الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

زوجي شخص لطيف ويصلي ويتقي الله لكنه لا يهتم باحتياجاتنا!

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

لقد ترددتُ كثيرًا قبل أن أستشيركم بخصوص زوجي.

أنا أستاذة منذ ست سنوات، ولدي طفلتان إحداهما بلغت تسع سنوات، والأخرى عمرها عامان، أنا متزوجة منذ أحد عشر عامًا، وزوجي جندي، وأعيش حياة عادية خالية من المناقشات الفارغة، والحمد لله.

مشكلتي أن زوجي منذ زواجنا لا يتحمّل مسؤولية احتياجاتي، وقد ازداد الأمر سوءًا بعد ولوجي عالم الشغل، كان يعمل في حدود الصحراء قبل زواجنا، وبعد زواجنا بسبع سنوات.

كنت أعيش مع أهله لمدة خمس سنوات، وفي العام الأول لم أكن أشتغل، لكن في العام الثاني اشتغلتُ مقابل مبلغ صغير جدًّا لأوفّر احتياجاتي وبعض احتياجات طفلتي الأولى، كان يسافر إلى العمل لأشهر طويلة دون أن يترك لي درهمًا واحدًا، عانيتُ كثيرًا، ولم أشتكِ نهائيًا.

بعد سنتين ونصف أنعم الله عليّ بولوج مهنة التعليم العمومي -والحمد لله- وانتقلتُ إلى جبال تارودانت مع ابنتي وأختي، وحتى آنذاك لم يكن يصرف علينا.

كانت المسؤولية كلها عليّ، ورغم ذلك كنت صامتة، انتقلتُ بعد سنتين، و-الحمد لله-، إلى مؤسسة قرب منزلي بأميال، وهو كذلك انتقل إلى نفس المدينة، و-الحمد لله-.

المشكلة أنه حتى بعد انتقاله أصبح يشتري لنا فقط الخضار والفواكه، وبعض الضروريات في بداية الشهر، وبعد ذلك لا يهتم بما يخصّنا؛ لذلك أضطر أن أشتري كل ما نحتاجه وأنا صامتة؛ لأني لا أحب المشاكل، ولا أعرف كيف أتصرف!

منذ زواجنا لا أتذكر أنه أعطاني ولو مبلغًا صغيرًا لكي أشتري شيئًا ما، لا يتذكر احتياجاتي أنا والطفلتين من دواء أو لباس، فقط يشتري المؤونة، وبدورها تكون ناقصة، وبالفعل أنا موظفة ولا أحتاج لماله، لكن يحزّ في نفسي أن دولاب ملابسي مثلًا ليس فيه ولو قميص واحد اشتراه لي، ويحزّ في نفسي أن أمرض ولا يهتم بعلاجي.

هو شخص لطيف ويصلي ويتقي الله، ولكنه لا يهتم باحتياجاتنا، ودائمًا يشتكي في بداية الشهر أن راتبه قد انتهى، أنا أريده فقط أن يتذكرني بعض الأحيان، ولو في الأعياد بلباس أو دواء أو غيره، يخرج إلى العمل ولا يترك درهمًا واحدًا، ولا يهمه إن احتجنا شيئًا.

ملاحظة: أنا أصرف على أهلي (أمي مريضة بباركنسون، وأبي أصبح شيخًا كبيرًا، وأختي كذلك).

من فضلكم ماذا أفعل؟ وهل أفتح معه الموضوع، علمًا أن كل شيء سيتغيّر إن تكلمتُ معه في هذا الموضوع؟

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ نور .. حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

مرحبًا بكِ -ابنتنا الفاضلة- في الموقع، ونشكر لكِ الاهتمام وحسن العرض للسؤال، ونسأل الله أن يهدي زوجكِ حتى يقوم بما عليه من الواجبات؛ فإن النفقة واجبة على الرجل، قال تعالى: ﴿لِيُنفِقْ ذُو سَعَةٍ مِّن سَعَتِهِ وَمَن قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ﴾.

والنفقة لها علاقة بإمكاناته المالية، لكن ينبغي أن يجتهد في أداء ما عليه، فالنفقات الرئيسية عليكِ وعلى البنات واجبة عليه، وللزوجة أن تُساعد زوجها، وهذا من باب الإحسان وحسن المعاشرة، ونرجو أن يكتب الله لكِ الأجر على ما قمتِ به تجاهه وتجاه البنات، لكن من المهم جدًّا أن يُقدّر هذا، وأن يعترف بفضلك، وأن يجتهد في بذل ما عليه.

