الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

بعد وفاة أبي فقدت الإحساس بالأمان وتجمدت مشاعري.. ساعدوني

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

توفي أبي قبل سنة، ومن ذلك اليوم أحس أن نفسي أبدًا ليست مثل قبل وفاته، وصرت باردة في كل شيء، لكن فكرة أنه قد مات تُكِّدرُ عليَّ، ولا أصدقها، ومن الأوجاع أني لا أقدر على النظر إلى صوره، فأرجع إلى الصفر، ويحصل لي المرض، وأظل على هذا الحال، وأحاول أن أنام فأحلم بصورة أبي وهو في التابوت، وفكرت أن أهلي أيضًا هم سيموتون وأنهم مطروحون، فأراهم في النوم عائشين!

لا أقدر أن أحس بالأمان، وهذا شيء يؤثر على دراستي وفي كل شيء، أحس أن مشاعري جامدة، لا أقدر أن أهتم بأحد مثلما كنت من قبل، أبكي بسرعة، وأتحسس من أقل شيء، أنام لساعات طويلة، وأحس أن نفسيتي متعبة جدًّا.

هناك شيء يؤذيني لا أعرف ما هو، فما هو العلاج الذي أستطيع فعله؟

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ زهراء .. حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

نرحب بك (بنيتي) عبر استشارات إسلام ويب، ونشكر لكِ ثقتك بهذا الموقع، وبحيث أنك تواصلت معنا بهذا السؤال، معبرةً عمَّا تشعرين به منذ وفاة والدكِ قبل سنة، داعين الله تعالى له بتمام الرحمة والدرجات العلا بإذن الله عز وجل.

بُنيتي: نعم ليس سهلًا أن يفقد الإنسان أحد الأعزاء عليه، خاصة الوالد -رحمه الله تعالى-، أو غيره ممن تحبين، نسأل الله أن يحفظهم ويطول أعمارهم في طاعته.

بُنيتي: إن ما تشعرين به نسميه بـ (حداد الفقدان)، والذي أحيانًا قد يتجاوز الحد الطبيعي. الأمر الطبيعي أن الإنسان يشعر بالفقدان ويدخل في حالة الحزن والحداد، وربما الغضب أيضًا، ولكن هذا يستمر عدة أشهر إلى ستة أشهر، أمَّا أن يطول مثل هذه المدة منذ سنة على وفاة والدك -رحمه الله- فربما دخلتِ في الحداد الشديد، والذي جعلك الآن لا تشعرين بالحياة كما كنت قبل وفاته، بل ربما تأخذين على الآخرين في أسرتك أنهم يعيشون ويتصرفون وكأن والدكم لم يتوفّ.

أختي الفاضلة: إن الموت -كما تعلمين- سُنَّة حياة، يقول الله تعالى للنبي -صلى الله عليه وسلم- وهو خير البشر: {إنك ميت، وإنهم ميتون}، فالموت سُنَّة الحياة جميعًا، نعم مؤلم، ويتمنى الإنسان أن يبقى والده -أو العزيز عليه- أن يبقى إلى ما لا نهاية، إلَّا أن هذا مخالفٌ لطبيعة السُّنَّة (سُنَّة الكون) وإرادة الله عز وجل.

ماذا عليكِ أن تفعلي الآن؟ ربما هناك طريقان:
أمَّا الطريق الأول: أن تحاولي أن تُصبِّري نفسك، وتقرئي جوابي هذا بتمعُّنٍ، لعلَّ الله عز وجل ينزل على قلبك السكينة والاطمئنان، كما أنزل الله عز وجل السكينة على قلب عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- عندما سمع بوفاة النبي -صلى الله عليه وسلم- فللوهلة الأولى شعر بما تشعرين به أنه لم يمت، إلَّا أن أبا بكر أتى وذكر ما هو معروفٌ، فصعق عمر -رضي الله تعالى عنه- من هول هذا المصاب، هذا الطريق الأول.

وهنا يساعدك أيضًا عدم تجنُّب النظر إلى صور والديك بين الحين والآخر، فهذا ربما يُساعد.

أمَّا الطريق الثاني: أنه إذا صعب عليكِ القيام بالطريق الأول، ووجدت أن الأمور ما زالت تُؤثِّر فيك بالشكل الذي وصفته في السؤال، أن الأمر والذكريات وصورة والدك في التابوت وغيره، ما زال مزعجًا لك، ومُؤثرًا سلبيًا على حياتك، فهنا أنصحكِ بأن تقابلي أخصائية نفسية، سواء كنت في المدرسة أو في الجامعة، فمعظم الجامعات والمدارس لديها أخصائيات نفسيات، فيمكنك أن تتحدثي معها، لتجلس معك عدة جلسات للعلاج المعرفي السلوكي، لتعملا معًا على الخروج ممَّا أنت فيه.

أدعو الله تعالى أن يشرح صدرك، ويُنزل عليك الطمأنينة والراحة النفسية، داعين الله تعالى لوالدك بالمغفرة والإحسان.

والله الموفق.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً