السؤال
أنا كنت بنتًا جيدة، وطيبة، وأخلاقي عالية، وعلاقتي بربنا ممتازة، بدأت أعمل ذنبًا، وكنت أعمله غصبًا عني، وبدأت أكره نفسي، وأغضب منها، وأصبحت أخلاقي في نظري سيئة، والسبب الرئيس فيما أنا فيه هو أهلي، وأصبحت دائمًا أراهم سيئين جدًّا، وغير قادرة على التعامل معهم نهائيًّا، وقد أصبحت أكره أبي جدًّا، ولا أطيق رؤيته؛ لأنه دائمًا يقول: لا أريدكم، لا أحبكم، ويهيننا، ويذلّنا لأنه يعطينا المال، ويشعرنا أنه متحكم فينا، ولو تكلم أحد، فسيغادر البيت، ويتركنا، ولن نجد ما نأكله، وبخيل معنا، ويعطينا المال بالتحايل والخصام، ونشعر كأننا نشحذ منه.
وأمي عصبية جدًّا، وتتحامل علينا جدًّا، وخصوصًا أنا؛ لأني مطيعة، ولم أكن أقول: لا في أي شيء.
وأنا الآن لا أطيقهم، وأكرههم جدًّا، ولا أرغب في العيش معهم؛ رغم أني مخطوبة، وأحب خطيبي، ولكن بسبب ما أراه أصبحت لا أريده، وخائفة منه، رغم أني أعيش هكذا منذ زمن، لكن شعوري هذا زاد الآن، وأصبحت لا أتحمّل.
والذي يزيد من تعبي أني خائفة من ربنا أن أخرج من الدنيا وعليَّ تبعات بعد كل هذا الذلّ الذي أعيشه، وأن أدخل النار بسبب أمّي وأبي.
أنا الآن أنفعل، ولا أقدر على التحكّم في نفسي، وخائفة أن يغضبوا عليَّ في الآخر، وأعيش متعبة في الدنيا والآخرة، وأنا من الناس الذين ابتلاهم ربنا بالمرض دائمًا، فلا أستطيع عمل الكثير، أي أنني ضعيفة، وفي حالي.
أنا متعبة جدًّا، وحالتي النفسية سيئة جدًّا، وأفكّر في الموت كثيرًا، وخائفة من حدوث أي شيء مني يغضب الله.
وأنا أحب ربنا جدًّا، وخائفة منه جدًّا، لكني غير قادرة على الفهم والتصرّف، ولا أعرف كيف أصبحت أكرههم.
أنا أعتذر للشيخ الذي سيقرأ الرسالة، لكني محتاجة أحدًا عنده علم أتكلّم معه؛ فليس عندي صديقات، ولا أحد أتكلم معه.
أرجوكم لا تنزعجوا من رسالتي، وشكرًا لسعة صدركم، وجزاكم الله عني خيرًا.
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعـد:
فنشكر لك حرصك على طاعة ربك، وخوفك منه، وحذرك من الوقوع فيما يغضبه.
وإذا لم يتعدّ الأمر كرهك بقلبك لما قد يصدر من والديك من تصرفات غير حميدة، فلا حرج عليك في ذلك، ولكن لا يجوز أن يتعدّى الأمر إلى إظهار شيء من السخط عليهما، ولو بالتأفيف، أو تقطيب الوجه؛ فإن هذا يعدّ نوعًا من العقوق. وراجعي الفتوى: 26911.
وعليك بالصبر على ما قد يصدر من والديك من تصرفات خاطئة؛ فإن هذا قد يكسبهما حبك، والعطف عليك.
واعلمي أن حق الولدين في برّهما والإحسان إليهما يظلّ باقيًا على الولد، ولو وقعت منهما الإساءة إليه؛ فإن ذلك لا يسقط عنه برّهما، كما بينا في الفتوى: 3459.
ونوصيك بأن تهوّني على نفسك، وتكثري من ذِكْر الله تعالى، ودعائه بأن يصلح والديك؛ فهذا خير من الوقوع في شيء من التسخّط؛ فإن ذلك لا يحقق لك مطلوبًا، ولا يدفع عنك مرهوبًا.
وينبغي أن تحرصي على مصاحبة بعض الأخوات المستقيمات؛ فإن ذلك قد يعينك على مواجهة مصاعب الحياة، ويخفّف عنك متاعبها.
وإن كان أبوك مقصّرًا في النفقة -بمعنى أنه لا يقوم بالواجب منها في المأكل، والملبس-، فلكم الأخذ بقدرها من ماله بالمعروف، ولو من غير علمه.
وأما ما زاد على الواجب، فلا يجوز لكم أخذه.
وإن احتجتِ لشيء من ذلك، فينبغي التلطّف في طلبه منه، ولا بأس بالتوسّط إليه عن طريق أحد أقربائك، ونحو ذلك. ولمزيد الفائدة، راجعي الفتوى: 25339.
وأما بخصوص خطيبك؛ فينبغي أن لا تخافي منه، وأن تعامليه بالحسنى, وأن تحثّيه على التعجيل بأمر الزواج، فلعله يخلّصك من كثير من المعاناة التي تجدينها في بيت أبيك، واحرصا على تكوين بيت مسلم، وأسرة مسلمة، طائعة لله، وستجدين السعادة -بإذن الله-.
وليس الحل هو فسخ الخطبة؛ لكونك تعانين من بعض المشاكل مع أهلك؛ فلا ذنب له، وليس كل الرجال سواء.
وأما ما ذكرت من التفكير في الموت: فإن كنت تعنين به تمنّي الموت، فإن ذلك منهي عنه شرعًا، كما بينا بالفتوى: 31781.
وإن كان المقصود التفكير في الانتحار؛ فهذا أمر عظيم؛ لأن الانتحار كبيرة من كبائر الذنوب، وتعظم به المصيبة، وانظري الفتوى: 10397.
والله أعلم.