخارة، وادعُ بالدعاء المأثور: "اللهم إني أستخيرك بعلمك، وأستقدرك بقدرتك، وأسألك من فضلك العظيم، فإنك تقدر ولا أقدر، وتعلم ولا أعلم، وأنت علام الغيوب، اللهم إن كنت تعلم أن هذا الأمر (واذكر الأمر: دراسة الطب أو العلوم الشرعية) خير لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمري، أو قل: عاجل أمري وآجله، فاقدره لي ويسره لي، ثم بارك لي فيه، وإن كنت تعلم أن هذا الأمر شر لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمري، أو قل: في عاجل أمري وآجله، فاصرفه عني واصرفني عنه، وقدر لي الخير حيث كان، ثم رضِّني به"

- إذا كنت ترى أن دراسة الطب فيها فتن أو صعوبات دينية، فحاول أن تضع خطة لتجنب هذه الفتن قدر الإمكان، مثل: تقليل الاختلاط إلى الحد الأدنى، واختيار صحبة صالحة تعينك على الثبات.

- يمكنك الجمع بين دراسة الطب وتعلم العلوم الشرعية في نفس الوقت، هناك العديد من العلماء والدعاة الذين جمعوا بين التخصصات الدنيوية والدينية، مثل: الدكتور/ عبد الرحمن السميط -رحمه الله-، الذي كان طبيبًا وداعيًا في نفس الوقت.

استغل وقتك خارج الجامعة في حضور دروس العلم الشرعي في المساجد، أو عبر الإنترنت، أو الالتحاق بمعاهد شرعية مسائية.

- إذا كنت تشعر أن العلوم الشرعية هي رغبتك الحقيقية، فحاول أن تتحدث مع والديك بهدوء واحترام، واشرح لهما أسبابك، وضّح لهما أنك لا ترفض الطب من باب التمرد، ولكن لأنك ترى أن العلوم الشرعية هي المجال الذي يمكنك أن تخدم فيه دينك ودنياك بشكل أفضل، وإذا كان لديهما قلق مالي، فبيّن لهما أن الرزق بيد الله، وأنك ستبذل جهدك لتكون ناجحًا في أي مجال تختاره.

- إذا كان من الصعب عليك ترك الطب الآن بسبب رغبة أهلك، ففكر في إكمال دراستك الطبية مع وضع خطة مستقبلية للانتقال إلى العمل في مجال يخدم الدين، مثل: الجمع بين الطب والدعوة إلى الله.

يمكنك أيضًا التفكير في التخصصات الطبية التي تخدم المسلمين بشكل خاص، مثل: العمل في الإغاثة الإنسانية، أو الطب الوقائي في المجتمعات الإسلامية.

- إذا كنت تشعر أن الفتن في الجامعة المختلطة تؤثر على دينك، فحاول أن تبحث عن حلول عملية، مثل الانتقال إلى جامعة غير مختلطة إذا كان ذلك ممكنًا، وتقليل وقتك في الجامعة إلى الحد الأدنى، والتركيز على الدراسة فقط، وتقوية علاقتك بالله، من خلال الصلاة، والذكر، والدعاء؛ فهذا سيعينك على الثبات.

- إذا كنت تستطيع الجمع بين دراسة الطب وتعلم العلوم الشرعية، فهذا خيار جيد يحقق التوازن بين رغبتك ورغبة أهلك.

إذا كنت ترى أن الفتن في الجامعة تؤثر على دينك بشكل كبير، فالأولى أن تحافظ على دينك، لأن رضا الله مقدم على كل شيء، وحاول أن تتحدث مع والديك بحكمة ورفق، وبيّن لهما أنك تريد الخير في الدنيا والآخرة، واستخر الله، واستشر أهل العلم والدعاة الموثوقين في بلدك، فهم أدرى بظروفك المحلية.

نسأل الله أن يوفقك لما فيه الخير، وأن يشرح صدرك للقرار الصحيح، وأن يرضى عنك وعن والديك.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً