الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

إرشادات لشاب يعاني إهانة أبيه له أمام أخواته والتباغض بين أفراد الأسرة

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

إن أبي يبحث عن أي شيء يذلني به، ويشتمني بألفاظ سيئة أمام أخواتي البنات وأمام أمي، وأنا ابنه الذكر الوحيد، ودائماً يهددني بالطرد من البيت، ويدعو علي بالموت رغم أني لم أفعل شيئاً، وقد تسبب في ذلك أن جميع من في البيت لا يحبون بعضهم، وقد تعبت من ذلك الوضع، فماذا أفعل؟!
وشكراً لكم.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم.
الأخ الفاضل/ أحمد حسن حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

إنه ليسرنا أن نرحب بك في موقعك استشارات الشبكة الإسلامية، فأهلاً وسهلاً ومرحباً بك، وكم يسعدنا تواصلك معنا في أي وقت وفي أي موضوع، ونسأله تبارك وتعالى أن يصلح ما بينك وبين والدك، وأن يصلح ما بين والدك وبين أسرتكم جميعاً، وأن يصرف عنكم كيد شياطين الإنس والجن، وأن يجعل السعادة ترفرف على بيتكم، وأن يجعلكم من سعداء الدنيا والآخرة، إنه جواد كريم.

بخصوص ما ورد برسالتك: فإنه لأمر يدعو للعجب أن يكون أبٌ بهذه الصفات وبتلك الأخلاق وأن يصل إلى درجة الدعاء على ولده بالموت حتى يستريح كل واحد منهما من الطرف الآخر، وأتصور أن والدك ضحية لتربية خاطئة في صغره أدت به إلى اكتساب تلك الأخلاق السيئة وهذه العبارات البذيئة وهذه التصرفات غير المعقولة؛ لأن كلاً منا يحمل الموروثات التي انحدر منها، وكثيراً ما يكون الواحد منا صورة مطابقة لأبيه في حياته عندما كان يعيش معه وهو صغير في أسرة واحدة، ومنا من يحاول أن يصلح هذا الخلل ومنا من يوفق إلى ذلك ومنا أيضاً من لم يوفق لذلك، وفي هذه الحال ليس أمامنا إلا الصبر، بل والصبر الجميل؛ لأن الإنسان ليس بمقدوره أن يغير أباه، فتستطيع أن تغير ثوبك أو أن تغير ساعتك أو تغير كليتك التي تدرس فيها أو العمل الذي تعمل فيه، وأما أن أغير أبي وأمي فهذا مستحيل، ولذلك ليس أمامنا إلا الصبر الجميل.

عليك بالدعاء بأن يصرف الله تعالى عنه هذه الشدة، واعلم أن الدعاء ينفع مما نزل ومما لم ينزل، ولا تقل: لقد دعوت؛ لأن الله يحب الملحين في الدعاء، وأبشر بخير وفرج من الله قريب بإذن الله تعالى.

كم أتمنى أن تكون هناك فرصة لتجلسوا مع والدكم وتتكلموا معه، وإذا لم تستطع الأسرة كلها فلا مانع أن تجلس أنت معه وحدك وأن تقول له: يا أبي! إني ألاحظ أن هناك عبارات شديدة وهناك نوعاً من سوء التفاهم بيني وبينك، فأريدك أن تدلني على عيوبي ما الذي فعلته حتى أصحح من نفسي، وقل له: أتصور أني ما فعلت شيئاً لهذه الدرجة، وحاول أن تستمع لوجهة نظره وأن تناقشه بهدوء، واجتهد في أن تقبل رأسه وأن تقبل يده وأن تشعره بأنك تقدره وأنك تجله وأنك تحترمه إلى غير ذلك، وحاول معه أن تكتشف مكنون نفسه: لماذا يتعامل معك بهذه الطريقة ولماذا يتعامل أيضاً مع أخواتك وأمك بهذه الطريقة؟

بما أن الأمر عام فإن الكراهية ليست موجهة لك وحدك، وإنما للأسرة كلها، فمعنى ذلك أنه لا يكرهك أنت شخصياً وإنما كل ما هناك أن الجرعة بالنسبة لك أكبر والعيار بالنسبة لك أكبر على اعتبار أنك أنت الذكر الوحيد الكبير، ولذلك هو يعطيك النصيب الأوفى باعتبار مكانتك في الأسرة، فأتمنى أن تفاتحه سواء كنت وحدك بعيداً عن الأسرة وتتكلم معه وتبسط في الحديث معه وتعرف منه وجهة نظره؛ لأن الحوار يفعل الأعاجيب، وكل علماء التربية مجمعون على أن الأسرة التي فيها الحوار أسرة سعيدة وأسرة لديها التغلب على المشكلات مهما كان وزنها وثقلها، ولذلك أتمنى أن تحاور والدك بعيداً عن الأسرة.

إذا لم يكن فلا مانع أن تجمع أخواتك مع والدك وتتكلموا معه وليتكلم واحد منكم ولا تتحزبوا عليه؛ حتى لا يشعر بأنكم تجمعتم ضده وتشكلتم ضده جبهة في وجهه، فهذا قد يزيده تعنتاً وقد يزيده شدة عليكم.

عليك ألا تدعوا على أبيك حتى وإن كان والدك أسوأ أهل الأرض، حتى وإن كان كافراً، فإن الله تبارك وتعالى قال: (( وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا ))[لقمان:15]، فأنت تدعو له بالهداية وتدعو له بالصلاح وتدعو له بحسن الخلق وتدعو له بالاستقامة، لأنك كونك تعيش مع والد رائع أفضل، وفي جميع الأحوال حتى وإن كان خلقه سيئاً فإن جميع الآباء فيهم سلبيات، ونحن في طرق تربيتنا في بلادنا هناك الكثير من السلبيات تؤدي إلى مثل هذه التصرفات، ولكن هي بنسب متفاوتة، فقد تكون أحياناً أشد في هذه الأسرة وأحياناً أخف من هذا في أسرة أخرى بحسب مستواهم الثقافي والاجتماعي، فلا تدع على أبيك ولا تدع على نفسك، وعليك -كما ذكرت لك- أن تعقد جلسة حوارية وأن تجتهد في الدعاء لأبيك، واجعل والدتك تدعو له واجعل أخواتك يدعين له، وإن شاء الله تعالى أبشر بخير؛ فإن النبي صلى الله عليه وسلم أخبرنا أن الدعاء ينفع مما نزل ومما لم ينزل، وأنه لا يرد القضاء إلا الدعاء.
نسأل الله لكم التوفيق والسداد والرشاد وصلاح الحال وهدوء البال، إنه جواد كريم.
وبالله التوفيق.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأكثر مشاهدة