الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

خطيبة ملتزمة وأبوها يعمل ببنك ربوي وأمها متبرجة

السؤال

أنا في مشكلة كبيرة, من الله علي بخطيبة ملتزمة تحب الدين ولكن يعمل أبوها حاليا ببنك ربوي ومن قبل كان يعمل مهندسا في الخارج وأمها تصلي ولكنها متبرجة تدرس في مكان فيه اختلاط. هل يجوز لي الأكل عندهم عند الزيارة , أخاف أيضا على أولادي إن شاء الله من هذا المال خاصة من مال الميراث إن كان يجوز أم لا.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فإن كانت خطيبتك كما ذكرت من الالتزام ومحبة الدين، وهي مع ذلك كارهة لكسب أبيها الربوي، وكارهة لتبرج أمها وعملها في المكان المختلط، وهي تريد بزواجها ـ مع منافعه الأصلية المعروفة ـ التخلص من ملابسة هذه المخالفات، فتوكل على الله وأتم زواجك منها، محتسبا لأجر ذلك عند الله، وأنك بذلك تعين امرأة مسلمة على التمسك بدينها، والتزامها بشرائعه، واجتنابها لمحارمه.

ولابد حينئذ أن تديم النصيحة لأصهارك أن يتقوا الله ويتجنبوا ما حرم عليهم، وتديم تذكيرهم بحقوق الله ونعمه عليهم ورحمته بهم، مع التذكير بالموت وما بعده من حساب وجزاء، وجنة أو نار. لعل الله أن يهديهم على يديك.

وعندئذ يلزمك وقاية نفسك وزوجتك مما هم فيه من مخالفات. ومن ذلك أن لا تقبل هدية والد زوجتك ولا تأكل من طعامه، إن كان كسبه كله من العمل في بنك ربوي.

وقد سبقت بعض الفتاوى في التعامل مع صاحب المال الحرام ومصاهرته فراجع فيها الفتاوى التالية أرقامها:6880، 69047، 66661، 59165، 60040.

وإن كنت لا ترى أن بإمكانك فعل ما سبق، فالسلامة لا يعدلها شيء، فدع ما يريبك إلى ما لا يريبك، وارجع إلى الأصل ؛ فقد بين النبي صلى الله عليه وسلم أن الحسب مما تزوج عليه المرأة في قوله صلى الله عليه وسلم: تُنْكَحُ الْمَرْأَةُ لِأَرْبَعٍ: لِمَالِهَا وَلِحَسَبِهَا وَجَمَالِهَا وَلِدِينِهَا، فَاظْفَرْ بِذَاتِ الدِّينِ تَرِبَتْ يَدَاكَ رواه البخاري ومسلم.

وفي هذا المعنى ورد حديث: تَخَيَّرُوا لِنُطَفِكُمْ، وَانْكِحُوا الْأَكْفَاءَ، وَأَنْكِحُوا إِلَيْهِمْ. رواه ابن ماجه وحسنه الألباني في الصحيحة.

فالأصل هو البحث عن أصهار مرضيين، وقد نص جماعة من أهل العلم على كراهة التزوج بابنة الفاسق (انظر شرح المنهج 4 / 118، أسنى المطالب 3 / 108، فتح الوهاب 2 / 54، غاية البيان شرح زبد ابن رسلان 1 / 246، حاشية قليوبي 3 / 208، حاشية البجيرمي على منهج الطلاب 3 / 380، حاشية الجمل على شرح المنهج 4 / 119).

وقال المناوي: شرف الآباء والأعمام والأخوال مخيلة لكرم المرء ومظنة له، فالفرع وإن طاب قد يفسد أحيانا فأصله يورث الفضيلة والرذيلة.. ويبين ذلك أن الأخلاق نتائج الأمزجة ومزاج الأب كثيرا ما يتأدى إلى الابن كاللون والخلق والصورة، ومن أجل تأديتها إليه كما جاء في خبر: تخيروا لنطفكم (فيض القدير 4 /146).

ولما أراد علي رضي الله عنه أن يخطب ابنة أبي جهل، قال النبي صلى الله عليه وسلم: إِنِّي لَسْتُ أُحَرِّمُ حَلَالًا وَلَا أُحِلُّ حَرَامًا، وَلَكِنْ وَاللَّهِ لَا تَجْتَمِعُ بِنْتُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبِنْتُ عَدُوِّ اللَّهِ أَبَدًا. رواه البخاري ومسلم.

قال ابن بطال: وفيه: بقاء عار الآباء في أعقابهم، وأنهم يعيرون به، ولا يوازون الأشراف؛ كما عير رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بنت أبي جهل وهي مسلمة بعداوة أبيها لله (شرح صحيح البخاري لابن بطال 7 / 355) وكذلك قال ابن القيم في حاشيته على سنن أبي داود (6 / 55 ) وابن حجر (فتح الباري 9 / 329).

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني