الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فقد اختلف العلماء في حكم هدية المقترض للمقرض قبل الوفاء على أقوال، وملخصها كما جاء بالموسوعة الفقهية الكويتية ما يلي: أحدها: للحنفية, وهو أنه لا بأس بهدية من عليه القرض لمقرضه, لكن الأفضل أن يتورع المقرض عن قبول هديته إذا علم أنه إنما يعطيه لأجل القرض, أما إذا علم أنه يعطيه لا لأجل القرض, بل لقرابة أو صداقة بينهما, فلا يتورع عن القبول, وكذا لو كان المستقرض معروفا بالجود والسخاء, فإن لم يكن شيء من ذلك فالحالة حالة الإشكال, فيتورع عنه حتى يتبين أنه أهدى لا لأجل الدين.
والثاني : للمالكية, وهو أنه لا يحل للمقترض أن يهدي الدائن رجاء أن يؤخره بدينه, ويحرم على الدائن قبولها إذا علم أن غرض المدين ذلك, لأنه يؤدي إلى التأخير مقابل الزيادة, ثم إن كانت الهدية قائمة وجب ردها, وإن فاتت بمفوت وجب رد مثلها إن كانت مثلية, وقيمتها يوم دخلت في ضمانه إن كانت قيمية, أما إذا لم يقصد المدين ذلك, وصحت نيته, فله أن يهدي دائنه, قال ابن رشد: لكن يكره لذي الدين أن يقبل ذلك منه وإن تحقق صحة نيته في ذلك إذا كان ممن يقتدى به, لئلا يكون ذريعة لاستجازة ذلك حيث لا يجوز. ثم أوضح المالكية ضابط الجواز حيث صحت النية وانتفى القصد المحظور فقالوا: إن هدية المديان حرام إلا أن يتقدم مثل الهدية بينهما قبل المداينة, وعلم أنها ليست لأجل الدين, فإنها لا تحرم حينئذ حالة المداينة, وإلا أن يحدث موجب للهدية بعد المداينة, من صهارة أو جوار أو نحو ذلك, فإنها لا تحرم أيضا .
والثالث للشافعية وهو أنه لا يكره للمقرض أخذ هدية المستقرض بلا شرط ولو في الربوي, قال الماوردي : والتنزه عنه أولى قبل رد البدل .
والرابع للحنابلة, وهو أن المقترض إذا أهدى لمقرضه هدية قبل الوفاء , ولم ينو المقرض احتسابها من دينه, أو مكافأته عليها لم يجز, إلا إذا جرت عادة بينهما بذلك قبل القرض, فإن كانت جارية به جاز أما إذا أهداه بعد الوفاء - بلا شرط ولا مواطأة - فهو جائز في الأصح لأنه لم يجعل تلك الزيادة عوضا في القرض ولا وسيلة إليه, ولا إلى استيفاء دينه, فأشبه ما لو لم يكن هناك قرض, واستدلوا على ذلك بحديث فيه مقال وآثار صحيحة عن بعض الصحابة رضي الله عنهم . وعن الإمام أحمد رواية بجواز الهدية غير المشروطة من المقترض إلى المقرض. انتهى.
وبهذا يتبين أن الأحوط للمقترض أن لا يهدي المقرض هدية إلا إذا كانت هناك بينهما عادة بذلك أو أن يكون ذلك بعد وفاء الدين، وأما بالنسبة لك، فالذي نراه أن لا حرج عليك فيما فعلت طالما لم يكن هناك اشتراط على ذلك أو مواطأة كما يظهر لنا؛ لأن هذا يعتبر من حسن القضاء، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم استسلف بكرا فرد خيرا منه، وقال: خيركم أحسنكم قضاء. وهذا من مكارم الأخلاق المحمودة عرفا وشرعا، ولا يدخل في القرض الذي يجر نفعا، لأنه لم يكن مشروطا في القرض من المقرِض ولا متواطأ عليه، وإن كان الأولى أن تفعل ذلك بعد سداد الدين خروجاً من الخلاف.
وعلى كل حال فلا أثر لهذه الهدية في بطلان العمرة أو عدمه، نسأل لله عز وجل أن يتقبل منا ومنك صالح الأعمال.
والله أعلم.