ويبدو أنه اعتاد من البداية أنكِ تتحملين المسؤولية؛ ولذلك نتمنى أن يكون العلاج تدريجيًا؛ طالبيه بأن يأتي ببعض الأشياء، وحاولي دائمًا أن تطلبي منه في طريق عودته أن يأتي لكم بما تحتاجون -بهذه الطريقة- لأننا لا نريد أن تتوقفي فجأة، ولا نريد أن تطالبيه جُملة بأن يتغير في يوم واحد، فالمسألة قد تحتاج لبعض الوقت.

وأعتقد أنكِ –ولله الحمد– إذا كنتِ سعيدة وتنفقين وقادرة على أن تمارسي هذه الأدوار، فلا تقصرين مع والدتكِ ووالدكِ والأسرة في مرضهم وفي عافيتهم، وتستطيعين أن تقومي بأي مساعدة له، لا مانع من أن يستمر هذا، لكن مع ضرورة أن تتدرجي في تحميله بعض المسؤوليات؛ فإذا كان لا يملك مالًا، فينبغي أن يملك الكلام الطيب، والدعم المعنوي، ويشكر لكِ ما تقومين به، ويَعدكِ خيرًا.

وإذا كان –ولله الحمد– مصلّيًا، وذكرتِ أنه لطيف ويتقي الله -تبارك وتعالى- فعليه أن يعلم أن من تقوى الله أن ينفق الإنسان على أسرته، وحبذا لو شجعتِ تواصله مع الموقع حتى يعرض ما عنده، وحتى نستطيع أن نتحاور معه حول هذه المسائل، ونتكلَّم معه بمنطق الشرع، ويستمع من الخبراء من آبائه وآبائكم من الخبراء والمختصين في هذا المجال.

موقعكم يرحب بكم، ونكرر لكِ الشكر على هذا الذي قمتِ به تجاه الأسرة، ولن تندمي عليه، لكن هذا لا يعني أن يتخلى عن مسؤولياته؛ لأن هذه مسؤولية شرعية، والوالديَّة مسؤولية، ولا بد أن يقوم بكل ما عليه، فإذا نقصت الأموال أو انتهت، فلا مانع عند ذلك من أن تقومي بمساعدته، كما كانت تفعل زينب الثقفية -زوجة عبد الله بن مسعود رضي الله عنهما- بل يجوز أن تُعطي الزوجة من زكاتها، كما كانت أيضًا تفعل زينب زوجة ابن مسعود وزينب الأخرى في القصة الشهيرة عندما جئن إلى النبي ﷺ يسألنه هذا السؤال، قَالَتْ: «يَا نَبِيَّ اللهِ، إِنَّكَ أَمَرْتَ الْيَوْمَ بِالصَّدَقَةِ، وَكَانَ عِنْدِي حُلِيٌّ لِي، فَأَرَدْتُ أَنْ أَتَصَدَّقَ بِهِ، فَزَعَمَ ابْنُ مَسْعُودٍ أَنَّهُ وَوَلَدَهُ أَحَقُّ مَنْ تَصَدَّقْتُ بِهِ عَلَيْهِمْ، فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: صَدَقَ ابْنُ مَسْعُودٍ، زَوْجُكِ وَوَلَدُكِ أَحَقُّ مَنْ تَصَدَّقْتِ بِهِ عَلَيْهِمْ».

زوجك عليه أيضًا أن يتحمل مسؤوليته، ويتذكر أن هذا واجب عليه، ومتى ما جاءته الأموال ينبغي أن يعوّضكِ، ويعوّض البنات، ويعوّض الأسرة على ما قمتم به، ونسأل الله -تبارك وتعالى- أن يهديه للقيام بواجباته.

ولا نؤيد فكرة الدخول في الموضوع فجأة ومناقشته بحدّة، ولكن نتمنى أن تتدرجي في هذا، وتتلاطفي معه، وأن تطلبي منه أن يأتي ببعض الأشياء، وأن يزيد من النفقة، يعني بطريقة ظريفة ولطيفة، وأنتِ أدرى وأعرف الناس بزوجكِ، وبالطريقة التي يمكن أن تصلح للحوار معه.

لكن نكرر: هذا واجب شرعي على زوجك، وما قمتِ به من مساعدته في الإنفاق على البيت وعلى أبنائك مأجورة عليه، ونسأل الله لنا ولكم التوفيق والسداد.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً